أحيت منظمات المجتمع المدني في تونس، العيد العالمي للعمال، بالتظاهر من ساحة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى غاية مقر وزارة المرأة بالشارع الرئيسي بالعاصمة، في إطار مسيرة للتضامن مع ضحايا فاجعة السبالة بمحافظة سيدي بوزيد والتنديد بسياسات الفقر والتهميش.
وجاءت التظاهرة الاحتجاجية تعبيراً عن التنديد بوفاة عدد من النساء العاملات في الزراعة الأسبوع الماضي. ورفع المتظاهرون شعارات تندد بتهاون الدولة في ضمان الحق في الحياة والصحة للنساء الريفيات. واعتبرت المنظمات المشاركة أنّ الحيف الواقع على هؤلاء النسوة في القرى والأرياف يعدّ سياسة ممنهجة للدولة منذ ستة عقود ولم تتراجع عنها حتى بعد مقتضيات الدستور الجديد المؤكدة على التمييز الإيجابي.
وشاركت عدة منظمات من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات وجمعية نساء من أجل البحث والتنمية، وهي جمعيات عُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة، في المسيرة التي انطلقت من أمام مقر منظمة الشغيلة نحو وزارة المرأة.
وارتدت المتظاهرات أغطية الرأس التقليدية والأوشحة المزركشة التي اعتادت نسوة الريف وضعها، ومن بينهن العاملات اللواتي قضين "شهيدات لقمة العيش". وسجلت هذه الأوشحة اليوم حضوراً بارزاً، في واجهة من الاتحاد التي اعتادت النقابة العمالية تزيينها بالأعلام وصور مؤسسيها في عيد العمال، اكتست اليوم بوشاح الفلاحات وصور النساء الريفيات ضحايا الجوع والفقر.
"الفولارة (غطاء الرأس) أقوى منكم يا سمسارة"، "مساواة مساواة للنساء والجهات"، "النسوة في الجبانة (المقبرة) يا حكومة المهانة"، هي الشعارات التي رفعتها قياديات المنظمات النسوية في تونس، وهي ذاتها التي رُفعت في التظاهرة العمالية التي نظمتها منظمة الشغيلة.
وتوجهت المنظمات بأصابع الاتهام إلى وزارة المرأة وجميع الهياكل المتداخلة بالتقصير والتهاون في ضمان العيش الكريم وتحقيق المساواة بين النساء في الريف والمدينة وبين جميع الجهات. وقالت نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، حليمة الجويني، لـ"العربي الجديد" إنّ عيد العمال تميز هذه السنة بمرارة بالغة وحزن عميق إثر الفاجعة، وفسرت أن الدولة ملزمة بموجب المواثيق الدولية التي صادقت عليها أن تضمن حقوقاً أساسية على غرار الحق في الحياة والحق في الصحة والسلامة الجسدية.
وأبرزت الجويني أنه "من المخزي اليوم أن تصبح حقوق أساسية محل تساؤل، وأن تواصل الدولة سياسة اللاعدالة الاجتماعية والتهميش والتفقير للنساء في الريف اللواتي يعشن تحت خط الفقر ويجاهدن من أجل إعالة أنفسهن والأفواه الجائعة التي تنتظرهن يومياً" على حد تعبيرها.
وأضافت المتحدثة ذاتها، أنّ حالة الفقر المدقع بالجهات النائية معلومة لدى الطبقة الحاكمة ولدى هياكل الدولة، بيد أنها لا تتجاوز اختزالها في خزان انتخابي أو تقفز للسطح إذا وقعت كارثة ما، ولا ينقطع الموت والمرض والألم عن تلك المناطق بل يستمر بارداً ودون صوت على امتداد عقود على أمل أن تعي الدولة أن سكان تلك الجهات مواطنون لهم كامل الحقوق والواجبات ومن واجبها توفير كل مقومات العيش الكريم لهم.
وبرغم الاتهامات الموجهة للمنظمات، أنها اختزلت حقوق المرأة في الحريات الفردية والمساواة في الإرث، فإن المنظمات النسوية أكدت أن الحقوق مترابطة وكونية وغير قابلة للتجزئة، وشرحت الجويني أن الحق في الولوج إلى الملكية عبر الميراث بصفة متساوية ليس ترفاً أو رفاهية حقوقية، وبينت أن أربعة في المائة فقط من النساء على المستوى الوطني يمتلكن أراضي فلاحية بالرغم من أن نسبة النساء العاملات في الفلاحة مرتفعة جداً مقارنة بنسبة الذكور. وأردفت ذات المتحدثة أن تمتيع النسوة في الريف بمنابٍ متساوٍ في الأرض كان سيجعل منهن مالكات للعقارات عاملات في ملكيتهن لا أجيرات فقط.