المُعجِزة الماليزيّة

14 يناير 2015
+ الخط -
تُعدّ ماليزيا في طليعة الدول التي يطلق عليها لقب "النمور الآسيوية"، والتي باتت ‏تشمل اقتصادات دول آسيوية أخرى من بينها تايوان، وسنغافورة، وهونغ كونغ ‏وكوريا الجنوبية، وبدأت تايلندا بالتقدم الاقتصادي في الفترة الاخيرة. في هذا ‏الإطار، تبرز تجربة مملكة ماليزيا، الواقعة في جنوب شرق آسيا، كتجربة ملهمة ‏لعالمنا العربي الغارق بالأزمات الاقتصادية.‏
ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي، بدأت رحلة ماليزيا الطويلة في التحوّل ‏من بلد زراعي يعيش على زراعة المطاط وتصديره، إلى نمر اقتصادي كبير، ‏عندما أطلقت بنجاح، ولأول مرة في العالم، تجربة رائدة فى إصدار الصكوك ‏الإسلامية، حيث عملت على إخراجها من دائرة الفقر إلى آفاق التنمية الاقتصادية ‏والاجتماعية.‏
وقد بدأت الفكرة من خلال رهن وبيع مطار كوالالمبور لحَمَلة الصكوك مقابل ‏إصدار صكوك بنحو 100 مليار دولار، ثم إعادته الى ملكية الدولة ولكن بعد عشر ‏سنوات، تكون الدولة قد قامت بسداد قيمة هذه الصكوك، لكن بعد أن استخدمت هذه ‏الحصيلة فى بناء مشروعات عملاقة فى مدى زمني قصير، وهو ما ‏صنع ما يسميه البعض بالمعجزة الماليزية. فمن خلال إصدار الصكوك، تم تنفيذ ‏مشاريع كبرى، مثل برجي "بتروناس" كأعلى مبنيين توأمين في العالم، ومطار ‏‏كوالالمبور الدولي، والطريق السريع بين الشمال والجنوب، وحلبة "سيبانغ" ‏الدولية، وممر الوسائط المتعددة الخارق، وسد "باكون" الكهرومائي.‏
خرجت ماليزيا من أسر التخلّف ودخلت في نادي الدول المتقدمة القادرة على تنويع اقتصادها، وهو حال ثقافتها التي تمتاز بالتنوع الفريد، فثلثا شعبها يتكون من ‏الملايو، وربعه من ذوي الأصول الصينية، ونسبة لا تقل عن 10% من ذوي ‏الأصول الهندية، وهم يتحدثون لغات الملايو والصينية والهندية والتاميل ‏والإنجليزية وغيرها.‏
ويكمُن السِّر، أيضاً، الذي ساعد ماليزيا في أن تصبح دولة صناعية متقدمة ‏ومصدّرة لسلع مصنّعة محلياً بهذا الحجم الكبير، هو ما تظهره الإحصائيات التي ‏تشير إلى أن 91% من مجموع الشركات المسجلة في ماليزيا هي شركات صغيرة ‏ومتوسطة الحجم، معظمها ينشط في المجالات الإنتاجية والتصنيع والتي باتت تُمثِّل ‏ركيزة من ركائز الاقتصاد الماليزي والموظف الأول للعمالة. ‏
كانت خطة الدولة الأولى للنهوض بالصناعة، التي بدأت عام 1996 واستمرت ‏لعام 2000، تقوم على دعم القطاع الصناعي بدءاً من تنشيط المشروعات الصغيرة ‏والمتوسطة، وذلك من خلال مساعدتها في الحصول على تمويل خاص يساعدها ‏في التوسع الصناعي.
أما الخطة الثانية، والتي امتدت الى عام 2005، فقد كان ‏تركيز الدولة يَنصبّ فيها على النهوض بالمشروعات الإنتاجية والتصنيعية ذات الطابع ‏التصديري المتخصص من خلال إنشاء تجمعات صناعية متخصصة، ما أدى إلى ‏بروز شركات كبرى ومهمة في البحث والتطوير، وتصنيع المعدات، والتغليف، ‏والتجارة الإلكترونية وغيرها.‏
وقد امتدت النهضة الصناعية لتشمل نهضة علمية وتكنولوجية متقدمة، حيث تُصدِّر ‏ماليزيا إلى العالم التكنولوجيا المتقدمة لتجني منها عائدات لا تقل قيمتها عن 60 ‏مليار دولار سنوياً. ففي كثير من الأحيان، أصبحنا نقتني أجهزة كمبيوتر ‏ومستهلكات إلكترونية عديدة تم تصنيعها في ماليزيا. واليوم، يُساهم قطاع ‏الصناعات التكنولوجية بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ما كان له الدور ‏الإيجابي في تطور السلع المصنّعة، حتى باتت ماليزيا في طليعة البلدان الصناعية ‏في جنوب آسيا.‏
تعتبر التجربة الماليزية فريدة في نوعها، كونها لم تكتفِ بوضع أفكار نظرية ‏مجردة، بل ترجمتها فعلياً في شكل سياسات قابلة للتطبيق على أرض الواقع، مكّنت ‏الافراد من توظيف طاقاتهم الدفينة في الإنتاج والابتكار، وساهمت في تحقيق ثورة ‏تقنية للدولة ككل. إذ لا يمكن الحديث عن تحقيق طفرة لبلد ما من دون إشراك ‏الأفراد والدولة والمجتمع في تحقيق الحلم ‏النهضوي.‏
فكرة خلّاقة واحدة، كفكرة إصدار صكوك إسلامية، ساعدت ماليزيا بإقامة مشاريع ‏كبرى وظّفت فيها أعداداً كبيرة من شبابها وشاباتها وقلّصت نسبة البطالة لديها ‏بشكل كبير. هذا ما نحتاجه اليوم في عالمنا العربي، حيث أصبحت الأوضاع ‏الاقتصادية عاملاً ضاغطاً، فهناك الملايين من ‏الأجيال الشابة التى تبحث عن حقها في فرصة عمل ومسكن لائق وحياة إنسانية ‏كريمة. ‏
المساهمون