المهن اليدوية في العراق... مهدّدة بالانقراض

06 ديسمبر 2017
سوق الصفارين في بغداد(حيدر محمد علي / فرانس برس)
+ الخط -
بعيداً عن التاريخ القديم لبغداد التي حدّد أبو جعفر المنصور حدودها بالقطن والنار، فإن لسوق الصفارين حكايات ينتشر منها عبق التاريخ البغدادي الذي سطرته سيمفونية المطارق والتي ولدت بدورها للعراقيين أواني النحاس، ولا سيما العرسان منهم، وأواني الطبخ والصحون و"سماور" الشاي و"طسوت" غسل الملابس ودلال القهوة.

وقد شهدت سوق الصفارين ثلاث مراحل من حياتها المعاصرة، بحسب مؤيد جبّوري الستيني الذي ورث محلاً في السوق عن أبيه الصفار، وقال إن "المرحلة الأولى، وهي عقدا الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كانت السوق مصدراً لتجهيز البيوت العراقية بالأواني المنزلية"، لافتاً في حديثه إلى "العربي الجديد" أنه "في سبعينات القرن وبعد انتشار الأواني المصنوعة من مواد الألمنيوم والفرفوري والزجاج والميلامين، فيما شهدت المرحلة الثانية التي تحولت السوق فيها الى محج للسياح وعشاق الانتيكات التي أصبحت السوق مختصة بها".
وأضاف جبوري، أن "المرحلة الأخيرة هي فترة الثمانينيات وما تلاها، حيث نشبت حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، وتلتها حرب احتلال العراق للكويت ومن بعدها الحصار الاقتصادي الدولي على العراق، مما جفف الحركة السياحية وأصاب السوقَ كساد كبير، على الرغم من اهتمام الدولة التي بادرت إلى تجديدها عبر إكسائها بمادة الطابوق الهندسي وجددت أرضيتها وسقفها المنحني".
غير أن جبوري، الذي عانى من عدم وجود زبائن ويتأسف على تهالك سوق الصفارين، قال إن "الفترة التي تلت احتلال بغداد في نيسان 2003، بدت فيها مصنوعات السوق غريبة وانقرضت الصناعات المحليّة أمام مستوردات شوهاء بلا روح غزت العراق من بلدان كالصين وتايوان وغيرهما".
الحاج هادي الخفاجي، أحد السائرين في ركب الاستيراد بعد أن ترك مهنة الصفّار، وقال "بعد أن تعرضت سوق الصفارين إلى موت سريري، بعت دكاني إلى أحد القماشين بسعر مجزٍ، واتجهت إلى الصين لاستيراد التحف المصنعة على شاكلة صناعاتنا اليدوية السابقة". وأكد الخفاجي لـ "العربي الجديد"، أن هذه العملية مربحة أكثر، قبل أن يضيف "أنها أكثر جدوى من انتظار تدفق السياح مجدداً، خصوصاً في ظل أزمات البلد المتوالدة، والوضع الأمني غير المشجع".
في الواقع، فإن حديث الخفاجي هو حديث اليائس تماماً. فعلى شاكلة سوق الصفافير سبق لأسواق وأن انقرضت وتحولت إلى أثرٍ بعد عين، فعلى سبيل المثال مرّت سوق السراجين بتحولات الانقراض، فبعد أن كانت خاناً للمسافرين ومن ثم تحولّت إلى الصناعات الجلدية قبل أن تغزوها تجارة القرطاسية التي التهمت دكاكينها الواحد تلو الآخر لتنطمس تماماً.
ويبدو انقراض الأسواق التي تشكل عصباً لتاريخ بغداد ككرة تتقاذفها الجهات المسؤولة في الحكومة والبرلمان العراقيين، فقد ألقى عضو لجنة السياحة والآثار في البرلمان العراقي، عبدالهادي موحان، بالمسؤولية على وزارتي الصناعة والتجارة، وطالب وزارة الصناعة في حديث لـ"العربي الجديد"، بتقديم قروض مجزية وميسرة لأصحاب المهن اليدوية التراثية من أجل استمرارها في عملها، فيما طالب وزارة التجارة بوقف نزيف استيراد البضائع المنتجة على شاكلة الصناعات اليدوية، أو إخضاعها على أقل تقدير لمعايير جهاز السيطرة النوعية من أجل أن تكون منافستها للمنتج المحلي منطقية وتنصفه من المقارنة غير العادلة في الأسعار نتيجة سوء تصنيع المنتج المستورد.
وطالب النائب في البرلمان بشراء بعض منتوجات سوق الصفارين من قبل مؤسسات الدولة، وإقامة المعارض الخاصة بها داخل العراق وخارجه من أجل الترويج لها. وأبدى استغرابه من أن المؤسسات المعنية لا تفرد جناحاً في معرض بغداد الدولي لمنتجات الصفارين والنساجين العراقيين.
وردّاً على تصريحات النائب موحان، قال مؤيد جبوري "عند كل انتخابات نسمع أن الحكومة والبرلمان سيقومان بحماية ما تبقّى من الأسواق"، مضيفاً "لا شيء سيحدث، سيتهاوى كل شيء".
دلالات
المساهمون