المُستلذون باغتيال ثوراتنا

18 مارس 2015
+ الخط -

لا يخفى الارتياح، بل الاسترخاء، والتخلص من عوارض الصداع لدى العدو الأول والأساسي للشعوب العربية، أي الكيان الصهيوني، منذ أن بدأ التدحرج في كفة الموازين إلى جانب عودة معسكر الأنظمة القديمة، وتحقيق الثورات المضادة لضربات موجعة للثورات العربية في غير مكان.

وإذ لا يبدو فهم هذه الحالة في الطرف الصهيوني مستعصياً على الشعوب العربية، بما تعلمه عن اختبار وتجريب لطبيعة الأنظمة الاستبدادية التي حكمت وتحكمت فيها وأحكمت على أنفاسها طويلاً، وكذلك لما تشعر به ضمن فضائها الجمعي من حالة رفض فطرية وواعية في آن واحد، ومتأصلة، ليس فقط لسياسات الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وتجاه العرب، شعوباً وأوطاناً لا أنظمة، بل لوجود هذا الكيان الاستعماري أساساً.

وفي ما يخص رفض الشعوب العربية لهذا الكيان، فإنه يرتبط أساساً بالصفة الأولية له، أي الاستعمارية، ويتعلق تالياً بعنصريته وإحلاليته الاستيطانية.. إلخ.. لكن المحدد الأول يبقى رفض الاستعمار على أرض عربية، أي أرض، وهو ما يشتبك برفض الاستبداد أيضاً، وإذا كان من حديث عن وحدة الشعور القومي عربياً، وارتباط المأمول ببعضه على مستوى الثورات العربية في مختلف الأقطار التي قامت فيها، فإن مشهد حضور فلسطين ضمن شعارات الثورات كلها يدلل على تلك الوحدة، وما كانت تلوح بوادره من ترحاب بالفلسطينيين وحضور لقضيتهم مع إحساس الشارع العربي باستكمال خطوات مؤسسة نحو الدمقرطة والحرية يتكفل بالإصحاح.

هذان العاملان، أي تحقيق خطوات معقولة نحو الحرية في بلدان الثورات، وتعزيز حضور الورقة الفلسطينية، أشعلا حمى التلاقي، الذي لم ينقطع، بين أنظمة الاستبداد وكيان الاستعمار، فالأولى لا يكون من صالحها بأي شكل أن يتم الاقتراب قيد أنملة من تحقيق حرية للشعوب أو خلق ظلال ديمقراطية في أوطانها، وصولاً إلى دولة مدنية يحكمها القانون ويحركها العدل وتميزها الحرية، والثاني تسوؤه كلتا الصورتين غير المنفصلتين، الديمقراطية والحرية عربياً أولاً، والترحاب بفلسطين ثانياً.

ولكي لا تبقى العدسة برسم رصد الشعور القومي المشترك عربياً، في ما يختص بالشعوب، وبالتالي التصورات والمصالح، وانعكاس تحقيق الأفضل على مسيرة نضال الحرية والكرامة العربية على توفير الأفضل لفلسطين، فيكفي تحريكها نحو زاوية الاسترخاء الذي تتنعم به المؤسسة الأمنية الصهيونية ومستوطنوها شمال فلسطين المحتلة، بعد أن انصرف من كان مقاوماً إلى حين للالتهاء بمشروع آخر، مغاير بالكلية لمشروع مقاومة الاستعمار الصهيوني في المنطقة العربية، مرتهناً لمتطلبات المحاور الإقليمية في تضادها، ومترجماً لدور أجهزة الثورة المضادة ضد ثورة الشعب السوري، مصطفياً الإرهاب والرعب التكفيري، الذي لا ينكر ولا يخفي غزوه لسورية شريكاً في خدمة المشروع المضاد للثروات العربية، وليس فقط للثورة السورية، مبرراً للتناقض الحاصل بين التعريف الخطابي لهوية مقاومة وبين هوية أداتية تكتيكية تخدم مصالح أنظمة استبدادية نشوتُها الدم.

ولا تنتهي المقاربة إلا بإلقاء النظر على الاطمئنان السائد على جبهة الجنوب، حيث بات يشن الهجوم من الجار الشقيق الجنوبي، وليس فقط مهادنة هذا الجار للعدو وتخفيف تكاليف وجوده، بل أيضا يتم تجريم المقاومة الفلسطينية، بل الشعب الفلسطيني بكامله، فضلاً عن تجويعه وخنقه ومنع رحمة متنفس باطن الأرض عنه، ولماذا؟ تقديماً لأوراق اعتماد وصلاحية لإثبات ألفة النظام الانقلابي، ونفياً لواقع قمعه الحريات وجنايته على ثورة التفّ على عنقها خانقاً لها.

بينما في أقاصي الجنوب العربي، فالمبكيات المبكيات، حيث تناقض صرخة "الموت لأميركا وإسرائيل"، مع عوامل توفير ما هو مفيد لفلسطين من التسليم لإرادة الشعب والإسهام في إحقاق خياراته التي أمسى تغييبها بالغ التركيب يعج بأكثر من صورة انقلابية عليها. هذا بعض مما يمكن أن يوضح مشهد التلذذ باغتيال الثورات ومؤديه.


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون