الموصل: عائلات تروي حكايتها بعد نجاتها من الموت

17 يونيو 2017
معاناة ستظل موشومة في الذاكرة (كريس ميكراد/Getty)
+ الخط -
تحاول سناء الجبوري جاهدة أن تستعيد عافيتها لكي تهتم بطفليها الصغيرين؛ فقد نجت وطفليها من الموت بأعجوبة، فيما قتل زوجها وعدد من أقاربها وجيرانها في قصف جوي استهدف المنزل الذي كانوا يختبئون فيه.

ما زال عدد مجهول من سكان مدينة الموصل، شمالي العراق، لم يُعرف مصيرهم بعد، فقد يكون تنظيم (داعش) قد أعدمهم، أو ما زال يحتمي بهم أو قد تحولوا إلى جثث تحت أنقاض المنازل.

سناء كانت تحاول برفقة عائلتها وعدد من أقاربها وجيرانها الاحتماء من القصف الجوي الذي يشنه طيران القوات العراقية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فيما يأمرهم عناصر التنظيم أن يختبئوا داخل منازل، يحددها التنظيم، أو يختارونها هم.

في حديثها لـ"العربي الجديد" تشير سناء، التي حرر الجيش المنطقة التي كانت تسكنها في إبريل/نيسان الماضي، إلى أنهم كانوا يأملون النجاة، لكنهم كانوا ينتظرون موتهم.

وأوضحت "لم نكن نتوقع سوى أننا سنقتل في أي لحظة، مسألة نجاتنا أمر كان أبعد من أن نفكر به، لكننا كنا نطلب العون من الله. لم نتوقف عن التوسل بالله أن ينجنا من تلك الأوقات المرعبة".

وأضافت: "كانت ضربة عنيفة. الجميع كان يقول إنها ضربة جوية من طائرة أميركية. كنت أحتضن صغيريّ، فجأة تحول البيت الذي كنا نختبئ فيه إلى ركام، والظلام يحيط بنا. شيئاً فشيئاً انقشع الغبار وبدأت أرى الجثث من حولي، تيقنت أني وطفلي بخير. زوجي مات على الفور وآخرون أيضاً، بعضهم تعرض لإصابات. هرب عناصر داعش، وبعد يوم سيطرت القوات العراقية على منطقتنا وأنقذونا".


"قصف عنيف ومعارك محتدمة والموت مقيم بيننا" تلك العبارة التي اختصر بها سالم الطائي واقع حال أهالي الموصل منذ انطلاق معرك تحرير المدينة.

وأضاف الطائي وهو يتحدث لـ"العربي الجديد" أن، "الناس تهرب من مكان إلى مكان، وإن نجحت في الابتعاد عن مواقع المعارك، فلن تنجو من القصف الجوي، من يموت منا نحاول أن ندفنه سريعاً، بل الواحد منا كان يتمنى أن يموت لكي يكتب نهاية لقصة الرعب التي يعيشها".

الطائي الذي ما زال عازباً وهو في العقد الثالث من العمر، كان يحرص على مداراة والدته الكبيرة في السن "لولا والدتي لهربت من الموصل قبل بدء الحرب مهما كلفني ذلك؛ لكني كنت أحرص على رعاية والدتي المريضة التي توفيت قبل أيام قليلة من بدء معركة تحرير المدينة".

وأشار إلى أنه شارك في دفن عدد من الأشخاص منذ بدء المعركة "لا أتذكر العدد لكني شاركت في دفن أكثر من عشرين شخصاً، توفي أكثرهم من جراء القصف أو أعدمهم داعش، وآخرون توفوا بسبب تداعيات أمراضهم".

ووفقاً لتقارير ميدانية حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر بالمستشفى الإيطالي الميداني في الموصل، ومسؤولين بوزارة الصحة العراقية، أكدتها منظمة "السلام لحقوق الإنسان" في أربيل، التي وصفتها بـ"القريبة من الواقع"، فقد سقط 8 آلاف قتيل منذ السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وإلى غاية مساء الاثنين 5 يونيو/حزيران، في مناطق مختلفة من مدينة الموصل.

كما سقط 24 ألفاً و700 جريح، من بينهم 16 ألف امرأة وطفل، أدخلوا إلى مستشفيات الحكومة أو المراكز الطبية التابعة للتحالف الدولي، أو المنظمات الإغاثية والإنسانية، أو تلك التابعة للأمم المتحدة.


ولايزال مصير نحو 900 مدني مجهولًا، يعتقد أنهم قد جرى إعدامهم بعد اختطافهم خلال رحلة الفرار من المعارك من قبل مليشيات "الحشد الشعبي" و"وحدات منفلتة" تعمل ضمن القوات النظامية  الحكومية.

ولم يدرج، حتى الآن، في الأرقام الموجودة عدد الضحايا الذين ما زالوا تحت الأنقاض؛ بسبب عدم معرفة حقيقة أعدادهم، إلا أن تصريحاً سابقا لنائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، ذكر أن عددهم أكثر من 4 آلاف مدني يوجدون تحت أنقاض منازلهم.

مختصون يؤكدون أن ارتفاع أعداد القتلى يعود إلى اعتماد خطط هجومية غير مناسبة لمعارك المدن، واعتماد سياسة الأرض المحروقة في العديد من الأحياء.

الخبير العسكري اللواء المتقاعد ناظم صبحي توفيق، بدأ حديثه لـ"العربي الجديد" عن معركة الموصل، من وقت سقوطها في عام 2014، واصفاً ما حدث حينها بـ"مأساة" واعتبره "نكبة كبرى للمنطقة عموماً، وللعراق خاصة"؛ وذلك لأن تنظيم "داعش سيطر في خلال ربما ساعات ويقال عدة أيام على الموصل، ثم التوسع الهائل خلال أسابع والسيطرة على 40 في المائة من مساحة العراق اشتملت السيطرة على 5 محافظات مهمة".

أسباب عدة كانت وراء السقوط السريع لهذه المحافظة المهمة التي تأتي ثانياً بعد بغداد من ناحية التعداد السكاني، يلخصها الخبير العسكري بـ"عدم كفاءة القوات العراقية، ووجود بغض كان يكنّه سكان الموصل للقوات الأمنية التي تسيطر على المدينة؛ من جراء تصرفات العديد من القادة العسكريين في تلك المناطق، وكان سبب الانهيار السريع لأربعة فرق من الجيش هو هروب كبار الضباط بالإضافة إلى ضباط برتب مختلفة".

وحول المدة الطويلة التي استغرقها تحرير المناطق، يؤكد أن السبب يعود إلى "الكفاءة المحدودة (للقوت العسكرية العراقية)، خاصة في قتال المدن".

ويرى اللواء المتقاعد ناظم صبحي توفيق، أن "داعش أبلوا بلاءً كبيراً في القتال" مضيفاً أن "داعش قليل العدد وخفيف التسليح بالمقابل هناك عدد هائل من القوات العراقية. ربما النسبة التي تحققت في ساحات العمليات هي 15 إلى 1، وهو ما يناقض تماماً مبدأ مهماً من مبادئ الحرب وهو الاقتصاد في القوة، سواء في الأشخاص أو المال أي المصروفات".

وتابع: "حين تؤَمن 15 إلى 1 يفترض أنه في خلال أيام تُفض المعركة في ساحة معينة" لكنه يرى أن مناطق معينة كانت تحت سيطرة التنظيم "شهدت تدميراً ممنهجاً".

وحول الوقت المتبقي لتحرير كامل الموصل، بعد أن بقي من المدينة حوالي 5 في المائة تحت سيطرة التنظيم، يؤكد الخبير العسكري أنه "يجب عدم تحديد السقف الزمني لأي معركة داخل أي مدينة أو في داخل منطقة مبنية. أي قائد لا يمكن ان يتصور ماذا سيحدث في المعركة القادمة أو الأيام القادمة".

ولفت الانتباه إلى أن المعركة داخل المدن تدار بأسلوب خاص، سعياً لعدم وقوع ضحايا في الجانبين البشري والمادي.

وأوضح أن "العراق يمتلك أسلحة هائلة، من هاونات وصواريخ وراجمات ودبابات ومدرعات وقوة جوية، إضافة إلى وجود 64 دولة ضمن التحالف الدولي، 18 منها تشارك بالقصف الجوي، هذه كلها تضرب وتقصف قناصين أو أشخاصا يقودون سيارات مفخخة وغيرها".

وتستمر معارك تحرير مدينة الموصل التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بإيقاع المزيد من الضحايا بين صفوف المدنيين، في حين تحولت أغلب أحياء المدينة إلى حطام؛ من جراء القصف العنيف والمعارك القوية التي شهدتها وما زالت أحياء الموصل.

 

دلالات