الملك سلمان قارئاً

02 مايو 2019
+ الخط -
بينما نحن جلوس في المقهى، سمعنا أحدهم يرفع عقيرته: قرأتُ لصاحب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) قوله: "كلما اتسعت دائرة التمجُّد والمتمجّدين، اتسعت مساحة الظلم والجور والاستبداد والخراب؛ فتصبح مسألة الإصلاح عندها أكثر تعقيداً وأبعد منالًا".. كان ذهابي للمقهى من باب تغيير الجو، ولأستريح قليلًا من بعض الشواغل، لكن خطة صديقي كانت مغايرة بالكلية، وكأنه أراد أن يقلب دماغي والسلام!

سمع صديقي جملة عبد الرحمن الكواكبي، ورنت في أذنه كلمة (قرأتُ)، ومن دون مقدمات، قال صديقي محتدًا كأنما أصابه مس من الجن: "آدي الجمل وآدي النخلة"، لنحسبها بالورقة والقلم، ربما يكون الرجل مصيبًا! ولم يمهلني لأفهم منه ماذا يريد؟ ومن الرجل؟! فابتدرني وأنفاسه تتلاحق وأخرج قلمه وورقة، ثم استعان بالآلة الحاسبة، وهو يقول ليسمعني: قال نايف الحربي قولًا عجاباً!

قال الحربي إن الملك سلمان قرأ 120 ألف كتاب! معقولة دي يا عالم؟! عمر الملك الآن 83 عامًا، ويفترض أنه قرأ سنويًا 1445 كتابًا، ما يوازي أربعة كتب يوميًا! ونزل على صديقي سهم الله، وانتابته حالة من الوجوم وغيبوبة الفكر، وبعد مدة أطلق العنان لزفارة لسانه أن تنفِّث عنه، وأتركُ لخيالك الخصيب تخمين ما قال، وفيمن قال.


بعد قليل، عاود صديقي النظر في الورقة، وقد زمَّ شفتيه وقطَّب حاجبيه، وغمغم بكلمات لم أفهمها، لكن تعابير وجهه تشي بكلام لا يليق، ثم قال: صحافي بجريدة سيارة يهبد بهذه الطريقة! هل يُعقل أن يقرأ إنسان أربعة كتب يوميًا؟! وهل يقرأ المرء الكتب من ساعته الأولى في هذا العالم؟ ثم أمسك القلم وحدث نفسه بصوتٍ مسموع: طيب! لو فرضنا أنه دلف لدنيا القراءة في سن العشرين؛ فإن 120 ألف كتاب في 60 سنة، وتقول الآلة الحاسبة إنه قرأ ألفي كتاب سنويًا، ونصيبه الشهري من القراءة 166.6 بمعدل 5.5 كتب يوميًا.

ولو تصورنا أنه دخل عالم القراءة في سن الثلاثين وأضحى دودة كتب؛ فالطبيعي أنه قرأ 50 سنة، وقرأ سنويًا 2400 كتاب، أي 200 كتاب شهريًا، ووجبته القرائية اليومية 6.6 كتب، وليس هذا في مستطاع الإنسان المتفرِّغ للقراءة؛ فما بالك بأولي الأمر ممن يقومون على مصالح الناس!

لقد وضع نايف الحربي العاهل السعودي في مأزق! قالها وهو ينظر إليَّ يستنطقني، وأردف بابتسامة اغتصبها من بركان حنقه، وهو يسألني: ألم يفعلها؟! قلت: وما دخل الملك سلمان في تلفُّظ الحربي بهذه الهبدة؟ قال صديقي: ألم يبلغك أن إبراهام لينكولن قرأ كتابًا لأن كاتب سيرته الذاتية أشار إلى أن لينكولن قرأه ولم يكن قد فعل؛ فعمد للعثور على الكتاب وقرأه. وانقطع خيط الحديث برهة، قبل أن يستأنف صديقي: تُرى ينجز الملك سلمان قراءة هذه الأسفار؟!
أردت أن أنبِّه صديقي إلى أننا لم نطلب شيئًا نشربه حتى اللحظة، لكنه نفخ أوداجه ونفخ سيجارته متقمِّصًا دور فريد الديب وتابع: لقد وصل الحربي مرحلة لم يبلغها أبو لمعة المصري، بل ويتعجب منها البريطاني "جوني كرمب" صاحب لقب أكثر الأشخاص كذبًا في العالم لثلاث سنوات على التوالي! هذا مستوى رفيع من التملق يفوق قدرات مسيلمة الكذاب، ولا يقبل على محمل المجاملات الرخيصة، ويستحق أن يضاف إلى أساطير الأولين.

وبينما يبتلع صديقي ريقه، اغتنمت السانحة وأردت تغيير دفة الحديث: اشرب حاجة باردة! يبدو عليك الإجهاد يا صديقي! ولم تؤثر فيه كلماتي قيد أنملة، وواصل: أتذكر باراك أوباما؟ وتمتمت في سري: اللهم صبرًا وأجرًا! وأدرت عنه وجهي محوقِلًا؛ فمضى يتذكر أوباما وسنينه وقائلًا: في عطلته الصيفية بمنتجع مارثاز فاينيارد عام 2015، قرأ أوباما ستة كتب في 52 ساعة، بمتوسط 8.4 ساعات للكتاب الواحد، هذا أوباما وهو قارئ من الطراز الأول، دودة كتب بحق وحقيق! ولو أن أحدهم سار على المعدل ذاته؛ لقرأ 120 ألف كتاب في 117 سنة، هل تتخيل الفراغ العملاق بين الرقمين؟!

أفسد صديقي لذة الجلوس إليه، ولم ينقذني منه يومها إلا أذان المغرب، وما إن رفع المؤذن نداء الحق، حتى قمت مسرعًا وأنا أقول: الفرض وجب!