منذ إعلان تحرير مدينة الموصل في يوليو/ تموز عام 2017، والمدينة تعاند الاستقرار كما في المدن المحررة الأخرى كالفلوجة وتكريت وهيت، المتمتعة بهدوء واستقرار نسبيين منذ أشهر عدة، فالمدينة التي أتت الحرب على أكثر من ثمانين في المائة منها وخلّفت عشرات آلاف القتلى والجرحى من أبنائها، تشهد ارتباكاً أمنياً وعملية أقرب ما تكون لتناسخ المشاكل بين يوم وآخر. ومن الأسباب الأساسية للارتباك توزّع الملف الأمني بين ثلاث ألوية من الجيش وتسع مليشيات مسلحة وجهاز شرطة ضعيف ووحدات لمكافحة الإرهاب والتدخل السريع، ومع أنها جميعاً تجتمع تحت قيادة عمليات نينوى، إلا أن كل تشكيل يعمل بمفرده. ولم تكْف الأوضاع الاقتصادية المتردية والجوع والبطالة والأمراض وانعدام المستشفيات والمدارس، فقفز الصراع على منصب المحافظ، قبل حسمه لمصلحة المرشح المدعوم من "الحشد الشعبي" منصور المرعيد، الذي خلف المحافظ المُقال نوفل العاكوب، على خلفية فاجعة عبّارة دجلة التي راح ضحيتها أكثر من 130 شخصاً وفقدان 40 آخرين.
وشهدت المحافظة في الفترة الأخيرة تصعيداً أمنياً خطيراً، بالتزامن مع قرار تسليح 50 قرية غرب المدينة لصدّ هجمات "داعش"، فشهدت المدينة مقتل مختار مع والدته واثنين من أولاده، بالإضافة إلى ابن أخيه وإصابة آخرين من العائلة إثر هجوم مسلح من قبل عناصر من تنظيم "داعش" في ناحية حمام العليل غربي الموصل بحسب خلية الإعلام الأمني. كما انفجرت عبوة ناسفة في الساحل الأيمن، خلّفت ثلاث ضحايا من المدنيين، بموازاة الإعلان عن تحرير مختطف من نفس المدينة. كذلك وقع هجوم على سيارة بائع مواشٍ، وقُتل مع نجله قرب بلدة البعاج غربي الموصل.
وكشف مسؤول في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن "تكليف جديد من رئيس الحكومة عادل عبد المهدي لقيادة عمليات نينوى يتضمن إعداد تقرير من قبل القيادات العسكرية في مناطق نينوى عموماً والموصل خصوصاً، يتضمن رؤيتهم للوضع العام في المدينة وما يوصون به في الفترة المقبلة". وأضاف أن "الموصل مهددة من بقايا داعش ومن عصابات النفط والجريمة المنظمة ومن مليشيات مسلحة متعددة الولاءات وكلها تشترك في الجرائم التي تقع بشكل شبه يومي"، مؤكداً أن "نينوى أكثر المحافظات هشاشة من الناحيتين الأمنية والاقتصادية بالوقت الحاضر".
بدوره، قال المتحدث باسم عشائر نينوى مزاحم الحويت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المنظومة الأمنية منخورة في الموصل، وهناك جهات مسلحة عدة تسيطر على المشهد الأمني، وبعض هذه القوات غير موالية للدولة إنما لها ولاءات ومصالح مع جهات سياسية وأخرى خارجية من أجل تأمين مصالحها وليس تأمين حياة المواطنين". وأوضح أن "المشاكل الإدارية والسياسية في المدينة أثرت كثيراً على أمن المحافظة، إذ إن مشكلة منصب المحافظ الذي تتصارع الأحزاب من أجل نيله، قاد إلى فراغ أمني وعدم الانشغال بعصابات الخطف، وبقايا تنظيم داعش".
ولفت إلى أن "على الحكومة المركزية في بغداد، أن تعرف أن أمن الموصل لا يحققه غير أهالي المدينة وليست قوات من خارج المدينة، هدفها الحصول على الأموال بطرق شرعية أو غير شرعية"، متهماً في الوقت ذاته "فصائل من الحشد الشعبي دخلت على خط الاستثمار والاقتصاد في المدينة، وهي قادرة على تصفية أي مجتمع أو شخصية معارضة لتحركاتها، من أجل البقاء ضمن الخانة الرابحة، وإن ما يحدث حالياً في الموصل من فراغ أمني واستهانة بأرواح المواطنين تتورط فيه جميع الجهات الحكومية والأمنية، المركزية والمحلية".
وتابع قائلاً إن "ملف الانفلات الأمني في الموصل، والاستهتار من قبل الأجهزة العسكرية والتقصير من قبل الحكومة المحلية في نينوى، سيكون ضمن أجندة أعمال مجلس النواب في الجلسات المقبلة، وسنعمل كنواب عن المحافظة على إصدار جملة من القرارات للحد من التجاوزات ومحاسبة المقصرين".
بدوره، اعتبر رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان السابق، حاكم الزاملي، أن "خلايا عصابات داعش الإرهابية استغلت استرخاء الأجهزة الأمنية وحالة التصعيد والتشنج الذي تشهده المنطقة لتنفيذ عملياتها"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن "المناطق المحررة بحاجة إلى تكثيف العمل الاستخباري المكثف والإسراع بنصب منظومة الكاميرات الحديثة وملاحقة الخلايا المتأهبة، خلال أيام شهر رمضان والمناسبات والأعياد".
المراقب للشأن المحلي محمد عماد، ذكر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الجهات الأمنية هي المسؤول الأول عن عودة هذه العصابات، التي بدأت تنتشر بشكل مخيف في محافظة نينوى، تحديداً في مركزها الموصل. وهذه العصابات تختلف عناوينها وغطاؤها السياسي والحزبي، وأغلبها يمتلك سنداً سياسياً"، مشيراً إلى أن "هناك عدم مركزية في القرار الأمني في نينوى، كما أن أغلب القيادات الأمنية أتت إلى الموصل من خلال صفقات فساد من جهات سياسية أو غيرها والهدف منها هو السيطرة على الملف الأمني والاقتصادي والتجاري، وهذا الشيء لا يخفى على أي أحد". وتابع أنه "من الضروري جداً اخراج أي قوة عسكرية مهما كانت من مدن الموصل وغيرها، واعطاء الملف الأمني إلى الشرطة المحلية حصراً وتشكيلات وزارة الداخلية، لأن كثرة القوات الأمنية، يُؤثر سلباً على استقرار المدينة".