الموهبة بين الازدهار والاندثار

27 ديسمبر 2015
د.عمار عبدالغني (المصدر)
+ الخط -
لا أتبنى شخصياً التعاريف الشائعة للموهبة اللغوية منها والاصطلاحية، والتي تشير بصورة أو بأخرى إلى عطية وهبة ومنحة خاصة يهبها الله لشخص دون آخر يطلق عليه موهوباً ويتميز بها عن أقرانه.

فالموهبة كما أراها ببساطة هي كل القدرات التي منحها الله للبشر بالعدل، فكل إنسان موهوب حتى ذوي الإعاقة لديهم نفس القدر والكم من الموهبة ولكنها ليست بالضرورة تكون متماثلة بالكيف والنوع مع الآخرين.

فكل واحد منا يمتلك بامتياز خصائص الموهبة، ولكن الذي يضمرها ويخفتها ويحجمّها ويخنق ازدهارها إلى أن تصل إلى مرحلة الإندثار والتلاشي هو الذي يجعلنا نتصور أنها خصيصة لبعض الناس دون البعض الآخر.


وفيما يلي عوامل إزدهار الموهبة وإندثارها:

1-الدولة
ويقع على عاتقها مسؤولية كبرى بما لديها من صلاحيات تساعد الموهبة في أن تتطور بدلاً من أن تندثر وتختفي، وذلك عن طريق إصدار القوانين المساندة للمواهب، كالسماح بالتسريع الأكاديمي أو التقدم عبر درجات السلم التعليمي خلال مرحلة الدراسة الأساسية استناداً لمعايير متنوعة من أهمها بناء مدارس للموهوبين وأحكام المعلمين والتفوق في التحصيل المدرسي.

2- الأسرة 
ويقع على عاتقها توفير المناخ المغذي للموهبة، عن طريق التآلف مع تصرفات الموهوب وعدم الانزعاج أو القلق منها، فهو طفل مثل سائر الأطفال، وكونه موهوبا لا يخرجه عن نطاق طفولته، فالطفل الموهوب يحتاج إلى القدر نفسه من المحبة الأبوية والرعاية الأسرية التي يحتاجها سائر الأطفال.
كذلك عدم المقارنة بينه وبين الآخرين، بل ينبغي احترام فردية الطفل ونوع موهبته والابتهاج بها، أضف إلى ذلك أهمية الاستماع لأسئلة الطفل والاستجابة لها بصورة تامة وصادقة.

اقرأ أيضا:عبد المؤمن... كيف جعلته أمه عالماً صغيراً؟

3-المدرسة
المنوط بالمدرسة أن تتوقع وجود طلبة لامعين وتأخذ بيدهم، فمن الناحية الإحصائية البحتة فإن المدرسة التي تضم ألف تلميذ يوجد فيها 20 طالبا من النابغين جداً، ومع ذلك فقد وجد بعض الباحثين أن المعلمين يرفضون الاعتقاد بأن مدارسهم تضم بعض الأشخاص النابغين جداً.
لذلك يجب أن تكون المؤسسة التعليمية على قناعة تامة بأن من حق هؤلاء النابغين أن يتلقوا زاداً تربوياً خاصاً ملائماً لمواهبهم وهذه مسألة تتعلق بضمير المعلم ورسالته.


4-المجتمع
قد يكون المجتمع أعدى أعداء الموهبة إذ تقوم بخنق المواهب من دون أن تدري أو تبالي، وتشير بعض الدراسات إلى أنه لا يوجد في معظم الدول العربية برامج خاصة أو مشروعات وطنية لرعاية الموهوبين والمتفوقين. 

وبسبب الثالوث المرعب (الفقر- الجهل– المرض) لا تزال مجتمعاتنا تتجاهل مدى حاجتها إلى طاقات الموهوبين والمبدعين من الناحية العملية، وبالتالي تهمل مسألة اكتشافهم والتعرف إلى حاجاتهم وتوفير العناية والتربية اللازمة لهم.

5-منظمات المجتمع المدني
ظهرت في الآونة الأخيرة جهات أهلية (غير حكومية) تسعى إلى دعم الأطفال الموهوبين والمبدعين، وتعمل على تنمية مواهبهم وتقديم العون والرعاية لهم، وتساهم أيضاً في الكشف عن المبدعين في المجالات الأدبية والعلمية والفنية والرياضية وغيرها من خلال تعليم وتوجيه وإرشاد المبدعين ومتابعتهم والتنسيق مع المؤسسات المحلية والعربية والدولية لرعاية المبدعين. 

وفي الختام، نؤكد مابدأنا به وهو أن كل إنسان ثروة بشرية كامنة، تضاهي في أهميتها أي ثروة أخرى، وموهبة تستحق العناية ويعد اكتشافها وتنميتها واجب وطني وديني وأخلاقي، وأي تقصير أو إهمال في استغلال هذه الثروة يعتبر كارثة حقيقة، فيجب أن تكون رعاية الأطفال الموهوبين من الأولويات وليست من العناوين المدرجة والمنسية على هامش جدول الأعمال.

اقرأ أيضا:28 فكرة لخلق بيئة ابتكار في المنزل


المساهمون