بدأت القصَّة في أيلول/ سبتمبر 2014، حين خرج عددٌ من طلَّاب كليَّة المعلّمين في مدينة أيوتسينابا إلى مدينة إغوالا-غيريرو، جنوب المكسيك؛ لتنظيم احتجاجٍ ضدَّ الأوضاع التوظيفيَّة والتمويليَّة السيِّئة التي يعانون منها. في الطريق هجمت عليهم عناصر الشرطة، واحتجزت 43 طالباً منهم، بأمر من عمدة إغوالا، خوسيه لويس بالاسكيس أباركا وزوجته، وهما ينتميان لإحدى عصابات المافيا التي اعتقدت أن خروج الطلاب يعني فقدان سيطرتهم على المنطقة. التحقيقات ما زالت مستمرة، رغم تضارب الأنباء حول ظروف اعتقالهم واختفائهم ومصيرهم أيضاً.
وكانت الكاتبة إلينا بونياتوسكا (الحائزة على جائزة سرفانتس 2013)، هي أوَّل من انضمَّ إلى المتظاهرين في العاصمة المكسيكيّة وأمام الآلاف منهم صرخت: "أعيدوهم لنا". وقبل ذلك انتقدت النظام حين قالت إن "ديمقراطيته" فشلت فشلاً ذريعاً، وأنَّهم يعيشون الآن أسوأ الأوقات ربَّما في كل تاريخهم، وأكّدت أنَّ هذه البلاد لن يكون لها مستقبل بدون الذُرة، أي الشباب الذين لا تنقص أهميتهم عن أهميَّة الذرة في تاريخ ذلك البلد الذي تعيث به عصابات المافيا والمخدِّرات فساداً، بدعمٍ من بعض الحكوميين الفاسدين.
سياطها وصلت للحكومة حين قالت: "خرجت كل الشياطين وما يحدث في البلاد شائن ومرعب.. في الحقيقة هناك تذمر شديد، وآمل أن يتفاقم ويعمَّ المجتمع كاملاً حتى يصل للناس الذين يسكنون أغنى أحياء المكسيك".
وعن الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو، فقد وصفته بقولها: "لدينا رئيس تلفزيونات. وضعه الطفل (إيميليو) أسكاراغا جون، مدير التلفزيون. وبسببهم ليس لدينا تعليم في المكسيك، بلدنا بحاجة لتحسين مستوى التعليم، أن يتعلم أبناؤه الكتابة والقراءة ليكونوا على علم بما يحدث".
عرفت بونياتوسكا بلقب الأميرة الحمراء نظراً لأصولها الأرستقراطية، لكنها كانت دوماً صوت المستضعفين، وهي ذاتها من كتب رواية "ليلة تلاتيلوكوكو"، مسجِّلةً شهادةً للتاريخ والأدب عن مقتل واختفاء مئات الطلاب بيد الجيش المكسيكي عام 1968.
أما الفنان التشكيلي فرانسيسكو توليذو فأطلق في الهواء 43 طائرة ورقية عليها صور وجوه الطلبة المختطفين، متيحاً للأطفال إطلاقها في إشارة إلى خوفه على هذه الفئة التي قد تلاقي نفس المصير إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات جديّة ضدّ الفساد في البلد، منسجماً بذلك مع دعواته الدائمة لحفظ حقوق الإنسان.
الفنان المكسيكي سبينسر تونيك، المعروف بتصويره الأجساد العارية، صوّر أجساد 43 امرأةً عارية في شوارع مدينة سان ميغيل أيندي وعليها أطواق الورود في إشارة إلى موتهن. الأجساد كانت كأنّها ميِّتة أو متجمّدة أو مستلقية على ظهرها الذي أدارته للبلد الذي خذلها.
أما الشاعر النيكاراغوي إرنستو كاردينال فقد دعا خلال زيارته المكسيك إلى معاقبة الفاعلين دون تهاون. هذا إلى جانب مئات الأصوات الشابة التي عبّرت عن مواقفها في المكسيك والقارة اللاتينية.
مواقف لا تكشف سوى عن اندماج المثقف مع واقعه وواقع مجتمعه، وانغماسه في عمق الإشكاليات والأزمات، دون خوفٍ من أن يفقد منصباً أو مركزاً حين يقف في وجه حكومة بلاده، في بلدٍ لا يعاني فقط من عصابات إجرامية بل من فساد ثقافي وأكاديمي أيضاً.
ومن جنوب القارة، كان للأوروغواي البلد الصغير، نصيب من المشاركة بمحاكاة المأساة المكسيكية المختزلة برقم ذي خانتيْن، مسجِّلةً أغنية من كلمات ماريو كاساتريي أهداها للمفقودين. وتقول الأغنية:
في ركنٍ بعيد
حيثُ ضاع الربَّان
ثمَّةَ تجويفٌ عميق
إنّهم الـ 43
ليسوا ضحايا اليوم،
ليسوا ضحايا الأمس
هم ضحايا دائمون
إنهم الـ 43
ليسوا فقط من أيوتسينابا
ليسوا فقط من المكسيك
هم من أميركا والعالم
إنهم الـ 43
من موتهم يطلبون
تحقيق العدالة
دون هوادة أو رحمة،
إنَّهم الـ 43.
لأنَّهم ما زالوا معاقَبين
هم أفراد السفينة
يَقتُلون ويُقتَلون
إنَّهم الـ 43.
إسأل أيَّ طالبٍ
في أيِّ مكان
إسأله إن كان يعرفهم
إنَّهم الـ 43.
مدَّ لهُ كأس ماء
حتّى وإن لم يشعر بالعطش،
ليشرب باسم
الـ 43.
حتّى لو كنّا آلافاً
أو ربَّما ملايين
لن نكون كاملين أبداَ
ينقصنا الـ 43.