من منزل إلى آخر، تواصل القوات العراقية بمختلف أصنافها، عمليات البحث والتفتيش عمن تقول عنهم إنهم عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، مختبئين داخل المباني القديمة، بينما تستمر عمليات انتشال الجثث من تحت الأنقاض للمدنيين الذين قضوا بفعل القصف الجوي والصاروخي خلال المعارك، للأسبوع الثالث على التوالي، وتتركز في المدينة القديمة، التي شهدت آخر فصول المعارك التي دامت أكثر من تسعة أشهر.
وقال العميد فلاح العبيدي، من قوات مكافحة الإرهاب، لـ"العربي الجديد"، إن "القوات العراقية المشتركة تقوم بحملة تفتيش في المناطق المحررة، بحثاً عن مقاتلي التنظيم الذين يرجح أن يصل عددهم إلى أكثر من 100 مسلح، مختبئين في سراديب ومبان قديمة وأقبية، بعضها تم حفرها من قبلهم لهذا الغرض، بعد تيقّنهم من خسارتهم وعجزهم عن الانسحاب من المدينة".
وفي منطقة الموصل الجديدة، شنت قوات مكافحة الإرهاب عملية بحث وتفتيش دقيقة، بعد ورود معلومات عن وجود عناصر من تنظيم "داعش" متخفّين بين الأسر التي تسكن هذا الحي، حيث طوقت مئات الآليات العسكرية هذا الحي، ومنعت خروج ودخول الأشخاص من المنطقة، وذلك بحسب مصدر أمني محلي.
وفي السياق، قال أبو بشار، أحد سكان المنطقة، أن منزله "تعرّض للتفتيش منذ ساعات الصباح الأولى، بعد أن حضر إلى باب المنزل مجموعة من جنود قوات مكافحة الإرهاب ومعهم ضابط وطلبوا تفتيش المنزل وإحضار الأوراق الشخصية والثبوتية للتحقق من هوية أفراد عائلتي"، مضيفا "قاموا بتفتيش كل شيء في المنزل، حتى غرف النوم ودواليب الملابس".
كما أكد اعتقال عشرات الشبان من المنازل المجاورة بتهمة الانتماء أو تأييد تنظيم "داعش" عندما كان يسيطر على المنطقة.
من جهته، قال ضابط في الشرطة العراقية برتبة مقدم، يُدعى بسام المعموري، إن "قوات الشرطة الاتحادية اعتقلت عددا من عناصر داعش بعد هروبهم مع العائلات النازحة إلى المناطق الأخرى في مدينة الموصل"، مؤكداً أن "بعض الأهالي قاموا بالتبليغ عن عناصر "داعش" الهاربين من الموصل القديمة، وقد تم اعتقالهم ونقلهم إلى مراكز الاحتجاز في منطقة حمام العليل".
في غضون ذلك، أعلن العميد خالد عيسى، من فريق الدفاع المدني في الموصل، لـ"العربي الجديد"، أن "وحدات الدفاع المدني تواصل عمليات انتشال جثث الضحايا من المدنيين من تحت أنقاض المنازل المدمرة في أحياء غرب الموصل"، مؤكدا أن "فرق الدفاع المدني تقوم بانتشال 30 جثة كمعدل بشكل يومي من تحت ركام المنازل التي تعرضت للقصف والتفجيرات الانتحارية".
ولفت إلى أن "فرص وجود ناجين تحت ركام المنازل المدمرة تضاءلت بشكل كبير، نتيجة لمرور وقت طويل على انتهاء العمليات العسكرية، بالإضافة إلى الظروف الجوية القاسية وارتفاع درجات الحرارة".
وأضاف عيسى أن "عمليات البحث عن جثث الضحايا تنطوي هي الأخرى على صعوبات ومخاطر كبيرة، أدت إلى تباطؤها في بعض الأحيان، نتيجة لوجود المواد المتفجرة من العبوات الناسفة، وذخائر الأسلحة والمقذوفات والمخلفات الحربية بين ركام المنازل"، مشيرا إلى أن "فريق الدفاع المدني فقد أحد ضباطه الأسبوع الماضي، وجرح آخرون نتيجة انفجار عبوة ناسفة خلال عملية البحث عن جثث الضحايا المدنيين".
من جهة أخرى، أعلن مسؤولون محليون في مدينة الموصل أن ثلاجات الموتى في المراكز الصحية في الموصل ممتلئة بجثث مئات المدنيين، الذين قُتلوا خلال المعارك والقصف الذي تعرضت له المدينة.
وقال أحد العاملين في ثلاجة الموتى التابعة للمركز الصحي في منطقة حمام العليل جنوب الموصل، لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "أصوات البكاء والعويل الصادرة من ذوي ضحايا القصف نسمعها باستمرار هنا في المشرحة عندما يتعرّف ذوو الضحايا على جثث أبنائهم"، مضيفا أن "عملية التعرف على الجثث أصبحت صعبة بعض الشيء نتيجة لتحلل الجثث وتفسّخها، لذلك نضطر إلى إدخال ذوي الضحايا إلى الثلاجات، وتفتيش جثث الضحايا والتعرف عليهم من خلال ملابسهم أو مقتنياتهم الشخصية".
وأضاف أن "هناك عشرات الجثث لأشخاص لم يتم التعرف عليهم حتى الآن نتيجة لتشوه الجثث، أو تحولها إلى أشلاء موضوعة في أكياس بلاستيكية، وقد نضطر إلى دفنها قريبا من دون التعرف على هوياتهم".
كذلك، تتزايد معاناة النازحين من مدينة الموصل تحت لهيب الشمس الحارقة وقلة الخدمات الإنسانية المتوفرة في مخيمات النازحين العديدة المنتشرة في مناطق شرق وجنوب الموصل.
وحذّرت منظمات إنسانية إغاثية، الحكومة العراقية، من مخاطر ترك النازحين في أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة، لأن ذلك سيوفر بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة المعدية بين النازحين الذين يعانون من شظف العيش وخسارتهم منازلهم التي دمرتها العمليات العسكرية في الموصل ونواحيها.
وقال محمد البياتي، العامل في إحدى المنظمات الإغاثية في شرق الموصل، إن "السلطات المحلية أمرت بنقل أكثر من 250 عائلة من مخيم برطلة إلى مخيم الجدعة في منطقة القيارة، نتيجة لسوء أوضاع المخيم الذي أقيم سابقا في برطلة، وانعدام أبسط مقومات الحياة من ماء وكهرباء، وسط شمس الصيف الحارقة وارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات قياسية".
وأشارت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إلى أن "مسألة عودة النازحين إلى مناطقهم التي نزحوا منها قد تطول نتيجة للدمار الكبير الذي أصاب منازلهم"، ولفتت إلى "أن آلاف العائلات قد تبقى حبيسة مخيمات النزوح لفترة طويلة، بعد أن دُمرت منازلهم وخسروا كل شيء، وليس هناك أمل في تعويض المتضررين من العمليات العسكرية التي شهدتها مدينة الموصل وأطرافها".