المقاصديون.. تحرير الكلمة من العقول الصغيرة

12 اغسطس 2016
جامع الزيتونة في تونس العاصمة، 2010، تصوير: فتحي بلعيد
+ الخط -

سنة 1937، وضع عالم الدين التونسي الطاهر بن عاشور (1878-1972) تأليفاً كان منعطفاً في تاريخ الفكر الأصولي الفقهي عنوانه "مقاصد الشريعة الإسلامية"، اعتمد فيه على آراء سابقة تركها مفرّقةً أصوليون (نسبة إلى علم الأصول) مثل العز بن عبد السلام وشهاب الدين القرافي والشاطبي.

تقوم هذه النظرية على إسناد مقاصد وغايات للأحكام الشرعية، فهي لم تسنَّ بشكلٍ اعتباطي بل تهدف إلى تحقيق مقصدٍ ما عملاً بالقاعدة القائلة "إن العبادات والمعاملات معقولة المعنى أي إنها شرعت لغاياتٍ يمكن للعقل البشري أن يستكنهها من خلال عملية السبر والتقسيم التي تبحث عن العلل"، أي أن المقاصديّين يرجّحون كمون المصالح وراء الأحكام وذلك بإلغاء العرضي منها وإثبات الجوهري.

بناء على هذا النظر، تمكن بن عاشور من استنباط خمسة مقاصد مطلقة عامة تتوفر بالضرورة بشكل كامل أو جزئي في كل حكم وهي: المحافظة على الدين والعقل والنفس والنسب والمال، وهو ما أطلق عليه الكليات الخمس.

الجديد في هذه النظرية هو ربط القواعد القانونية بالمنافع والغايات وتأصيلها بحسب قدرتها على تحقيق تلك المقاصد وإلغاء ما سواها. فليست الأحكام قواعد اعتباطية مكلفة وإملاءات ضاغطة لا منطق فيها دون غاية ترمي إليها تتلاءم مع مكوّنات الوجود البشري (الاقتصاد والعقل والنفس والاجتماع والروح) ولا تتناقض مع الطبيعة البشرية.

يتصل السؤال الذي نودّ البحث في طياته بأسباب انطفاء هذه النظرية وغيابها من الساحة الفكرية الراهنة رغم تقدميتها وعقلانيتها القانونية. فهل من المعقول أن النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحالي زاد فيه استشراء الحرفية في تطبيق النصوص والأحكام؟

من المرجّح أن ضعف التكوين اللغوي وضمور المعرفة البلاغية- البيانية هما بين أسباب ذلك، إذ يؤدّيان إلى الركون للفهم السطحي للنصوص المقدسة التي تتضمن بنية قصصية ومجازية، وهو ما أدّى إلى قتل الاستعارة وتضييق دوائر التأويل والاستنباط لا سيما في التعامل مع آيات الأحكام رغم محدوديتها.

كما أثرت هيمنة المذهب الحنبلي بتطبيقاته المعاصرة وفروعه، وهو مذهب قائمٌ على الاقتصار على النصوص ونبذ التأويل تفضيلاً للسهولة وتسرّعاً في "تدبير المعنى".

يضاف إلى ذلك صعوبة التطبيق العملي لمبدأ السبر والتقسيم في استخراج العلل الممكنة والظنّية والقطعية بسبب من ضعف الثقافة المنطقية (التي تعود إلى التراث الأرسطي التقليدي) وهي التي تمكن من تجريد الأحكام وربطها بعلل وغاياتٍ.

المساهمون