المواسم الزراعية... فرص عمل للشباب في ليبيا

26 يناير 2019
خلال موسم الزيتون (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

في ظلّ ارتفاع نسبة البطالة في ليبيا، يلجأ شباب إلى الاستفادة من جني المحاصيل في المواسم الزراعية للعيش

قبل نحو أربع سنوات، شكّل فؤاد المناعي وأبناء عمومته الستة فريقاً لجني التمور والزيتون. صباح كلّ يوم، تقلّهم سيارة فؤاد من بيوتهم إلى مزارع الزيتون في منطقة سيلين، إحدى ضواحي مدينة الخمس شرق العاصمة، أو في اتجاه منطقة عين كعام شرق الخمس في موسم التمور.

ويُقبل الشباب في ليبيا على اقتناص فرص العمل في المواسم الزراعية، سعياً إلى تحدّي الظروف الاقتصادية الصعبة الناتجة عن النزوح ومضاعفات الحرب، فيلجأ شباب المناطق والأرياف البعيدين عن المدن الكبيرة إلى الاستفادة من الأعمال الموسمية كجني الزيتون والتمور وغيرها، كمصدر دخل في ظل انتشار البطالة.




وفي شهر سبتمبر/ أيلول، يبدأ فؤاد ورفاقه العمل الموسمي. وبعد انتهاء موسم التمور، ينتقلون إلى موسم الزيتون الذي يستمر حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول. يقول فؤاد: اثنان من رفاقي يفكّران هذا العام في العمل بعيداً عن الخمس، وبالتالي السفر إلى الحمادة الحمراء غرب البلاد، إذ يبدأ موسم الترفاس (الكمأ) مع نهاية فبراير/ شباط. لكن فؤاد، وهو أب لطفلة تبلغ شهرين من العمر، لا يستطيع ترك أسرته الصغيرة بمفردها".

وعلى غرار مجموعة فؤاد، تشكّل المواسم الزراعيّة فرصاً للعمل لدى الشباب، والذي عادة ما يزاوله عمال أجانب، غالبيتهم مصريون أو أفارقة. لكنّ ظروف الحياة وتردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد دفعتهم للتوجه إلى هذه المهن الموسمية.

يقول فؤاد (26 عاماً)، وهو عاطل من العمل: "نتفق مع صاحب المزرعة على تقاسم الإنتاج، ما يدرّ علينا ربحاً جيداً. يتوجّب علينا حجز المزرعة بالاتفاق مع صاحبها قبل موسم الجني بشهرين. التنافس كبير للحصول على المزارع الكبيرة"، مؤكداً أن فرص العمل باتت شحيحة في البلاد. "حتّى الموظفون لا يحصلون على رواتب تكفيهم لإعالة عائلاتهم. لذلك، يضطرون للبحث عن أعمال إضافية لتأمين متطلبات الحياة".

يتابع فؤاد أنّه "استأجر مزرعة في وادي كعام العام الماضي مع رفاقه. بالنسبة إليهم، لم يتوقّف الأمر على الاستفادة من محصول التمور لتسويقه فقط، لافتاً إلى أن الاستفادة شملت أسرته أيضاً. ويوضح أنّه وضع قسماً كبيراً من التمور في البيت، وعملت عائلته وعائلات رفاقه على تحويلها إلى "ربّ التمور" مستفيدين من جودة التمور في المنطقة. من أجل ذلك، اشترى شاحنة صغيرة للتسويق وعرض بضاعته على المحال التجارية. وفي الوقت الحالي، يطمح فؤاد، المتخرّج من كلية الاقتصاد منذ خمس سنوات من دون إيجاد فرصة عمل مناسبة، إلى فتح متجر خاص به.

وفي منطقة الحمادة الحمراء (غرب البلاد)، يوفر الترفاس فرصة عمل كبيرة ومصدرا لجني الكثير من الأموال بالنسبة للشباب. وبسبب جودة الترفاس الليبي، زاد سعره بشكل كبير. وتشير تقارير إعلامية إلى أن أسعاره وصلت في بعض الدول إلى أسعار مرتفعة جداً للكيلوغرام الواحد. ويتحدث أحمد الأرقط، من مدينة الزنتان القريبة من الحمادة، عن تجهيز معدّاته وسيّارته الصحراوية استعداداً للموسم. ويوضح أنه شجع الكثير من الشباب على تعلّم كيفية استخراج الترفاس وتحديد علامات وجوده، مشيراً إلى أنه نقل خبرته التي تزيد على العشر سنوات إلى الشباب العاطل من العمل"، مؤكداً أنه درب أكثر من 15 شابا على العمل. يتابع: "الحمادة على سعتها تبدو مكتظة بالشباب الذين باتوا يبحثون في مناطق أخرى عن الترفاس". ويبيّن أن عشرات التجار القادمين من خارج البلاد يقبلون على زيارة الأماكن المجاورة للحمادة لشراء الترفاس الليبي. كما أن تجاراً محليّين باتوا يقبلون على تصديره بكميات كبيرة إلى دول عربية أخرى.

ويلفت الأرقط إلى أن شركة ليبية توظّف شباباً ليبيين للبحث عن الترفاس في مقابل 357 دولاراً للكيلوغرام الواحد. ويقول إن إمكانيات العمل في الترفاس لا تتوفر لدى الكثير من الشباب، ووجود خيام للمبيت وسيارات صحراوية في الحمادة لا يتوفّر لدى غالبية الشباب العاطلين من العمل، الأمر الذي توفره هذه الشركة". يضيف أنّه يمكن للشاب جمع كيلوغرام من الترفاس كل ثلاثة أيام.

لكنّه يلفت إلى صعوبات بدأت تواجه الشباب الباحث عن العمل في الحمادة، منها سعي مسلحي المليشيات إلى السيطرة على أجزاء من الحمادة، خصوصاً أنها بدأت تدرك كمية المال الذي يمكن أن تجنيه من الترفاس، بحسب الأرقط.




ويذكر الأرقط أن البعض يجني المال من خلال إيجاد الترفاس وجمعه، والبعض الآخر من خلال نقله إلى مدن ووضعه في أكياس وعلب تخزين وغيرها، مشيراً إلى أن عائلات بأكملها تعيش ممّا يدرّه عليها موسم الترفاس. ويؤكّد الأرقط أن بلدات مجاورة للحمادة الحمراء، كنالوت والقريات والزنتان، تضمّ أسواقاً للترفاس، توفّر هي الأخرى فرصاً إضافية للشباب العاطلين من العمل. ومن الصعوبات التي تواجه عمل المواسم تراجع إمكانية تصديره عبر المنافذ الرسمية للدولة، بعد شروع الحكومة في تطبيق قوانين تصدير المنتجات الزراعية المحلية. ويلفت إلى أن الأسعار الخيالية للترفاس الليبي التي تؤكدها التقارير الإعلامية في تراجع، وأن فرص العمل بدأت تتحوّل فقط من العمل الحر إلى العمل ضمن الشركات المرخصة.