المواطنة في زمن الانقلابات

30 مايو 2014

توفيق عكاشة "يشتم" المصريين لمقاطعتهم الانتخابات

+ الخط -
أنت لا تستحق أن تكون مصرياً .. عبارة وجهتها ممثلة من الدرجة الثالثة، أدت دور داعرة في فيلم "السفارة في العمارة" للممثل عادل إمام، عندما علمت أن الشقة التي استدرجها إليها تجاور السفارة الإسرائيلية، وصرخت ساعتها "يا خاين .. يا عميل .." ملقية أجرة "البغاء" في وجهه "خذ فلوسك لا أريد منك شيئا".
انتقل المشهد، في هذه الأيام، من كوميديا السينما إلى كوميديا الانقلابات العسكرية السوداء، ومحاولة الإخراج المسرحي الهزيلة لما أطلق عليها انتخابات رئاسية في مصر، لا يزال ضجيج زفتها ورقصها يتردد. وانتقل، أيضاً، دور صاحبة أحكام "الوطنية والمواطنة"، و"الوفاء والخيانة"، في الفيلم المشار إليه، إلى "جوقة" كبيرة من إعلاميين وكتاب وسياسيين ومحللين، وحتى قضاة، لم يجدوا ما يبرروا به حجم مقاطعة "الانتخابات" غير اتهام الشعب المصري بالجهل والسلبية، والمقاطعين بـ"الخيانة والعمالة"، ومن ثم "لا يستحقون أن يكونوا مصريين"، ولو تجاوز عددهم عشرات الملايين.
وانتقل "القضاء الشامخ" وأحكامه من المحاكم إلى الفضائيات التي تبارت جوقتها في التنويع على تلك الإدانات للشعب المصري، حتى أن أحد أفرادها أبدى استعداده "للتعري"، من أجل نزول الناخبين الى التصويت، بعد أن فشلت الاستمالة بـ"الرقص" المتنقل، أو الثابت، أمام بعض اللجان، وتوزيع "القبلات" من "الملفوفات" بعلم مصر أمام بعضها الآخر، ثم عاد صاحب عرض "التعري"، ليشتم الشعب "شعب أدمن الضرب على قفاه".
قد يجد بعضهم عذراً لأداء "أراجوزات" إعلام الانقلاب في هذا السيرك. لكن، ما عذر رموز "القضاء الشامخ" الذين شاركوهم الإدانة، وسبقوهم إلى إصدار أحكام الإعدام على هؤلاء الملايين، فرئيس نادي القضاة، المستشار أحمد الزند، اعتبر المقاطعين "خونة"، و"لا يستحقون أن يطلق عليهم إنهم مواطنون مصريون"، كما أصدر حكماً إعلامياً عليهم: إنهم لا يستحقون الحياة على أرض مصر.
إنه منطق "التكفير" إذن، وهو نفسه منطق جورج بوش الابن "من ليس معنا فهو ضدنا". وقد اكتشف هؤلاء الذين سبق أن أشادوا بالشعب المصري، إبان الانقلاب، أن الانتخابات قسمت شعب مصر إلى فسطاطين، من يستحق الحياة ومن لا يستحقها، وتحولوا إلى أئمة الافتاء في من يستحق "المواطنة الجديدة" في زمن الانقلاب، ومن لا يستحقها، حتى بات الأمر في حاجةٍ إلى تعريف جديد لمفهوم تلك "المواطنة الانقلابية"، كما بات ضرورياً تحديد أعداد "الخونة الذين لا يستحقون الحياة"، والواضح أنهم لن يقلوا عن ثلاثة أرباع شعب مصر، حسب شواهد ومنطق "أراجوزات السيرك الإعلامي" ومن لف لفهم.
لن يكون غريباً، والحال كذلك، المناداة بتنفيذ الأحكام على "الخونة المقاطعين"، فالعقوبة التي أجمع عليها قضاتهم هي "الإعدام"، ليست للمئات، هذه المرة، بل للملايين الذين اقترفوا جرماً، يفوق بمراحل جرم مئات دانهم قاضي الإعدامات في دقائق.
ولكن، يبقى السؤال عن كيفية تنفيذ الحكم في هذه الأمة "الخائنة". هل بأفران الغاز؟ هل يتم استعمال أجسادهم لتوفير الوقود الحيوي والطاقة، إذا لم تفلح "لمبة التوفير" التي بشر بها عبد الفتاح السيسي، لحل أزمة الكهرباء؟ أم بتوفير سيارات، على شاكلة سيارات سوق العبور، تنقلهم إلى سواحل مصر، وما أطولها، لإلقائهم في البحر؟ أم أن عقوبتهم الأكبر ستكون "العيش في زمن السيسي"؟
إنها كوميديا الانقلاب السوداء التي تفوق بمراحل كوميديا "السفارة في العمارة"، لكن فتاة الليل، هنا، لم تلق أجرتها، هذه المرة، في وجه "الخائن العميل الذي لا يستحق أن يكون مصرياً".
 
    
 
 
 
 
 
 
 
 

 
دلالات