المواطن سعد الحريري

01 مارس 2018
هنا تقدَّم الفواتير (العربي الجديد)
+ الخط -

الزمان: الإثنين، الخامس من فبراير/شباط المنصرم.

المكان: قسم المحاسبة، في أحد المراكز الأكبر للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في العاصمة اللبنانية بيروت.

الصورة العامة: الأجواء خانقة والازدحام حادّ؛ فهو اليوم الأول في الأسبوع، لكنّه مميز أكثر في جمع مستحقي الدفع لهذا اليوم مع مستحقي يوم ماضٍ من الشهر السابق أجّل صرف دفعاتهم عشرين يوماً.

الحدث: إذاعة اسم سعد الدين الحريري من ضمن الأسماء.

تتكرر الأسماء في لبنان، حتى إنّ بعضها يشترك في الاسم واسم الأب والكنية أيضاً. يُروى الكثير من هذا النوع عن عائلات ذات نزعة متشددة لجهة النسب، إذ تتكرر أسماء قليلة هي نفسها من الأجداد إلى الأحفاد، ففي إحدى البلدات مثلاً لا يمكن أن تعرف شخصاً عرفت اسمه واسم والده واسم جده ورقم سجله (قيود العائلة في الأحوال الشخصية) إلاّ إذا عرفت اسم والدته أو لقبه. فيصبح الواحد منهم فلاناً الفلاني ابن فلانة، أو فلاناً الفلاني الذي كان مسافراً إلى الكويت مثلاً.

وفي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تذاع هذه الأسماء بمكبر صوت، أو بصراخ، عندما يكون أوان الظفر بالشيك المصرفي قد حلّ في الظروف العادية، بعد ثلاثة أشهر و20 يوماً من تقديم الوصفات الطبية وفواتير الأدوية مستحقة الدفع. ربما يذاع اسم فيندفع اثنان إلى الشباك بعد تعب للوصول، ولا تُحلّ الأزمة عادة إلا بعد إذاعة الاسم مع اسم الأب.

يجلس الناس ويقفون ويذهبون ويجيئون في ما تيسّر من مسافة وسط الاكتظاظ. الجميع متوتر وهو ينتظر مبلغاً غير معلوم يضرب له حسابات كثيرة، وغالباً ما يكون أنقص بكثير من التوقعات، وأنقص بأكثر مما دفع المواطن المضمون مسبقاً.


وفي إذاعة الأسماء يتندّر البعض على اسم متكرر، أو اسم "غريب" أو "مميز"، كما يتندّر من يذيعها حتى، عسى أن يكسر ذلك من توتر الأجواء المستمر.

لكنّ إذاعة اسم رئيس الحكومة سعد الحريري، وبتركيبته الكاملة: سعد الدين الحريري، كان لها وقع مختلف ذلك اليوم. فالتندّر من الحاضرين تحوّل إلى كوميديا مؤلمة: هل يعرف الرئيس سعد الحريري طعم هذا الانتظار؟ ليست المسألة مرتبطة بالحريري نفسه ومنصبه أو حتى ثروته، فالجميع سواء لديهم؛ إذ هناك شعب يتمرمط (يعاني باستدامة)، وفي المقابل هناك زعماء ومسؤولون وموظفون كبار ومتمولون، لا يعرفون في حياتهم كلّها طعم المرمطة تلك، لكنّ الصدفة أنّ هذا الاسم بالذات أذيع في ذلك اليوم.

تقدّم سعد الدين الحريري إلى الشباك، وكان رجلاً عجوزاً يتحرك بصعوبة، فالأجواء في المركز أتعبته ومعها انتظار طويل. ليس انتظاراً هنا فحسب، بل في بلد يأمل، منذ عقود طويلة، في تغيير يكون في صالح شعبه، ويراهن كلّ مرة على صندوق انتخابات لا يهديه غير الخيبة.
دلالات
المساهمون