أثار إعلان الاستخبارات النرويجية عن وجود تهديدات إرهابية تستهدف البلاد، انقساماً بين النرويجيين حول ضرورة الكشف عن تلك التهديدات. وفي حين يعتبر جهاز الاستخبارات، المعروف اختصاراً بـ"بي إس تي"، أنه من حق المواطنين معرفة أسباب انتشار دوريات الشرطة في العاصمة أوسلو، يرى البعض أن التهديد الأمني المعلن مجرد اختراع للجهاز الأمني، يهدف لإظهار نفسه بمظهر المؤتمن على أمن البلد، أو لإخافة "الإرهابيين" المفترضين.
وشهدت أوسلو، منذ يوم الخميس الماضي، حالة من الخوف، أجبرت سكانها على الابتعاد عن المناطق العامة، بما فيها المحطة المركزية وسط العاصمة، وهو أمر أزعج أصحاب المتاجر والسائقين، في ذروة موسم الإجازات.
ولا يعتقد الكثير من النرويجيين أن "التحذير من عمليات إرهابية" ضد بلادهم، يأتي على خلفية ما يحدث في سورية. يتساءل أحدهم، وهو كريستيان أولسن، "لماذا سيستهدف أي إنسان النرويج؟ نحن بلد مسالم، ولم نشارك في أية حروب أو نزاعات في الشرق الأوسط".
ويذكر أولسن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن بلاده "ظلت محايدة ومؤيدة لحقوق الإنسان في المنطقة العربية، ويبدو لي أن هناك من يريد تشويه سمعة العرب والمسلمين بمثل هذه التهديدات المزعومة".
وبالرغم من أن شيئاً لم يحدث منذ يوم الخميس الماضي، إلا أن التحذير الأمني أخذ على محمل الجد، وخصوصاً أنه التحذير الأول من نوعه منذ 41 سنة.
وفي مؤتمر صحافي عقد، أمس الأحد، أعلنت مسؤولة جهاز الاستخبارات النرويجي، بينديكته بيورنلوند، أنه لم يجر توقيف أحد على خلفية تلك التهديدات، وبأن "الخروج بتحذير علني للمواطنين كان أمراً ضرورياً للقيام بالعمل الموكل بالجهاز".
وتعترف المسؤولة الأمنية بأن التواجد الأمني المسلح في الشوارع، قد يكون مزعجاً للمواطنين لكنها، في المقابل، تحدثت عن ضرورة حماية الأماكن الحساسة.
وكان جهاز الاستخبارات طالب المواطنين القاطنين في أوسلو، الإبلاغ عن أي شيء "مثير للشبهة".
من جهتهم، يعرب بعض النرويجيين، من المهاجرين، عن تشككهم بهذا التحذير. يقول أحدهم، ويدعى يوسف الصادق: "إذا ما ظهر بأن التهديد قائم على أوهام، فإن ذلك سيدمر مصداقية الجهاز الأمني النرويجي، وخصوصاً أنه لم يجر توقيف أحد".
بدوره، يقول كورمان كورسماس: "يتعلق الأمر بهستيريا أمنية في ذكرى مذبحة أندرس بريفيك في جزيرة أوتويا"، التي وقعت قبل ثلاثة أعوام، في 22 يوليو/تموز.
وتعتبر مذبحة أوتويا، أكبر مذبحة تعرضت لها النرويج في تاريخها، إذ أقدم بريفيك، على إطلاق النار، على تجمع شبابي من الأحزاب السياسية من خارج النرويج، مما أدى إلى مقتل العشرات من الطلبة حينها.
وفي السياق، تضمنت افتتاحيات الصحف النرويجية، الصادرة اليوم الاثنين، مثل صحيفة "أفتن بوستن"، نقاشاً حول استخدام كلمتي " إرهاب" و"تهديد" في بيان التحذير الأمني.
واعتبرت الصحيفة أنه "لا يجوز استخدام هاتين المفردتين إلا في حالات الضرورة القصوى، وفقط حين يكون هناك تهديد بعملية إرهابية"، بينما ذهبت صحف أخرى للدفاع عن الجهاز الأمني الذي "لم يكن أمامه من خيار آخر"، مثل صحيفة "في غي".
وتعليقاً على حال البلبلة التي أثارها البيان الاستخباري، اعتبر خبير الشؤون الأمنية، ماونوس راسنتروب، في تصريحات للقناة النرويجية الرسمية، أن التحذير الأمني "سيؤدي إلى تصاعد كراهية الأجانب"، محذراً من "الانجرار وراء الانفعالات التي تؤدي لاعتبار أن كل المسلمين من أنصار تنظيم القاعدة".
وذكّر راسنتروب النرويجيين بمذبحة أوتويا، معتبراً أن المتطرفين من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"القاعدة" لا يمثلون ديناً معيناً، إنما هم متطرفون يمارسون الإجرام، على حد قوله.
وكانت حالة الهستيريا، التي عاشتها البلاد خلال الأيام الماضية، قد أدت إلى توقيف مواطن نرويجي يدعى دانيال بيترسن، بعدما تم منعه من مواصلة رحلته على متن شركة طيران هولندية، بسبب لون بشرته، كما صرح هو نفسه لصحيفة "24" اليوم الاثنين.
وكانت مسافرة اعتبرت أن دانيال، الشاب صاحب الأصول الأميركية اللاتينية، بدا مثيراً للشبهة حين كانت الطائرة على وشك الإقلاع، قبل أن تطلب من الشرطة إنزاله.
ولم يتوقف الأمر عند دانيال، فقد أوقفت الشرطة شاب يدعى يان ايغيل ريمي، خلال ممارسته لرياضة الجري في شوارع العاصمة، على خلفية سحنته "الأجنبية". الأمر الذي علّق عليه ريمي بالقول: "أعتقد أنهم فهموا سريعاً بأنني لا أشكل أي تهديد، فاعتذروا مني وتركوني أتابع رياضتي".