رغم تفشّي وباء "كورونا"، وعدم تمكّن الطب والعلم من إيجاد ما يحدّ من انتشاره والقضاء عليه، يريد منظّمو مهرجانات سينمائية مختلفة استكمال نشاطاتهم السنوية من دون توقّف. العالم يتغيّر. التحدّيات تزداد، وبعضها مُحمّل بمخاطر. مهرجانات سينمائية تبغي متابعة، مع أنّ حركة السينما مُعطّلة أشهراً عدّة، و"كانّ" نفسه يُلغي دورته الـ73، المزمع تنظيمها بين 12 و23 مايو/ أيار 2020، بينما "فينيسيا" مُصرّ على إقامة دورته الـ77 في موعدها المحدّد سابقاً، بين 2 و12 سبتمبر/ أيلول 2020.
هذان مهرجانان مُصنّفان فئة أولى. "المهرجان الدولي للفيلم الفرنكوفوني في نامور (بلجيكا)" يُعتبر الأبرز والأهمّ في المشهد السينمائي للدول الفرنكوفونية. ينضمّ إلى مهرجانات تستعدّ لتنظيم دوراتها المقبلة، في الربع الأخير من العام الجاري. دورته الـ35، التي تُفتتح بفيلمٍ بلجيكي جديد بعنوان "حياة خافتة (Une Vie Demente)" لآنّ سيرو ورافاييل بالبوني، تُقام بين 2 و9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020. لكنّ البيان الصحافي الموزّع قبل أيام غير معنيّ بتحديد أسباب إقامة هذه الدورة، التي يصفها بأنّها لن تكون كدورات سابقة، وبأنّ اختلافها متوافق وكونها مليئة بوعود ومفاجآت، "مع رغبة دائمة في التشارك مع السينما الفرنكوفونية". الدورة الجديدة معنيّة أكثر من أي وقتٍ ماضٍ بدعم السينما البلجيكية، وبإعادة إطلاقها، "بفضل ورش عمل مختلفة، واجتماعات مهنيّة ستُعقد لهذا الغرض".
فيلم الافتتاح أول روائي طويل للثنائي سيرو وبالبوني: "المهرجان الفرنكوفوني مرافقٌ لنا منذ بداياتنا مع أفلامنا القصيرة. متحمّسان لافتتاح هذه الدورة بأول روائي طويل لنا. إنّها نقطة جديدة يلتقي فيها مسارنا السينمائي بالمهرجان، ما يجعلنا فخورَين وسعيدين في الوقت نفسه". الفيلم كوميديا درامية، تروي حكاية ألكس ونعومي (في الثلاثينيات من عمرهما)، اللذين يرغبان في إنجاب طفلٍ. لكنّ خططهما تتبدّل كلّياً، مع بدء سوزان (والدة ألكس) ارتكاب حماقات شيطانية، لإصابتها بـ"الخرف الدلالي"، وهذا مرض تنكسي عصبي قاتل، يؤثّر على سلوكها: تسرق سيارات، وتقصّ شعر جيرانها أثناء نومهم، وتصنع أوراقاً نقدية خاصّة بها لشراء السجائر... إلخ. بهذا، تنتقل سوزان من موقعها كأمٍ إلى وضع طفلٍ يصعب السيطرة عليه.
"مرض سوزان أحد المكوّنات التي تُعلّمنا كيفية العيش"، كما يقول الثنائي آنّ سيرو ورافاييل بالبوني: "هذا قول لوالدة رافاييل عائدٌ إلى نحو 10 أعوام. النظر في شيخوخة الوالدين عندما يكون المرء في ثلاثينياته يبدو كأنّه انتكاسة. يستكشف الفيلم المكانة المعطاة للمرض في المجتمع. هذه مغامرة معطوفة على قصّة بلوغ سنّ الرشد والتحرّر أيضاً. هناك رغبة في أنْ تُشبه تجربة المُشاهِد تجربة الشخصيتين الرئيستين، وأنْ يُصاب المُشاهِد بالحزن والضحك في آنٍ واحد". يختم المخرجان بالقول إنّ هناك شعوراً بالثراء في الرحلة الملحمية لسوزان، وذلك "في فيلم مُضيء وحيّ ومؤثّر".
يسبق عرض فيلم الافتتاح هذا تقديم فيلمٍ قصير بعنوان Les Deux Couillons لثيبو سِغْوان: بعد سنين طويلة من الغياب التام، يلتقي شقيقان في المقاطعة الفرنسية "بروتاني (Bretagne)"، أثناء زيارتهما إياها بهدف لقاء والدهما الذي لم يزره أحدٌ منهما منذ وقت طويل أيضاً، أي منذ الإعلان عن اختفائه. الزيارة ـ اللقاء دعوة مفتوحة إلى معاينة اللحظة، والتنقيب في الماضي، ومحاولة تجديد العلاقات، وتصفية الحسابات العالقة والمعلّقة مع الحياة والآخر والذات (تمّ تصوير الفيلم في مدن وبلدات فرنسية مختلفة في تلك المقاطعة ومحيطها، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019).
يُذكر أنّ تأسيس "المهرجان الدولي للفيلم الفرنكوفوني في نامور" عائدٌ إلى عام 1986، وأنّ أول مسابقة رسمية فيه حاصلةٌ عام 1989، وتختصّ بالأفلام الطويلة والقصيرة، الروائية والوثائقية.