المفاوضات النوويّة الغربيّة الإيرانية: تفاؤل حذر رغم كل شيء

10 ابريل 2014
اقتراب المباحثات من نقطة بالغة التعقيد (ديتر نايجل، getty)
+ الخط -

انتهت، يوم الأربعاء، جولة المباحثات بين إيران ودول الـ 5+1، التي استمرت يومين، في فيينا، الهادفة إلى التوصل لاتفاق نهائي حول برنامج إيران النووي، باتفاق على استئنافها في 13 مايو/ أيار المقبل.

ويقضي الاتفاق المبدئي، الذي أبرم في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بأن تتوقف إيران، مؤقتاً، عن إحراز المزيد من التقدم في برنامجها النووي، من دون أن تتراجع عن أي تقدم أحرزته، على أن يلتزم الغرب بالأمر نفسه في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على الجمهورية الاسلامية.

وبدت تصريحات الجانب الايراني متفائلة بعض الشيء. فقد أكد مرشد الجمهورية الاسلامية الإيرانية، علي خامنئي، على "ضرورة استمرار هذه المفاوضات". من جهته، أعرب وزير الخارجية الايراني، محمد جواد ظريف، من فيينا، عن تفاؤله بأن الطرفين "تمكّنا من حل 50 الى 60 في المئة من المسائل العالقة".

في المقابل، بدت وزيرة الخارجية الاورويبة، كاثرين آشتون، التي تمثّل الدول الست (الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا)، حذرة في تصريحاتها، إذ شددت على بدء المرحلة التالية في "مفاوضات بالغة التعقيد". أما المتحدث باسم أشتون، مايكل مان، فتوقع أن تكون المناقشات "تفصيلية وجوهرية"، مشيراً إلى أن "جولة المحادثات المقبلة ستكون استكمالاً مهماً لاستكشاف المواقف المتباينة بشأن جميع الموضوعات". ويُقرأ من تصريحات الطرف الاوروبي، التي عكسها اختيار الكلمات الحذرة، أن هنالك الكثير من الأمور العالقة أمام الطرفين.

غير أن تصريحات الاميركيين ترجمت عدم تفاؤل بالتوصل الى حل يرضي الطرفين في الوقت المحدد. فقد أكد وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، يوم الثلاثاء، أنه "في حال أخفقت المفاوضات، فإن إيران تحتاج فقط الى شهرين لامتلاك القدرة النووية، لكن هذا لا يعني أنهم سيحصلون على رأس نووي أو نظام أو ربما قدرة اختبار".

يبدو أنه كلما انتهت جولة من المفاوضات، تقترب المباحثات من نقطة بالغة التعقيد. فقد قال مسؤول أميركي، بعد الانتهاء من مباحثات يوم الأربعاء، فضّل عدم الكشف عن هويته، إنه "في هذه المرحلة، لا نعلم إن كنّا سننجح في تقريب وجهات النظر"، مؤكداً أنه "لا تزال هناك بعض الثغرات الكبيرة، ونعلم أن هذه العملية لن تكون سهلة".

في الوقت نفسه، يعتبر موقف مجلس الشيوخ الأميركي أكثر تشدداً من الإدارة الإميركية، إذ يطالب الرئيس باراك أوباما بالتشبّث بأن ينص أي اتفاق نهائي على أن إيران "ليس لها حق في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي". ويحرص أعضاء مجلس الشيوخ، المكوّن من 100 عضو، على منع إيران من امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية. وقدم المجلس مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات جديدة على إيران ومنعها من تخصيب اليورانيوم، وهو ما دفع بأوباما إلى التهديد باستخدام حق النقض "الفيتو" ضده لمنع إقراره. وتعثر مشروع القانون في مجلس الشيوخ لأنه لم يحصل على تأييد كافٍ للتغلب على "الفيتو".

ويرى مراقبون أن تلك المباحثات كانت "جسّ نبض" لمعرفة ما يمكن تقديمه من تنازلات قد تؤدي الى التوصل الى اتفاق نهائي بحلول 20 يوليو/ تموز المقبل. ومع ذلك، من الواضح أن الطرفين قطعا أشواطاً مهمة جداً بعد مفاوضات بالغة التعقيد، أدت الى موافقة طهران، بموجب الاتفاق المؤقت، على تعليق بعض أنشطتها النووية مقابل رفع جزئي للعقوبات المفروضة عليها، والتي أدت الى أزمات اقتصادية كارثية.
وعلى الرغم من الدور الروسي السلبي في أوكرانيا، الذي أدى الى إطلاق الغرب تهديدات بفرض المزيد من العقوبات على موسكو، ورفض واشنطن منح تأشيرة دخول لمرشح إيران لرئاسة وفدها لدى الامم المتحدة، يرى دبلوماسيون أن هذا لم يؤثر بشكل سلبي على المباحثات.

ومع أن جميع الدول الكبرى تتفق على ضرورة التزام طهران بقواعد حظر الانتشار النووي، لكنها في الوقت نفسه تختلف على أمور اخرى، بسبب اختلاف أهدافها ومصالحها، الأمر الذي يجعل الوصول الى اتفاق شامل في هذه المرحلة أمراً مستبعداً. فالولايات المتحدة ترى أن سعي طهران إلى امتلاك أسلحة نووية هو لتعزيز أنشطتها التي "تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط"، بحسب أدبيات واشنطن، بينما لا تعتبر روسيا والصين أن إيران قد تمثّل تهديداً، بل إنها "حليف مشاغب" يسعى الى تقييد نفوذ واشنطن وحلفائها في المنطقة.

وتريد القوى الكبرى من إيران تلبية عدد من الشروط، أهمها خفض مستوى تخصيب اليورانيوم، وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة لديها، وعدم التوسّع في الأبحاث النووية، إلى جانب السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى منشآتها النووية كافة. وتخشى القوى الغربية أن يتيح مفاعل أبحاث "أراك" لإيران، فور تشغيله، إنتاج البلوتونيوم، إلى جانب اليورانيوم العالي التخصيب ليمكّنها من إحداث تفجير نووي. وتعتبر مسألة ما إذا كان ينبغي السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى منخفض، بشكل يمكن استخدامه في محطات توليد الكهرباء، إحدى القضايا العديدة التي يُتوقع بحثها في محادثات الشهر المقبل للتوصل الى اتفاقية شاملة بشأن برنامجها النووي.

ويسمح الاتفاق المرحلي (لستة أشهر)، لطهران، بالاحتفاظ بجميع قدراتها النووية من دون مطالبتها بالإفصاح عن جميع الأنشطة المرتبطة بالأسلحة النووية، الحالية منها أو تلك التي أنجزتها في الماضي. ويعني هذا عدم القدرة على المراقبة والتفتيش بشكل فعال، وبالتالي صعوبة الوصول الى رؤية واضحة حول النطاق الكامل لأنشطة إيران النووية السرية. لذلك، من المحتمل أن تفضي المحادثات المقبلة الى اتفاق نهائي على تقليص القدرات النووية التي لم يمسّها الاتفاق المبدئي. كما يتوقع المراقبون أن يطلب الغرب من إيران الإفصاح عن النطاق الكامل لأنشطتها النووية السابقة والحالية.

وتصرّ إيران، التي وقّعت على معاهدة حظر الانتشار النووي المبرمة عام 1970، على أن لها الحق في تخصيب اليورانيوم بمستوى منخفض لاستخدامه في محطات توليد الطاقة النووية.