الموقف الأميركي من حصار قطر: من الانحياز إلى الحياد فرفضه

05 يونيو 2018
شكر ترامب قطر على جهودها بمحاربة الإرهاب(نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -

نجحت الدبلوماسية القطرية في أدائها العام بشأن الأزمة الخليجية والحصار الذي فرضته الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة على الدوحة، في تحييد البيت الأبيض عن الأزمة الخليجية، والعمل على تغيير مواقفه، من التأييد المبطن للحصار إلى التأكيد على الدور القطري في محاربة الإرهاب ومكافحة تمويله، وفي تبني واشنطن الدعوة إلى حل الأزمة بالحوار.

وبدا، في الأسابيع الأولى التي أعقبت قرارات 5 يونيو/حزيران 2017 أن ضوءاً أخضر تلقته العواصم الأربع من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإعلان هذه القرارات واتخاذ إجراءات على ضوئها ضد قطر. وبدا ترامب، في الأيام الأولى لاندلاع الأزمة الخليجية كأنه طرف فيها، يحرض في تغريدات وتصريحات مقتضبة على قطر، وذلك قبل أن تتدخل وزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان في تغيير مواقفه من الأزمة، وتؤكدا على دور محوري تقوم به قطر في محاربة الإرهاب.

وكان ترامب قد كشف، في تغريدات على حسابه على "تويتر"، بعض كواليس زيارته الرياض والمنطقة في مايو/أيار العام الماضي. فنشر في اليوم التالي لإعلان دول الحصار قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وفرضها حصاراً جوياً وبحرياً وبريا، ما يمكن أن يُفهم منه دوراً أميركياً في الحملة على قطر. وقال ترامب، في إحدى تغريداته، "إنه حُذر خلال زيارته الشرق الأوسط من تمويل الفكر المتطرّف"، وإن "زعماء في المنطقة أشاروا إلى قطر". وكتب في تغريدة أخرى "من الجيد رؤية سريان مفعول زيارتي إلى السعودية والقمة مع 50 دولة. قادة الدول الإسلامية قالوا إنهم سيتخذون موقفاً حاسماً ضد تمويل التطرّف". وقد رد وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حينها في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأميركية، على تغريدة ترامب، بالقول إن "قطر تحارب بالفعل تمويل الإرهاب". وقال سفير قطر لدى روسيا، فهد بن محمد العطية، إن الرئيس الأميركي تراجع عن موقفه المبني على معلومات خاطئة قدمتها له دول الحصار، وإنه تدارك لاحقاً الموقف عندما رأى أين تتجه الأمور. وعندما تبين له من خلال المؤسسات الأميركية أن ما قامت به دول الحصار لا يقوم على دليل، ولا يمت للواقع بشيء، تراجع عن موقفه المسبق، وأخذ موقفاً متزناً.



وقال نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع، خالد بن محمد العطية، في يناير/كانون الثاني الماضي، في محاضرة في مؤسسة "هيريتيج" في واشنطن، "إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يستطيع حل الأزمة الخليجية بمكالمة هاتفية واحدة، من خلال دعوته جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات". ويوضح هذا التصريح للمسؤول القطري البارز الدور الأميركي المؤثر (والمطلوب) في حلحلة الأزمة الخليجية، والذي حرصت الدوحة عليه، لاسيما أنها وجدت علاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن على المحك، فبادرت للتحرّك بسرعة وفي كافة الاتجاهات، لتغيير اللهجة العدائية للرئيس الأميركي تجاهها من خلال تسريع التوقيع على اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، والتوقيع على اتفاقيات استثمارية واتفاقيات تسليح، ثم عقد الحوار الاستراتيجي القطري - الأميركي في واشنطن، والذي تمخضت عنه قرارات واتفاقيات مهمة.

ولعل أبرز ما نتج عن الحوار الاستراتيجي القطري – الأميركي، الذي عقد في واشنطن في يناير/كانون الثاني الماضي، تأكيد الولايات المتحدة أنها مستعدة للعمل مع قطر لردع أي تهديد لسلامة أراضيها، إذ أعربت الولايات المتحدة، وفق بيان رسمي، عن "استعدادها للعمل بصورة مشتركة مع قطر، بما يتسق وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، لردع ومجابهة التهديدات الخارجية لوحدة الأراضي القطرية"، ما يعني تعطيل أي نوايا عدوانية ضد قطر من دول الحصار. وبخصوص الأزمة الخليجية، أكدت الدوحة وواشنطن "ضرورة الحل الفوري لها بشكل يحترم سيادة دولة قطر. وعبرت حكومتا البلدين عن قلقهما بشأن التأثيرات الأمنية، والاقتصادية، والإنسانية الضارة للأزمة، كما أعربتا عن القلق كذلك بشأن السلام والاستقرار في الخليج".

وخلال الحوار الاستراتيجي، سلطت قطر الضوء على دعمها الاقتصاد الأميركي، إذ أفاد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن قطر تستثمر أكثر من 100 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، منها 10 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية. كما أشار إلى أن قطر تستثمر في الخدمات المصرفية الأميركية والرعاية الصحية والأسواق التكنولوجية، في حين تعمل الشركات الأميركية في قطر في مجالات البناء والطاقة والخدمات. وسبق أن أعلنت قطر توقيع اتفاقية شراء طائرات مقاتلة من الولايات المتحدة من طراز "إف 15"، بتكلفة مبدئية، تقدر بـ 12 مليار دولار.

وشهد الحوار الاستراتيجي القطري – الأميركي، الذي شارك فيه وزراء الدفاع والخارجية في كلا البلدين، تأكيداً على دور الدوحة في مكافحة الإرهاب ومحاربة تمويله، والتقدم الإيجابي الذي تحقق وفقاً لأحكام مذكرة التفاهم حول مكافحة الإرهاب التي وقعت بينهما، في يوليو/تموز 2017، بما في ذلك ما يختص بتبادل المعلومات ومكافحة تمويل الإرهاب، والمحافظة على أمن الطيران وبناء القدرات. إذ شكرت الولايات المتحدة قطر على الإجراءات التي تتخذها لمكافحة الإرهاب والتطرّف العنيف، بجميع أشكالهما، بما في ذلك أن قطر إحدى الدول القليلة التي أبرمت مثل مذكرة التفاهم المذكورة مع الولايات المتحدة، وهو ما اعتبره مراقبون طياً لصفحة "تغريدات ترامب"، واتهاماته ضد قطر. وأشادت وزارة الخارجية الأميركية، في تقريرها السنوي، بالشراكة الأميركية -القطرية في مجال مكافحة الإرهاب. ونوهت بالعلاقات القوية التي تربط الوكالات الأمنية الأميركية والقطرية، كما شكر ترامب قطر على جهودها في محاربة الإرهاب والتطرف بصورهما كافة، وذلك، في اتصال هاتفي أجراه مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في يناير/كانون الثاني الماضي، وهو ما يمثل تراجعاً عن اتهاماته السابقة (المبطنة) لقطر بتمويل الإرهاب.

ويعزز تغير موقف الرئيس الأميركي من الأزمة الخليجية، وتراجعه عن مواقفه السابقة ضد قطر، ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز"، في إبريل/نيسان الماضي، عن أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، حمل رسالة إلى السعودية، تطالبها بإنهاء الحصار الذي تفرضه، بمعية الإمارات والبحرين ومصر، على قطر. ووصفت "نيويورك تايمز" الرسالة التي حملها الوزير الأميركي إلى الرياض، في إطار أول جولة خارجية له منذ مصادقة الكونغرس على تعيينه وزيراً للخارجية، بأنها بسيطة وواضحة. وأكدت أن بومبيو، مدير الاستخبارات السابق المحسوب على جناح الصقور في إدارة ترامب، حمل رسالة مفادها "كفى... كفى" للحصار على قطر.