الموظف الإداري التونسي... في المقهى

20 ابريل 2015
وجود كثيف للموظفين في المقاهي (فتحي بلعيد/Getty)
+ الخط -
إذا أردت إجراء معاملة قانونية في تونس، ستكتشف أن معظم المكاتب المعنية التي ستقصدها شبه خالية. وما عليك إذاً إلا أن تجنّب نفسك عناء الذهاب إلى الإدارة والانتظار، يكفي فقط أن تبحث عن الموظفين في أحد المقاهي القريبة.

يعتبر التسيّب الإداري أحد العوامل الرئيسيّة للتدهور الاقتصاديّ، ومحوراً للعديد من الدراسات التي صنّفته كنوع من الفساد الذّي ينخر الإدارة التونسيّة.

يكشف الخبير محمد ياسين السوسي أن الدراسة الأخيرة التي أعدّها مرصد الفساد في تونس، أظهرت حجم التسيّب الذي يسود الإدارة، إذ بلغ معدّل الغياب في العام 2014 37%، أمّا النسبة المتبقية من الموظّفين الحاضرين فلا يقضون سوى ما معدّله 8 دقائق من العمل الفعليّ يومياً".

ويضيف: "هذه المعدّلات الكارثيّة لها آثار مدمّرة على أداء المؤسّسات العموميّة في البلاد، إذ بلغت الخسائر مليوناً و86 ألف يوم عمل، ما أدى إلى تراجع الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصاديّة، بما نسبته 10%، في ظرف اقتصاديّ صعب تعيشه البلاد منذ 4 سنوات".

ويستدل السوسي على كلامه بما تقدمه بيانات وزارة الصناعة، على سبيل المثال لا الحصر، والتي تفيد بتراجع مؤشّر النموّ الصناعي بما يقارب 8%. ويستطرد قائلاً :"الخسائر لا تتوقّف عند حدود الإنتاجية، بل تتجاوزها لتحميل الدولة أعباء التعويضات الناجمة عن الخسائر والتأخير، إذ سجّلت المحاكم خلال العام الماضي أحكاماً بلغت نسبها 60% لصالح المتضرّرين من التسيّب والإهمال"، هذا بالإضافة إلى هروب المستثمرين.

الكرسيّ الشاغر
من جهته، يقر فراس ب. وهو مسؤول إداري كبير في إحدى المؤسسات الحكومية، بوجود تجاوزات كبيرة تنخر الإدارة التونسيّة وتنعكس سلباً على مردوديّة الخدمات المقدّمة إلى المواطنين والمؤسّسات، ويؤكد "استفحال ظاهرة الحضور القانونيّ والغياب الفعليّ عن العمل، إذ ما من دليل على حضور الموظّف سوى توقيعه الموجود على سجّل الحضور، أمّا الكراسي فتظلّ شاغرة أغلب الوقت".


ويضيف: "الرقابة الإداريّة رصدت خلال العام الماضي 65% كحالات غياب من بين 800 ألف موظّف حكوميّ، وهو ما يجعل من الإدارة شبه مشلولة".

وحول غياب الرادع، فيجيب: إن المعضلة الأساسية تكمن في أنّ معظم الغيابات يتم تبريرها عبر شهادات طبيّة. وللأسف فقد انتشرت ظاهرة بيع الشهادات الطبيّة بشكل واسع، وهو ما يجعل قسم الموارد البشريّة عاجزاً عن معاقبة المتغيّبين المحميّين قانوناً بتلك الشهادات المرضيّة. أمّا حالات التغيّب الوقتي والخروج أثناء ساعات الدوام، فلا يمكن محاصرتها نظراً لتضامن الإداريّين مع بعضهم البعض وتغطيتهم لممارسات زملائهم.

امتياز الوظيفة
تقول الناشطة في "الجمعية التونسيّة لمكافحة الفساد"، سامية قعباب، إن "الدافع الرئيسيّ لتمادي الموظّفين في هذه التجاوزات هو حالة التضامن بين الإداريّين من أعلى سلطة حتّى حارس المؤسّسة العموميّة، إذ يعتبر العمل الحكوميّ "تكيّة" ولقمة باردة"، مشيرة إلى أن الدليل على ذلك "يتجلى في ما تكشفه الأرقام الصادرة عن وكالة العمل من حيث تباين نسبة الغياب في القطاع العام ونظيرتها في القطاع الخاصّ".


وتشير قعباب إلى أن عقليّة الموظّف العموميّ القائمة على الاستهتار بدور الدولة واعتبار العمل الحكوميّ امتيازاً لا واجباً، هي ما رسّخ ظاهرة التسيّب وحوّلها من تجاوز قانونيّ إلى عُرف وأسلوب عمل عاديّ في تلك المؤسّسات، فضلاً عن ضعف الرقابة الداخليّة وانعدام الشفافيّة وغياب آليات واضحة لتوزيع المهام والمسؤوليات.

وحول دور المجتمع المدني في مكافحة هذا النوع من الظواهر، تقول قعباب إنّ "المجتمع المدنيّ قام بتحرّكات عدة لدفع المواطنين إلى رصد مظاهر الفساد، والتراخي في الإدارة العموميّة، والتبليغ عنها، والتمسّك بتتبّع الموظّف المتراخي"، معتبرة أنّ "الخسائر يتحمّلها الشعب التونسي، ويتم اجتزاؤها من الضرائب التي يدفعها عموم المواطنين الذين تتعطل مصالحهم في نهاية المطاف".

إقرأ أيضا: تجار الجزائر يهددون: لا لاستيراد المواد الغذائية
المساهمون