المقاومة قادرة على الصمود
ما من شعب احتُلّت أرضه، إلا قاوم بكل الوسائل لاسترداد حقوقه، وها هو الشعب الفلسطيني يناضل منذ قيام دولة الاحتلال على أرضه، من أجل دحره واسترجاع حقوقه، ولكن الأنظمة العربية قررت عدم مقاتلة العدو الصهيوني، الذي يُدنس المسجد الأقصى، وهي لا تريد دعم المقاومة التي نذرت نفسها لتحرير الأرض الفلسطينية.
وكأنه لا يكفي ما حل بهذه الأمة من هزائم، ويبدو أنها لم تتعلّم من دروس الماضي، وهذه الدروس تحتّم عليها عدم السماح للقوى الخارجية السيطرة على المنطقة، لأن المنطقة العربية لا تزال محل أطماع دول مختلفة. ويبدو أن الأنظمة العربية لا تريد الثأر لهزائمها المتلاحقة مع إسرائيل، وهي تملك من السلاح ما يُمَكّنها من تدميرها، ولكن هذه الأنظمة لا يزعجها التعايش مع دولةٍ تؤمن فقط بالقوة وامتلاك أحدث الأسلحة بدعم أميركي وغربي، لتبقى دولة الاحتلال الأقوى في المنطقة.
لم يعلّم العدوان الذي تشنه دولة الاحتلال على غزة هذه الأنظمة أخذ العبر، والتعلُّم من صمود الشعب الفلسطيني، وهو الذي لا يملك الطائرات ولا الدبابات. ولكن، يبدو أن الأسلحة التي تُكدّسها الجيوش العربية، والتي لم تدخل في أي حرب مع العدو الصهيوني، ليست لمحاربة إسرائيل، وإنما لقمع الشعوب التي تطالب بحريتها.
وكما نرى، فإن الحروب الخاطفة التي شنتها إسرائيل في الماضي على الدول العربية، لم تعد في الوقت الحاضر ممكنة، والمقاومة الفلسطينية قدمت الدليل على أن المقاومة قادرة على الصمود أمام آلة الحرب الصهيونية أكثر ممّا تصمد جيوش هذه الأنظمة، وقد جعلت هذه الأنظمة، بضعفها وعدم امتلاكها الإرادة، جيش الاحتلال "لا يُقهر"، ويعتقد أنه لا يمكن التغلّب عليه.
لكن، ها هي القوة التي لا تُقهر تُهزَم في غزة أمام صمود وإرادة مقاومين قرروا الشهادة والدفاع عن شعبهم وحقوقهم. وأيضاً، أصبحت الشعوب لا تخاف حكامها المستبدين، وكسرت حاجز الخوف.
لا تجرؤ الأنظمة العربية على القول بوجوب تسليح الفلسطينيين من أجل مجابهة العدو، وذلك خوفاً من أميركا وتهديد مصالحهم، والخوف، أيضاً، من ردة الفعل الإسرائيلية، أو عدم إيمان هذه الأنظمة بجدوى المقاومة التي تحرجهم. وهنا يجوز السؤال، هل المقاومة أصبحت حراماً؟ هل مقاومة المحتل لاسترجاع الحقوق المغتصبة والدفاع عن النفس أصبحت حراماً؟ يبدو أن العرب يصنعون الاستثناءات التاريخية بتخلّيهم عن المقاومة، من أجل استرجاع الحقوق العربية. ويبدو أنهم نسوا دينهم الذي يحضّ على الدفاع عن الحق ومحاربة الظلم، وكذلك نسوا القانون الدولي الذي يسمح بالمقاومة من أجل استرداد الحقوق بالوسائل كافة، وأهمها الكفاح المسلح، لأن النضال السلمي الذي يدعو إليه بعضهم غير مجدٍ مع دولة كهذه لا تفهم سوى لغة القوة، لأن الاحتلال قام بقوة الحديد والنار، ويجب محاربته بالوسائل نفسها.
وكذلك الدول الأوروبية التي قاومت الاحتلال النازي، وقامت بتشكيل مقاومات داخل دولها من أجل التخلّص من هذا الاحتلال، تصف المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن نفسها، وعن شعبها، بالإرهاب، وتعطي هذه الدول إسرائيل الحق بقتل الأطفال والنساء والشيوخ باسم الدفاع عن النفس. وفي نظرهم، ليست هذه المقاومة مشروعة، وذلك كله يتم من أجل حماية وتبرير أعمال الإجرام التي ترتكبها دولة الاحتلال الصهيوني.
لا يريد الشعب الفلسطيني أن يُقحِم أي نظام عربي في أي حرب من أجله، على الرغم من أن هذا واجب العرب جميعاً، لأن المسجد الأقصى ليس ملك الفلسطينيين وحدهم، وفلسطين أرض عربية، وشعبها يريد سلاحاً من أجل تحريرها. ولكن، في ظل هذه الأنظمة، دعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح غير ممكن، وأصبح من المستحيلات، وأصبحت هذه الأنظمة التي تحيط بدولة الاحتلال، شرطة حراسة، إذ لم نر ولم نسمع، وخصوصاً من الدول التي تقيم علاقات مع دولة الاحتلال، عن أي تهديدٍ بقطع العلاقات مع هذا العدو، أو التهديد بإلغاء الاتفاقيات الموقّعة معه، ولم نسمع أن أي دولة عربية ضغطت على واشنطن لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها، لأن الأنظمة، بحسب قول زعمائها، لا تملك هذه الإمكانات، لا السياسية ولا العسكرية ولا الاقتصادية، علماً أنها لو أرادت تستطيع أن تفعل الكثير، ولكن، تنقصها الإرادة.
تبقى قدرة هذه الدول مقتصرة على الوساطات لوقف إطلاق النار، والتآمر على المقاومة، كما يفعل النظام المصري، من دون إجراءات عمليةٍ ضاغطةٍ على هذا العدو، وهذا، بالضبط، ما كان يحصل في السابق، والآن أصبح الوضع أسوأ، لأن نظام عبد الفتاح السيسي لا يريد للمقاومة أن تحقّق نصراً، أو أن تبقى قوية، بحجة أن حماس جزءاً من تنظيم الإخوان المسلمين.