المغرب يخيرك.. إما إمام أو وزير

05 يوليو 2014
+ الخط -


منع العاهل المغربي، الملك محمد السادس، علماء ومشايخ الدين من مزاولة السياسة، ومن إدخالها في خطبهم. حقاً إنه منع ممتاز، فنحن، أيضاً، لا نريد أن نسمع أحدهم يدعونا إلى التصويت بنعم على الدستور من فوق المنبر، ولا بأن يقنعنا في خطبة الجمعة بأن المشاركة في الانتخابات من الإيمان، أو يحاول تسويغ أي مشروع سياسي، من على منابر العبادات.

لكن، كيف سيستطيع علماء الدين مع هذا القرار، ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتقاد الربا والدعارة والإعلام الفاسد، والمهرجانات والخمارات، إن كان ذلك كله ليس إلا نتيجة لسياسات الحكم وإدارة البلاد، وتدبير الشأن العام!

على هذا الأساس، سيصبح الإمام ممنوعاً من النهي عن المنكر، حتى لا يظهر وكأنه، يتقصد الحديث في السياسة وعنها، وسيتم تقنين عمله، وحصر خطابه داخل المسجد، في قراءة النص القرآني، من دون شرح حتى، لكن القرآن الكريم، فيه آيات تحرم الربا والدعارة، وبالتالي، تنتقد الحكم والسياسة. إذن، سيجبر الأئمة، كل مرة، عند قراءتها على التذكير بأنهم لا يقصدون أحداً، أو شيئاً، سوى القراءة المجردة.

حتى لا نسقط في التسييس داخل المساجد، ولا نتعب دماغ المؤمنين بالسياسة، يجب أن يمنع داخل المساجد قراءة الآيات التي تحرم وتحلل أيضاً، وأن يلتزم الإمام بالسور التي ليس فيها تحريم ولا أحكام. لكن، إن قرأ أي شيخ فاتحة القرآن الكريم، ماذا سيفعل حين وصوله إلى آية "غير المغضوب عليهم ولا الضالين"، فقد يتهم بمعاداة السامية والتحفيز على الحروب الصليبية!

مع أن منع رجال الدين من الحديث في السياسة لا يمنع رجال السياسة من الحديث في الدين، فالملك بنفسه يمارس صلاحياته، بصفته أمير المؤمنين، وهو بنفسه يُضَمِّن الدين في خطاباته السياسية، ويبدأها بآياتٍ بيناتٍ ويختمها بأحاديث نبوية!

ما هو محل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، من هذا القرار؟ فهل هو رجل دين، أم رجل سياسة؟ هل هو عالم دين خطبه مبنية على الإسلام والدعوة، ولذلك اختير وزيراً للشؤون الإسلامية، أم أنه رجل سياسي، ورجل إدارة، يدير شؤون المسلمين الإدارية والاقتصادية في مؤسسة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

ليس من المنطق منع عالم دين من الحديث السياسي، وانتقاد سلوكيات الدولة على أساس الدين، وتوجيه السياسيين على أساس الشرع، في وقت يكون فيه السياسي الأول هو أمير المؤمنين. ولا يمكن منع العلماء والأئمة والفقهاء من توجيه الناس على أساس القرآن والسنة، ودعوتهم إلى مقاطعة سياسة ما إن كانت تضر بهم، مثل سياسة الربا والقمار، وسياسة السياحة الجنسية، وسياسة تقنين الحشيش، وسياسة تقنين الإجهاض، وسياسات كثيرة لا تمت لهويتنا ولا لديننا بصلة.

أيضاً، ليس من المنطق في شيء منع رجل السياسة من الحديث في شؤون الدين، ومن بناء أجندته السياسية والاقتصادية على أساس مرجعيته ومعتقداته الإسلامية، أو الاشتراكية أو الشيوعية أو الليبرالية. إلغاء المرجعية الدينية من الخطاب السياسي يعادل إلغاء المرجعية اللادينية، أو اليسارية، أو غيرها، فكلها معتقدات وتوجهات تؤثر على الخطاب، ولا بد للسياسي من فلسفة يبني عليها رؤيته.

منع رجال الدين من الحديث السياسي، وانتقاد سلوكيات الدولة وقراراتها على أساس ديني، رهان خطير جدا، سيزعزع صلاحيات كثيرة، وسيزلزل أسسها وسيجعلها تبدو غير منطقية، وسيزيد الشرخ بين ما تعلنه الدولة في خطاباتها الرسمية، دينياً وحقوقياً، وبين ما تمارسه، وهذا سيدخل الشعب في تناقضات رهيبة بين ما يسمعه وما يعيشه.

الارتباط بين الدين والسياسة في المغرب يجب أن يعاد النظر فيه بشكل جدي عميق، وأن تبنى القرارات في هذا الشأن على عقلانية ومنطق، وأن تكون مطابقة وموحدة في كل مناحي سياسة الدولة، من صلاحيات مسؤوليها إلى صلاحيات موظفيها، ومن الدستور إلى الاقتصاد إلى الإعلام، حتى يفهم الشعب على أي أسس يتم اتخاذ القرارات التي تحكم عيشه ومستقبله.

80AEF6F3-BF05-4152-B455-248E8D09E94A
80AEF6F3-BF05-4152-B455-248E8D09E94A
مايسة سلامة الناجي (المغرب)
مايسة سلامة الناجي (المغرب)