01 نوفمبر 2024
المواطن العبء وتعداد السكان في مصر
الفرد في بلادنا/ مواطن.. أو سلطان/ ليـس لــدينا إنسان.
كنت قد صدّرت كتابا لي عن دفاتر المواطنة المصرية تأميم الدولة للدين، الزحف غير المقدس بهذه الأبيات للشاعر أحمد مطر الذي أكد على غياب مفهوم الإنسان في معادلة السياسة وحياة الناس، فالسلطان ليس إنسانا، وهو بأجهزة إعلامه، ومن خلال حملة المباخر وكلاب الحراسة له، يعتبرونه إلها أو شبه إله، وعلى أحسن الفروض نبيا ابتعثه الله. تصنيع النظام الفاشي الاستبدادي على هذا النحو إنما يؤكد على خطاب فرعوني غاية في الخطورة، ينفرد بالرأي ويهديهم الرشاد حصريا، ثم يتحدث عن ألوهية مصطنعة "ما علمت لكم من إله غيري"، مبرّرا ذلك ببطشه واستبداده "أليس لي ملك مصر"، ثم "أنا ربكم الأعلى"، ويتحرّك ضمن معادلة الاستخفاف الكبرى "فاستخفّ قومه، فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين".
معادلة الاستبداد هي خروج من حد الإنسانية، هو يعتبر نفسه فوق الجميع وسيدا للجميع، معادلة السيادة والعبودية، وفي الطرف الآخر المواطن ليس إنسانا، ولكن هذه المرة ينزل إلى مدارك العبودية، فهو تحت خط الإنسانية، لا يقترب من معاني الإنسان المكرّم، ولا ذلك الإنسان الحامل للأمانة والفاعل المختار في كل عمل وكل مسؤولية، فالمواطن هو تحت خط الإنسانية. ماذا كان يريد إذاً أحمد مطر من أبيات شعره؟ يريد أن يكون السلطان إنسانا لا إلها، ويريد أن يكون المواطن إنسانا، لا عبدا. وحينما تلتقي إنسانية السلطان وإنسانية المواطن هنا فقط تكون معادلة المسألة والحساب والرقابة والعقاب يستوي في ذلك السلطان والمواطن، لاشتراكهما في حد الإنسانية ، نعم "ليس لدينا إنسان".
إعطاء مفهوم للسلطة ربما سيكون أكثر سلطوية؛ لأنه سيدّعي، لا محالة، أنه القويم والسليم. بذلك سيضمن بل ويمارس قهرًا ملحوظًا، فالتعريف ليس فقط هو تحديد العلاقات بين الدال والمدلول، وإنما هو فرض المفاهيم على الأشياء، حينما نقول إن المفاهيم تبني على الأرض لا نغادر الحقيقة، تحليل لطبيعة هذا النوع الجديد من السلطة جميع التحولات الاستعمارية التي تعد بها إدخال "النظام" و"المعني" كان، في الوقت نفسه، مجالات لإيجاد هذا الواقع الجديد للسلطة.
ومن ثم، لا يشكل خطاب السلطة ونصوصها وضوح الهدف الأساسي لهذا الخطاب، بل على العكس، يسعى إلى تعتيم الرسالة وتضبيبها، عن طريق إيجاد الصيغ اللغوية المضادة والملتبسة، من أجل قطع الطريق على كل جدل عقلي، أو معارضة منطقية؛ وذلك لأن هدفه الرئيسي ليس الإقناع والمجادلة، وإنما الانصياع والخضوع والطاعة العمياء لصالح المتكلم، فخطاب السلطة شامل ونهائي، ولا يحتاج إلى تعليق، فكلما "تقلصت قيمة الرسالة الدلالة، زادت قدرتها عن الإقناع".. ولذلك كانت السلطة مؤسسةً على السكوت، لا على الحوار.
وبدت الدولة في نصها "المركزي" و"الاستبدادي" تمارس أقصى درجات الرقابة، جاعلة
عناصر الرقابة عليها محض خيال، أو مساءلتها محض استحالة، والسؤال عن حسن حكمها أو ممارساته السيئة من اللا مُفَكَّر فيه ولا في الخيال، ووقع ذلك كله في دائرة الممنوع، وفي سياق المكبوت. هذه الحالة من "التغوُّل" على ساحة الفاعليات لابد أن تجد مادتها في المواطنة، ومنتجها الوحيد "المواطن". أكثر من هذا، الدولة على تغولها ذلك (لا تغلغلها المرتبط بالهيبة والقدرة والنفاذ والوجود الفاعل في الأداء والإنجاز، والقدرة على إدراك مسؤوليتها عن مركزها وأطرافها، عن كيانها وجوهرها وهوامشها..).
احتكرت هذه "الدولة- السلطة" مفهوم "المواطنة الصالحة"، ومعنى "المواطن الصالح"؛ حيث جعلت لذلك شروطاً وأوصافًا مسكوتًا عنها، لكنها مرغوبة في الممارسة، تتعلق بمصلحة بقائها في السلطة، لا المصالح الكلية الأصيلة التي تتحرّك صوب تأصيل "المواطنة الفاعلة" في السعي والوعي، وجعلت مؤسساتها تُرَدِّد على مسامعنا أن من مهامها إخراج "المواطن الصالح"، واستولت، ومن طريق أمني ضيق، على مفهوم المواطنة الصالحة والمواطنة الطالحة.
ومن الممكن تعداد نماذج أخرى؛ من قبيل نموذج "مواطنة الجباية" الذي أشرنا إليه في المداخلة الخلدونية، والتي يمكن إسقاطها بيسير جهدٍ، للبحث فيها وتشريحها. وكذلك عقود الإذعان، كيف يمكن أن تعبر عقود الإذعان، وتؤثر على مقام المواطن في علاقته بالدولة- السلطة؟ تعد تلك حالة نموذجية في "مواطنة المغارم"، وتعد العقود، ضمن نصوص طافحة، تؤكد على فحوى بنائها وبنيتها، علامة واضحة على قاعدة "مواطن لا حقوق له، ودولة لها كل الحقوق". مواطن يستهلك الخدمة هو في أمس الحاجة إليها، ودولة، تعد شركاتها ممثلةً لها، تتمتع بوضع الاستغلال والاحتكار معاً.
وفي ظل النشأة المشوهة للدولة-السلطة على ما ذكرنا آنفاً تأتي عقود الإذعان، لتمثل "حال ضعف المواطن"، واستكانته ضمن هندسة القبول والإذعان، وحال تعملق الدولة واحتكاريتها، ولسان الحال بين إذعان ملجئ (مكره أخاك لا بطل) وتحكُّم شبه مطلق (إن كان عاجب). وبين هذا وذاك، تولد مفردات عقود الإذعان (الكهرباء، التليفون، عقد الانتفاع بالمِلك لشقة) فهي مملوءة بكلمات مثل: "لا يجب..، لا يجب..."، وهي غالباً ما تكون في حق المواطن المستهلك للخدمة، بينما ترد ألفاظ مثل: "من حق..." وهي، باليقين، تكون في طرف المؤسسة المؤدِّية للخدمة، الممثلة للدولة في هذا الشأن الاحتكاري.
تحدث "مواطنة الفقر" حالة مستعصية من "فقر المواطنة"؛ ذلك أن ممارسات المواطن تبدأ بالحفاظ على الكيان من الهلاك، وهو يبحث عن "حقوق حد الكفاف"، قبل أي حقوق للتعبير عن "حد الكفاية"، ناهيك عن أنه لا يخطر له على بال، والحال هذه، "حقوق الرفاهة". والفقراء في مصر يتخذون أشكالاً متعدّدة، منها الفقر المورَّث ضمن محدودية "الملك أو المال أو الميراث"، والفقر المكتسب المتعلق بتدهور الحال والمآل، بفعل محدودية الدخل المفترسة من غول الغلاء، أو بطالة مفروضة، أو غير ذلك من أمورٍ تؤدي إلى زيادة مساحة الفقر الموروث، تضاف إليه عناصر الفقر المكتسب، فتزيد منافذ "الإفقار في بر مصر"، كما جعله محمد أبو مندور عنواناً لكتابه. وينضم إلى نادي الفقراء كل يوم أعضاء جُدد من غير رسوم عضوية أو شروط، ما عليك إلا أن تصل أو تُوصَل إلى حال الفقير العاجز.
والفقر مشروع فساد، كما أنه مشروع انحراف، إلا مَنْ رَحِمَ ربُّك وقليل ما هم. والحديث عن
الفقراء من هم تحت خط الفقر، والمهمَّشين وساكني العشوائيات، وساكني المقابر، مؤشرات دالة في هذا المقام. صحيح أنه قد تنشأ حياة بفعل هذه المجتمعات الناشئة (المهمشة العشوائية ساكني القبور)، إلا أنها، في النهاية، تعبر عن مجتمعاتٍ غير سوية، ونقاط سوداء في تاريخ تقاعس السلطة وفسادها، وإخفاق ذريع في مقاييس إنجاز السلطة– الدولة. والفقير لا يأكل أرقاماً.. فحينما نقول له إننا نصرف على الصحة أضعافًا مضاعفة أو غير ذلك، فإنه لا يهمه إلا حاله السيئ الذي يزداد سوءاً. فحديث الأرقام بالنسبة إليه لا يُسمن ولا يُغني من جوع.
نصل، في النهاية، إلى قصة التعداد السكاني في مصر، والإعلان عنه في احتفال مهيب، يستدعى أصحاب السلطة وإعلامهم المزور والمفتري لمواطنة الغُرم، والزيادة السكانية إضافة سلبية في ظل رؤية "مالتوسية" في المشكلة السكانية، زحف الدولة على البشر (الإنسان- المعضلة)، وترى ذلك كله في ظلال المواطن العبء والمشكلة السكانية، ضمن خطاب السلطة المتكرّر والمتواتر، وفي محاولة منها للتأكيد على خطر المشكلة السكانية، وفي سياق ردِّ بعض إخفاقاتها التنموية إلى مشكلة الزيادة السكانية، ضمن هذا الخطاب يكمن في فحواه أمران:
رؤية مالتوسية للمشكلة السكانية في مصر. رؤية تتضمن الإشارة إلى المواطن الغُرم، بما تُشكل كل زيادة سكانية في عرف الحكومة، إضافة سلبية تلتهم كل تقدم، وتتآكل إزاءها كل معدلات التنمية في مقابل الزيادة السكانية.
بين هاتين الرؤيتين يولد ما يمكن تسميته المواطن العبء. هذا ما يمكن أن نتبيّنه في خطاب السلطة المباشر وغير المباشر. وها هو رمزي زكي يقول: "كنت وما زلت أعتقد أن المشكلة السكانية في العالم الثالث ليست سبباً للتخلف، وإنما نتيجة له، وهي لا تعبر عن تناقض يقوم بين أعداد السكان والموارد الاقتصادية المحدودة كما ذهب إلى ذلك المالتسيون، بل هي في حقيقة الأمر، تناقض يقوم بين السكان والنظام الاقتصادي-الاجتماعي السائد الذي يعجز في -ظل آليات حركته- عن أن يوفر الغذاء وفرص التوظف والدخل للسكان..". إذن، مجرى النهر السكاني طاقة إضافية وإمكانية مضافة، وسياسات الحكم تحولها إلى فاعلية أو عبء، لو انطلقنا من مبدأ الهبة السكانية..
كنت قد صدّرت كتابا لي عن دفاتر المواطنة المصرية تأميم الدولة للدين، الزحف غير المقدس بهذه الأبيات للشاعر أحمد مطر الذي أكد على غياب مفهوم الإنسان في معادلة السياسة وحياة الناس، فالسلطان ليس إنسانا، وهو بأجهزة إعلامه، ومن خلال حملة المباخر وكلاب الحراسة له، يعتبرونه إلها أو شبه إله، وعلى أحسن الفروض نبيا ابتعثه الله. تصنيع النظام الفاشي الاستبدادي على هذا النحو إنما يؤكد على خطاب فرعوني غاية في الخطورة، ينفرد بالرأي ويهديهم الرشاد حصريا، ثم يتحدث عن ألوهية مصطنعة "ما علمت لكم من إله غيري"، مبرّرا ذلك ببطشه واستبداده "أليس لي ملك مصر"، ثم "أنا ربكم الأعلى"، ويتحرّك ضمن معادلة الاستخفاف الكبرى "فاستخفّ قومه، فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين".
معادلة الاستبداد هي خروج من حد الإنسانية، هو يعتبر نفسه فوق الجميع وسيدا للجميع، معادلة السيادة والعبودية، وفي الطرف الآخر المواطن ليس إنسانا، ولكن هذه المرة ينزل إلى مدارك العبودية، فهو تحت خط الإنسانية، لا يقترب من معاني الإنسان المكرّم، ولا ذلك الإنسان الحامل للأمانة والفاعل المختار في كل عمل وكل مسؤولية، فالمواطن هو تحت خط الإنسانية. ماذا كان يريد إذاً أحمد مطر من أبيات شعره؟ يريد أن يكون السلطان إنسانا لا إلها، ويريد أن يكون المواطن إنسانا، لا عبدا. وحينما تلتقي إنسانية السلطان وإنسانية المواطن هنا فقط تكون معادلة المسألة والحساب والرقابة والعقاب يستوي في ذلك السلطان والمواطن، لاشتراكهما في حد الإنسانية ، نعم "ليس لدينا إنسان".
إعطاء مفهوم للسلطة ربما سيكون أكثر سلطوية؛ لأنه سيدّعي، لا محالة، أنه القويم والسليم. بذلك سيضمن بل ويمارس قهرًا ملحوظًا، فالتعريف ليس فقط هو تحديد العلاقات بين الدال والمدلول، وإنما هو فرض المفاهيم على الأشياء، حينما نقول إن المفاهيم تبني على الأرض لا نغادر الحقيقة، تحليل لطبيعة هذا النوع الجديد من السلطة جميع التحولات الاستعمارية التي تعد بها إدخال "النظام" و"المعني" كان، في الوقت نفسه، مجالات لإيجاد هذا الواقع الجديد للسلطة.
ومن ثم، لا يشكل خطاب السلطة ونصوصها وضوح الهدف الأساسي لهذا الخطاب، بل على العكس، يسعى إلى تعتيم الرسالة وتضبيبها، عن طريق إيجاد الصيغ اللغوية المضادة والملتبسة، من أجل قطع الطريق على كل جدل عقلي، أو معارضة منطقية؛ وذلك لأن هدفه الرئيسي ليس الإقناع والمجادلة، وإنما الانصياع والخضوع والطاعة العمياء لصالح المتكلم، فخطاب السلطة شامل ونهائي، ولا يحتاج إلى تعليق، فكلما "تقلصت قيمة الرسالة الدلالة، زادت قدرتها عن الإقناع".. ولذلك كانت السلطة مؤسسةً على السكوت، لا على الحوار.
وبدت الدولة في نصها "المركزي" و"الاستبدادي" تمارس أقصى درجات الرقابة، جاعلة
احتكرت هذه "الدولة- السلطة" مفهوم "المواطنة الصالحة"، ومعنى "المواطن الصالح"؛ حيث جعلت لذلك شروطاً وأوصافًا مسكوتًا عنها، لكنها مرغوبة في الممارسة، تتعلق بمصلحة بقائها في السلطة، لا المصالح الكلية الأصيلة التي تتحرّك صوب تأصيل "المواطنة الفاعلة" في السعي والوعي، وجعلت مؤسساتها تُرَدِّد على مسامعنا أن من مهامها إخراج "المواطن الصالح"، واستولت، ومن طريق أمني ضيق، على مفهوم المواطنة الصالحة والمواطنة الطالحة.
ومن الممكن تعداد نماذج أخرى؛ من قبيل نموذج "مواطنة الجباية" الذي أشرنا إليه في المداخلة الخلدونية، والتي يمكن إسقاطها بيسير جهدٍ، للبحث فيها وتشريحها. وكذلك عقود الإذعان، كيف يمكن أن تعبر عقود الإذعان، وتؤثر على مقام المواطن في علاقته بالدولة- السلطة؟ تعد تلك حالة نموذجية في "مواطنة المغارم"، وتعد العقود، ضمن نصوص طافحة، تؤكد على فحوى بنائها وبنيتها، علامة واضحة على قاعدة "مواطن لا حقوق له، ودولة لها كل الحقوق". مواطن يستهلك الخدمة هو في أمس الحاجة إليها، ودولة، تعد شركاتها ممثلةً لها، تتمتع بوضع الاستغلال والاحتكار معاً.
وفي ظل النشأة المشوهة للدولة-السلطة على ما ذكرنا آنفاً تأتي عقود الإذعان، لتمثل "حال ضعف المواطن"، واستكانته ضمن هندسة القبول والإذعان، وحال تعملق الدولة واحتكاريتها، ولسان الحال بين إذعان ملجئ (مكره أخاك لا بطل) وتحكُّم شبه مطلق (إن كان عاجب). وبين هذا وذاك، تولد مفردات عقود الإذعان (الكهرباء، التليفون، عقد الانتفاع بالمِلك لشقة) فهي مملوءة بكلمات مثل: "لا يجب..، لا يجب..."، وهي غالباً ما تكون في حق المواطن المستهلك للخدمة، بينما ترد ألفاظ مثل: "من حق..." وهي، باليقين، تكون في طرف المؤسسة المؤدِّية للخدمة، الممثلة للدولة في هذا الشأن الاحتكاري.
تحدث "مواطنة الفقر" حالة مستعصية من "فقر المواطنة"؛ ذلك أن ممارسات المواطن تبدأ بالحفاظ على الكيان من الهلاك، وهو يبحث عن "حقوق حد الكفاف"، قبل أي حقوق للتعبير عن "حد الكفاية"، ناهيك عن أنه لا يخطر له على بال، والحال هذه، "حقوق الرفاهة". والفقراء في مصر يتخذون أشكالاً متعدّدة، منها الفقر المورَّث ضمن محدودية "الملك أو المال أو الميراث"، والفقر المكتسب المتعلق بتدهور الحال والمآل، بفعل محدودية الدخل المفترسة من غول الغلاء، أو بطالة مفروضة، أو غير ذلك من أمورٍ تؤدي إلى زيادة مساحة الفقر الموروث، تضاف إليه عناصر الفقر المكتسب، فتزيد منافذ "الإفقار في بر مصر"، كما جعله محمد أبو مندور عنواناً لكتابه. وينضم إلى نادي الفقراء كل يوم أعضاء جُدد من غير رسوم عضوية أو شروط، ما عليك إلا أن تصل أو تُوصَل إلى حال الفقير العاجز.
والفقر مشروع فساد، كما أنه مشروع انحراف، إلا مَنْ رَحِمَ ربُّك وقليل ما هم. والحديث عن
نصل، في النهاية، إلى قصة التعداد السكاني في مصر، والإعلان عنه في احتفال مهيب، يستدعى أصحاب السلطة وإعلامهم المزور والمفتري لمواطنة الغُرم، والزيادة السكانية إضافة سلبية في ظل رؤية "مالتوسية" في المشكلة السكانية، زحف الدولة على البشر (الإنسان- المعضلة)، وترى ذلك كله في ظلال المواطن العبء والمشكلة السكانية، ضمن خطاب السلطة المتكرّر والمتواتر، وفي محاولة منها للتأكيد على خطر المشكلة السكانية، وفي سياق ردِّ بعض إخفاقاتها التنموية إلى مشكلة الزيادة السكانية، ضمن هذا الخطاب يكمن في فحواه أمران:
رؤية مالتوسية للمشكلة السكانية في مصر. رؤية تتضمن الإشارة إلى المواطن الغُرم، بما تُشكل كل زيادة سكانية في عرف الحكومة، إضافة سلبية تلتهم كل تقدم، وتتآكل إزاءها كل معدلات التنمية في مقابل الزيادة السكانية.
بين هاتين الرؤيتين يولد ما يمكن تسميته المواطن العبء. هذا ما يمكن أن نتبيّنه في خطاب السلطة المباشر وغير المباشر. وها هو رمزي زكي يقول: "كنت وما زلت أعتقد أن المشكلة السكانية في العالم الثالث ليست سبباً للتخلف، وإنما نتيجة له، وهي لا تعبر عن تناقض يقوم بين أعداد السكان والموارد الاقتصادية المحدودة كما ذهب إلى ذلك المالتسيون، بل هي في حقيقة الأمر، تناقض يقوم بين السكان والنظام الاقتصادي-الاجتماعي السائد الذي يعجز في -ظل آليات حركته- عن أن يوفر الغذاء وفرص التوظف والدخل للسكان..". إذن، مجرى النهر السكاني طاقة إضافية وإمكانية مضافة، وسياسات الحكم تحولها إلى فاعلية أو عبء، لو انطلقنا من مبدأ الهبة السكانية..