رغم كل ما قيل وما يزال يُقال حول أزمة القراءة في فرنسا وانحسار الاهتمام بالكتاب، بسبب سطوة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ما يزال الكتاب الأدبي، وتحديداً الرواية، بخير، وما يزال لدى الفرنسيين شغفٌ بالقراءة وحبٌّ للخيال.
والدليل أن الموسم الروائي لهذا العام، والذي انطلق ابتداءً من منتصف آب/ أغسطس الجاري ويستمر حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، يحتفي بصدور 589 رواية فرنسية وأجنبية، مقابل 607 في الموسم الماضي.
مبيعات الكتب سجّلت خلال العام الماضي ارتفاعاً بنسبة سبعة في المائة، وهو تقدّم لم تعرفه سوق الكتاب الفرنسي منذ عام 2009. كما أن الترجمة في بلاد فولتير ما تزال بخير، حيث يشهد هذا الموسم صدور 196 رواية مترجمة عن الإنجليزية والإسبانية والايطالية والألمانية. ووسط هذا الكم الهائل من الروايات، هناك 68 رواية أولى منحت دور النشر الفرنسية لأصحابها فرصة استعراض مهاراتهم في الكتابة، ومنهم كُتّاب شباب وأيضاً صحافيون أو فنانون يجرّبون، لأول مرة، كتابة الرواية.
من بين الملاحظات الأساسية حول موسم هذا العام، خلوّه من النجوم الكبار الذين عادة ما يحظون باهتمام كبير من طرف الصحافة الثقافية ووسائل الإعلام ويسحقون بجماهيريتهم باقي الكتّاب. غالبية الروائيين الحاضرين هذا الموسم هم من الصنف المتوسط الذي يتمتع بسمعة محترمة لدى القراء والنقاد على السواء.
ومن بين أهم الكتّاب هذا العام، الروائية البلجيكية إميلي نوتومب التي تنشر رواية كل سنة منذ أكثر من عشرين عاماً. وهذه المرة عنونت روايتها ذات الحبكة البوليسية "جريمة الكونت دو نوفيل"، ومن المتوقّع أن تحقّق نجاحاً جماهيرياً كبيراً كعادتها كل عام. صدرت الرواية عن دار "ألبان ميشال" التي تُصدر أيضاً أواخر أيلول/ سبتمبر المقبل رواية جديدة للكاتب إريك ـ إيمانويل شميت بعنوان "ليل النار".
أمّا دار "سوي" فتصدر روايتين: الأولى للكاتب المعروف فيليب دوليرم بعنوان "مياه الموخيتو الهائجة"، والثانية للكاتب آلان ماكونبو بعنوان "فلفل صغير". ومن بين الروايات الأخرى المتميّزة رواية "أحاديث ابن هذا القرن" للكاتب فرديريك بيغبيدي و"بوصلة" للروائي ماتياس إينار الخبير في شؤون العالم العربي، وتدور أحداث الأخيرة في "الشرق الأوسط". وأيضاً "نزهة كالام" وهي خامس رواية للكاتب الأفغاني عتيق رحيمي الحائز على جائزة "غونكور" للرواية عام 2008.
وراهنت دار "جوليار" على الكاتب الجزائري الفرنكفوني ياسمينة خضرة ـ واسمه الحقيقي محمد مولسهول وهو ضابط سابق في الجيش الجزائري ـ وأصدرت روايته التاسعة التي جاءت تحت عنوان "ليلة الرايس الأخيرة"، ويستلهم فيها النهاية المأساوية للرئيس الليبي معمر القذافي ويتقمّص فيها السارد شخصية الديكتاتور ليلة مصرعه بطريقة وحشية ومُذلّة. العمل يبدو امتداداً لأعمال خضرة التي تستفيد من الأحداث السياسية الساخنة والصور النمطية التي تداعب المخيّلة الغربية.
ومن بين الأعمال الروائية الأولى التي تراهن دور النشر الفرنسية على نجاحها، رواية ملغّزة لكاتبة شابة ومجهولة تدعى إيلينا كوست (29 عاماً) بعنوان "لقد اختفى دانيل آفرون"، وهي رواية بدون حوارات، مكتوبة بأسلوب كلاسيكي يعكس مراساً كبيراً في الكتابة قلّما يحضر في الأعمال الروائية الأولى للكتّاب الشباب.
هناك أيضاً رواية أخرى سجّلت الصحافة الثقافية الفرنسية تألّقها شكلاً ومضموناً، ويتعلق الأمر بـ"تغيير الجو" للكاتب الشاب ماريون غييُو الصادرة عن دار "مينوي" المعروفة بصرامتها الشديدة في اختيار النصوص. وتحكي الرواية مغامرات "بول"، وهو رجل في الأربعينيات من العمر يقرّر فجأة وبلا مقدمات أن يهجر زوجته وأطفاله.
ومن بين الروايات القليلة التي اهتمّت بموضوع الهجرة رواية "خبز المنفى" للكاتب الفرنسي الشاب من أصل جزائري زديق حمرون، يحكي فيها قصّة هجرة قسرية لشابين جزائريين من منطقة القبائل إلى فرنسا في الخمسينيات من القرن الماضي.
في ما يخص الروايات المترجمة، حظيت الرواية المكتوبة بالإنجليزية بحصة الأسد، فمن بين 196 رواية مترجمة عن اللغات الأجنبية، هناك 111 رواية تُرجمت عن الإنجليزية. وراهنت دور النشر في هذا الموسم على كبار الروائيين الأميركيين الذين يحظون سلفاً بشعبية كبيرة في بلادهم. وعلى رأس هؤلاء الكاتبة الحائزة على "نوبل" عام 1993 توني موريسون، التي أصدرت دار "بورجوا" روايتها الأخيرة "إنقاذ" التي تتناول الراهن الأميركي ومعضلات العنصرية.
من جهتها اختارت دار "أوليفيه" ترجمة آخر روايات الكاتب الأميركي المتمرّس ريتشارد فورد وعنوانها "بكل صراحة" التي يواصل فيها مغامرات شخصيته المفضّلة فرانك باسكومب الذي ظهر في ثلاث روايات سابقة. وأصدرت هذه الدار أيضاً رواية ضخمة من 1488 صفحة تحت عنوان "الكوميديا الأزلية" للكاتب الأميركي ديفيد فوستر والاس الذي انتحر عام 2008، وهي الرواية التي صدرت قبل عشرين عاماً ولاقت نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة الأميركية.
أما دار "فلاماريون"، فقد راهنت على الكاتب الأميركي العجوز جيم موريسون الذي يتمتع بشعبية كبيرة في فرنسا وترجمت عمله الروائي الأخير "الذنوب الكبيرة". ومن بين الروايات البريطانية التي خلقت جدلاً قبل ترجمتها إلى الفرنسية رواية "مجال اهتمام" للكاتب البريطاني المعروف مارتين آميس، والتي تستعرض قصة حب جارفة بين عشيقين ألمانيين داخل معسكر نازي بأسلوب بارد وجاف.
وكانت دار "غاليمار" والتي دأبت على ترجمة كل روايات آميس منذ عام 1997 رفضت نشر هذه الرواية أسوة بدار النشر الألمانية "هانسر فيرلاغ" التي رفضت أيضاً نشرها هذا العام بسبب موضوعها الحسّاس الذي يقارب قصة المحرقة اليهودية من زاوية جريئة وغير مسبوقة.
روايات هذا الموسم ستتنافس أيضاً على انتزاع عشرات الجوائز الأدبية المرموقة وعلى رأسها جائزة "غونكور" التي تمنح كل عام في مستهل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، والتي كادت تعود في الدورة السابقة للكاتب الجزائري الشاب كمال داود، لكنّها أخطأته بفارق صوت واحد.
وهناك أيضاً جوائز أخرى لا تقل أهمية مثل "رونودو" و"ميديسيس" وجائزة "الأكاديمية الفرنسية" و"فيمينا". وستعلن غالبية الجوائز عن قوائمها القصيرة في مستهل تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. وحتى الآن لم تبدأ الترشيحات بشكل جدي لهذه الجوائز في الصحافة الثقافية، في انتظار صدور مجمل روايات الموسم نهاية الشهر القادم.
أما الروايات العربية المترجمة فتغيب عن الموسم الروائي الباريسي، إذ تُحجم دور النشر التي تقدّم هذه الأعمال عادةً عن إصدارها في هذا التوقيت، خوفاً من أن تضيع في زحمة الإصدارات. لهذا غالباً ما تنشر خارج فترة الموسم الروائي، لكي تحظى، ولو بنصيب متواضع، من الاهتمام الإعلامي. هكذا نشرت "سندباد - آكت سود" عشر روايات في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، من بينها "لغة الصمت" لنجوى بركات.