المفروزون أمنياً ضحايا لم تنصفهم الثورة التونسية

04 يوليو 2018
تحضير الشعارات قبل الاعتصام (العربي الجديد)
+ الخط -

ينتظر شباب تونس توظيفهم في الوظائف العامة عقب تخرجهم، لكنّ أكثر من ألف تونسي مضت سنوات طويلة على تخرجهم وحُرموا من هذا الحق كونهم مفروزين أمنياً منذ عهد زين العابدين بن علي. ها هم يتحركون مجدداً للمطالبة بحقوقهم.

يشن المفروزون أمنياً في تونس، ممن جرى إقصاؤهم من التشغيل في الوظيفة العمومية بسبب نشاطهم الطلابي والنقابي احتجاجات متتالية، مؤكدين أنّهم ضحايا قبل الثورة التونسية وبعدها، وأنّ لعنة الفرز ظلت تلاحقهم حتى اليوم.

تكمن مأساة هؤلاء الشباب المقدّر عددهم بـ1128، بتقييمهم على أساس معطيات واردة في تقارير أمنية أو ما يُعرف بتقارير البوليس السياسي، زمن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وأغلبهم من ناشطي "الاتحاد العام لطلبة تونس" و"اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل"، ما أدى إلى إقصائهم من التوظيف. وحتى اليوم، يطالب المفروزون أمنياً برفع المظلمة المسلطة عليهم منذ عدة سنوات ما جعلهم يخوضون أشكالاً متعددة من الاحتجاجات.

بعد وقفة أمام مجلس نواب الشعب (البرلمان) نفذ المفروزون أمنياً، الخميس الماضي، وقفة احتجاجية في ساحة القصبة بالعاصمة التونسية للمطالبة بتوظيفهم، مهددين بالتصعيد في حال عدم تفعيل الاتفاق المبرم بين الحكومة واتحاد الشغل، رافعين شعارات: "شغل... حرية... كرامة وطنية" و"طبّق الاتفاق... انتدب المفروزين أمنياً" و"سيّب وخدّم المفروز" أي شغّله.



تجدر الإشارة إلى أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي كان قد أعلن أن الجلسة التفاوضية التي انعقدت يوم الخميس الماضي، بين الحكومة والاتحاد، أفضت إلى الاتفاق على حل كل الملفات العالقة في حدود بعد غد الجمعة، لافتاً إلى أن الجلسة تناولت تفعيل الحوار الاجتماعي وموضوع المفروزين أمنياً.

يؤكدّ أحد المفروزين أمنياً، ويدعى عبد السلام لعريض، لـ"العربي الجديد" أنّه طُرد من الجامعة التونسية للمهندسين في عهد نظام المخلوع بن علي، عام 2006، إذ لم ينهِ عامه الأخير واضطر إلى إنهاء دراسته الجامعية بعد الثورة التونسية، مشيراً إلى أنّه حوكم بسبب نشاطه الطلابي، وهو عينة من بين مئات الشباب ممن جرى إقصاؤهم وحرمانهم من الوظيفة على خلفية نشاطهم النقابي والطلابي. يوضح عبد السلام، أنّه بالرغم من الوعود التي تلقاها المفروزون أمنياً بتسوية أوضاعهم، وإقفال الملف إلاّ أنّهم لم يجدوا غير المماطلات والتسويف. يشير إلى أنّ هناك اتفاقاً وقّع في 18 يناير/ كانون الثاني 2016، إثر إضراب عن الطعام، نفذوه في فترة حكومة الحبيب الصيد، ويقضي بتوظيفهم في غضون ستة أشهر، لكن لم يطبق. يضيف أنّه بالرغم من العديد من الاجتماعات مع المتعاقبين على السلطة منذ الثورة، لم يلقوا سوى التسويف، مشيراً إلى فرز 371 شاباً اعترفت وزارة الداخلية بتتبعهم زمن بن علي، وثبتت مضايقتهم من خلال الوثائق. أما البقية فما زالت ملفاتهم قيد الدرس.



يشير لعريض إلى أنّه جرى توسيع الأدلة، التي تحدد المفروزين، من التقارير الأمنية إلى ملاحظات الداخلية ومحاضر الاحتفاظ والوثائق الأمنية، وكذلك الحالات الاجتماعية. ويقول إنّه بالرغم من العديد من المواعيد التي حددتها الحكومة لتعيين المفروزين أمنياً، إلاّ أنّه لم يحصل أيّ شيء في ملفهم، وهو ما دفعهم للجوء إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، لكنّ توتر العلاقة بينه وبين الحكومة أدى إلى تعطيل ملفهم.

يضيف لعريض أنّ "اللجنة الوطنية لإنصاف قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس" و"اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل المفروزين أمنياً" عرضا الملف على البرلمان الذي تعهد بعرضه على الحكومة، لكن لا ردود تذكر، وهو ما دفعهم إلى التحرك مجدداً، وسيجري لاحقاً تقرير الخطوات المقبلة إن لم تحصل أيّ استجابة. يتابع أنّهم مضطرون للدفاع عن حقوقهم لأنّهم ظلموا قبل الثورة وبعدها، مشيراً إلى أنّ التعاطي مع ملفهم تعطل لأنّهم محسوبون على اليسار السياسي، الأمر الذي أدخلهم في تجاذبات سياسية، بالرغم من أنّ كثيرين من بينهم لا انتماءات سياسية لديهم.

بدورها، تؤكد زهرة نصري أنّها أقصيت وحرمت من الوظيفة ومن أي عمل كانت تتقدم إليه، إذ كان النظام السابق يطلب من أي مشغّل طردها بسبب انتمائها الطلابي، ومشاركتها في الاحتجاجات الطلابية والأعمال النقابية، مضيفة أنّها تخرجت في العام 2007، ومع ذلك لم تتمكن من العمل حتى اليوم لأنّ لعنة الفرز الأمني ظلت تلاحقها إلى يومنا هذا. تشير إلى أنّه كان من المفترض حلّ ملفهم فجر الثورة ضد التهميش والإقصاء، فلا يبقى وضعهم عالقاً حتى اليوم، بعد مضيّ أكثر من سبع سنوات. توضح أنّها مع بلوغها سنّ 43 عاماً، وفي ظل الظلم الذي مورس ضدها "عن أي وظيفة يمكن الحديث وعن أيّ منحة يمكن تقديمها؟ كلّ ذلك تسبب لي بحالة من الإحباط الشديد واليأس نتيجة الإقصاء الذي تعرضنا له".




يشير عضو "اللجنة الوطنية لإنصاف قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس" و"اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل المفروزين أمنياً"، حمزة بن عون، إلى أنّهم مستعدون للتصعيد وبدء اعتصامات مفتوحة في ساحة القصبة في ظل مماطلة وتسويف الحكومة وعجزها عن حلّ ملف المفروزين أمنياً، وهو ما دفعهم إلى التحرك احتجاجاً على هذه السياسة.