المغرب 2017: الشارع من أجل تحقيق المطالب

23 ديسمبر 2017
تبكي من فقدت خلال التزاحم (جلال مرشدي/ الأناضول)
+ الخط -

شهد المغرب أحداثاً كثيرة هذا العام، وتفاعل الناس معها ونزلوا إلى الشوارع للتعبير عن غضب أو تأييد لقضية محقة. ويبقى هناك الكثير لتحقيقه 

يمكن القول إنّ عام 2017 في المغرب شهد أحداثاً وقضايا اجتماعية كثيرة أثارت اهتمام المواطنين المغاربة. بعض القضايا احتلّت الصدارة بسبب قساوتها، ودفعت المواطنين إلى الاحتجاج في الشارع. كذلك، شهد عدد من الحملات الاجتماعية تقدّماً في ما يتعلق بحلحلة أو إحراز تقدم في بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع، في وقت لم تحقق أخرى أي تقدم.

حراك الريف والعطش

أبرز القضايا الاجتماعية التي شغلت المغاربة خلال العام الذي يُشرف على نهايته، كانت اعتقال ومحاكمة ناشطي "حراك الريف". انطلق الحراك خلال منتصف العام تقريباً، ولم ينته بعد بسبب الجلسات الماراثونية والإرجاءات المتكرّرة. وحسم القضاء ملفات عدد من ناشطي مدينتي الحسيمة والناظور، وقد صدرت أحكام بسجن بعضهم وتبرئة آخرين. وما زال عدد من قياديي الحراك، خصوصاً ناصر الزفزافي ومحمد جلول ونبيل أمحجيق في السجن، ويخضعون للمحاكمة.

واللافت في هذه القضية أنها استحوذت على اهتمام مختلف مكوّنات المجتمع، من نواب وأحزاب وجمعيات المجتمع المدني وغيرهم، وقد أبدوا تضامنهم مع "معتقلي الريف". وتسبب هذا الملف في إعفاء وزراء ومسؤولين كبار من مهامهم بسبب تعثر مشاريع مدينة الحسيمة التي أطلقها الملك حسن الثاني.

وبموازاة قضيّة اعتقال وسجن ومحاكمة عدد من ناشطي "حراك الريف" خلال عام 2017، تابع المواطنون الاحتجاجات التي عمت بعض المناطق في المغرب بسبب ندرة المياه. وخرج آلاف السكان القاطنين في مناطق مهمّشة، على غرار زاكورة وتنغير وميدلت وغيرها إلى الشوارع، للمطالبة بحقهم في مياه صالحة للشرب. وعمّت الاحتجاجات التي أطلق عليها كثيرون "ثورة العطش" أو "حراك العطش" أقاليم بني ملال وأزيلال ووزان وصفرو وزاكورة، وانتهت باعتقال ناشطين ومحاكمتهم أيضاً. ودفعت هذه القضية أعلى سلطة في البلاد إلى التدخل ومطالبة الحكومة التعجيل في إيجاد حلول للسكان الذين يعانون بسبب العطش.

"التشرميل" وفاجعة الصويرة

شهد عام 2017 في المغرب أحداثاً مثيرة ولافتة حظيت باهتمام غير مسبوق، منها واقعة تعود إلى أغسطس/ آب الماضي، وتتعلّق بـ "اغتصاب" فتاة داخل حافلة عامة في مدينة الدار البيضاء من قبل أربعة شبان، من دون أي ردة فعل من السائق أو الركاب. وصُدم المغاربة مع انتشار فيديو يظهر الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له الفتاة داخل الحافلة، والذي تسرب من هاتف أحد المعتدين بعدما أضاعه. اعتقل المعتدون وكثرت الدعوات إلى تفعيل قوانين تجرّم تعنيف المرأة في الفضاءات العامة.

خلال إحدى التظاهرات (جلال مرشدي/ الأناضول) 


حادثة أخرى تناولتها الصحافة الدولية هي "فاجعة الصويرة"، إذا توفّيت 15 امرأة خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من جرّاء الازدحام الشديد بعدما توافد عدد كبير من النساء للحصول على صدقة كانت قاتلة، هي عبارة عن مؤن غذائية تمنحها جمعية تعود إلى قارئ قرآن معروف في البلاد.

ونتج عن هذه الحادثة المفجعة ردود فعل اجتماعية وسياسية كبيرة، منها تدخل الملك المغربي للمطالبة بتقنين الإحسان العام، إضافة إلى انتقادات شملت عدداً من المنظمات الإغاثية، خصوصاً أن بعضها يوزع مساعدات لغايات غير اجتماعية. وأُثير موضوع توزيع الدعم المباشر على النساء الفقيرات والأرامل والمهمّشات.



حوادث أُخرى أثارت اهتمام المغاربة، منها تعنيف مدرسين من قبل تلاميذ، وقد بدت لافتة نظراً إلى تكرر حدوثها خلال وقت قصير. وتناقل المواطنون فيديو يظهر تلميذاً يضرب ويسحل مدرّسه في إحدى مدارس مدينة ورزازات.
وتكررت حوادث تعنيف التلاميذ لمدرّسيهم في أكثر من مؤسسة تعليمية، كان أبرزها ما تعرّضت له مدرّسة في إحدى مدارس الدار البيضاء، إذ ضُربت بآلة حادة على وجهها من قبل تلميذ احتجاجاً على عدم عودته إلى مقاعد الدراسة، واعتقاده بأنها تقف وراء ذلك. ما حدث خلق تضامناً وطنياً مع المدرّسين، وشهدت البلاد احتجاجات كبيرة في عدد من المدن دعماً للمدرّسين، مطالبين بإصدار قانون يحميهم من الاعتداءات، والاستعانة بعناصر من الشرطة في المدارس.

حملات اجتماعية

كما شهد عام 2017 في المغرب إطلاق عدد من الحملات الاجتماعية، أبرزها تلك التي أطلقتها وزارة التضامن والمرأة تحت شعار "جميعاً ضد العنف ..بلغوا عنه". حملات أُخرى أثارت تفاعل المواطنين، خصوصاً تلك الساعية إلى التوعية حول التحرش الجنسي في الفضاءات العامة ووسائل النقل، من خلال شعار "ما تحرش بيا وسائل النقل ليك وليا"، وذلك رداً على حادثة اغتصاب الفتاة في الحافلة قبل أشهر مضت.
حملة أخرى أثارت اهتمام المواطنين، هي تلك التي أطلقها ناشطون في المناطق الباردة والمهمشة تحت شعار حملة الدفء، وتهدف إلى مساعدة المشردين في الشوارع، ومنحهم أغطية وغيرها من الأمور التي تساعدهم على مقاومة البرد القارس.

من جهة أخرى، شهد ملف المواطنين المغاربة العالقين في ليبيا تقدماً، وعكفت وزارة الجالية المغربية في الخارج على إعادة العالقين في ليبيا إلى أرض الوطن، بعدما خاض عدد من هؤلاء المغتربين إضراباً عن الطعام مطالبين بتسريع عملية الترحيل.
ومن الملفات الاجتماعية الأخرى التي شهدت تقدّماً، ملفّ المشردين والمسنين في المجتمع، وذلك من خلال اهتمام رسمي وحكومي بالمشردين، والإعلان عن مبادرات تسعى إلى إيوائهم، إضافة إلى الاعتناء بالمسنين.

في المقابل، لم تشهد مشكلة الفقر أي تقدم، وما زالت الفئات الفقيرة تعاني من الحرمان في أبسط متطلبات الحياة الكريمة، وقد مات بعضهم خلال سعيهم إلى تأمين الغذاء لهم ولعائلاتهم. وقد سعت الحكومة إلى إحصاء الفقراء سعياً إلى وضع خطط لمساعدتهم.
ولم تُحرز ملفات أخرى أيّة تقدّم خلال عام 2017، منها ملف ترسيم اللغة الأمازيغية الذي ما زال محلّ جدال بين الحكومة والبرلمان. ولم يتخذ أي قرار حاسم لترسيم الأمازيغية في مختلف المجالات، على غرار التعليم والقضاء وغيرهما، رغم إقرار الدستور بضرورة ترسيم هذه اللغة الوطنية.
وفي المحصلة، فقد كان هذا العام في المغرب مليئاً بالأحداث التي دفعت الناس إلى أن يكونوا جزءاً أساسياً من التغيير، وإن لم يشمل كل الملفات.