المغرب: هاجس العزوف يؤرق الدولة والأحزاب قبل انتخابات 2021

11 يوليو 2020
أزمة ثقة في العملية الانتخابية في المغرب (جلال مرشيدي/الأناضول)
+ الخط -

تبدو الانتخابات المحلية والتشريعية المتزامنة، والمنتظر تنظيمها العام المقبل في المغرب، محطةً حاسمةً في البلاد، مع تخوف الدولة والقوى السياسية من تدني نسبة المشاركة والإقبال على صناديق الاقتراع، لا سيما في ظلّ سياقٍ سياسي دقيقٍ وصعب، يتسم بفقدان المواطن الثقة بالعملية السياسية والانتخابية.
ومع إعطاء وزارة الداخلية المغربية والأحزاب السياسية، خلال الأسبوع الحالي، إشارة انطلاق التحضير الفعلي لانتخابات 2021، عاد النقاش مجدداً، حول نسبة المشاركة في رابع انتخابات تُجرى في عهد العاهل المغربي الملك محمد السادس. وتمثل هذه الانتخابات امتحاناً صعباً للدولة وللأحزاب بمختلف تلويناتها، على اعتبار أن أيّ عزوفٍ عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، سيعيد إلى الأذهان سيناريو انتخابات العام 2007 من تدني نسبة المشاركة إلى 37 في المائة، بل سيوجه ضربة موجعة إلى المسار الإصلاحي الذي انتهجه المغرب منذ الربيع العربي، وجعله استثناءً في المنطقة، كما سيطرح علامات استفهام حول من يتحمل مسؤولية ذلك.

يسيطر تغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة على الواقع الحزبي في المغرب
 

وعلى الرغم من أن لا أحد من مصلحته تكرار سيناريو السابع من سبتمبر/أيلول 2007، في ظلّ التحديات التي تواجه البلد والدولة والأحزاب مجتمعين، إلا أن الواقع السياسي المعاش منذ اعتماد دستور المملكة الجديد في العام 2011، يشير إلى استمرار السلوكيات والأسباب نفسها التي لا تغري الناخبين بالمشاركة، ووجود أزمة ثقة في العملية السياسية والانتخابية، كما في القوى السياسية المرتبطة بها.

وعلى الرغم مما جاء به الدستور الجديد، والمقتضيات القانونية المنظمة للحياة الحزبية، لم يتمكن الفاعل الحزبي من وضع قطيعة مع الماضي، إذ لا يزال فقدان الثقة من قبل المواطنين قائماً، في ظلّ واقعٍ حزبي يتميز بتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وعدم القدرة على القيام بالأدوار الدستورية المتمثلة في تأطير المواطنين وتكوينهم سياسياً، ما يجعل الناخب أمام واقع سياسي لا يغري على الإقبال على صناديق الاقتراع، وقبله على التسجيل في اللوائح الانتخابية.
ولعل هذا الواقع هو ما دفع بعض قادة الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، إلى مطالبة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، خلال الجولة الأولى لمشاورات الإعداد للانتخابات المقبلة، والتي عُقدت في مارس/آذار الماضي، وكذلك خلال الجولة الثانية التي عقدت يوم الأربعاء الماضي في وزارة الداخلية، بالقيام بإجراءات تصالح المغاربة مع السياسة، وذلك تخوفاً من ارتفاع ظاهرة العزوف الانتخابي.
ولئن إمكانية تكرار سيناريو العام 2007 تبقى قائمة، فإن الأحزاب المغربية تجد نفسها، قبل سنة على موعد الانتخابات، أمام تحدي إيجاد مبادرات تدفع المواطنين للإقبال على صناديق الاقتراع.
ويشير الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية"، نبيل بنعبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك اليوم فراغاً وهوة حقيقية بين المواطن والشأن السياسي، إلى حدّ أن المجتمع يبدو في وادٍ، والفضاء المؤسساتي والسياسي والحزبي في وادٍ آخر". ويلفت بنعبد الله إلى أنه "في ظلّ هذا الوضع، لا يمكن مباشرة النقاش حول الانتخابات، من دون مناقشة أزمة الثقة الموجودة في المجتمع، ومن دون أن نرى ماهية الإجراءات التي من شأنها أن تفضي إلى انفراج سياسي ومصالحة بين الشأن السياسي وبين المواطن".
ورأى المسؤول في "التقدم والاشتراكية"، أن من المبادرات التي يمكن أن تساهم في تلافي شبح العزوف الانتخابي، هي خلق جوٍّ سياسي جديد، من خلال إحداث انفراج في بعض النزاعات الاجتماعية، وتجاوزها بالإفراج عن المعنيين بها، مشيراً إلى أن الأحزاب السياسية مطلوب منها أن تكون حاضرةً بكل استقلالية، وأن تملأ الساحة وتفيق من سباتها، وتعيد النظر في أساليبها، وكذلك أن تفتح أبوابها للجديد وتجد صيغاً للانغماس أكثر في المجتمع.
من جهته، رأى النائب الأول للأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، سليمان العمراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المشاركة المكثفة المأمولة للمواطنين والمواطنات في الانتخابات، تواجه تحديات حقيقية يتعين استيعابها ورفعها، في ظلّ النقص الكبير في الثقة داخل المجتمع وتواضع درجة المصالحة مع السياسة، لافتاً إلى أن حزبه على غرار باقي الأحزاب واعٍ لهذا التحدي ولجدية الموضوع، ويُمعن النظر باستمرار داخل مؤسساته من أجل فرز المبادرات الكفيلة بمواجهة تحدي المشاركة المواطنة. وبحسب العمراني، فإن من المبادرات المطلوبة هي التعريف أكثر بالنموذج الديمقراطي والتنموي الوطني، وما يشكله من استثناء في السياق الإقليمي والدولي، مع اعتبار النقص والتحديات التي تواجهه، وبناء خطاب تواصلي وانتخابي إقناعي بجودة حصيلة الحزب في تدبير الشأن العام وطنياً ومحلياً، على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن بين المبادرات المطلوبة كذلك لمواجهة تحدي العزوف، وفق القيادي في "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي: تعزيز العرض السياسي للحزب القائم على قيم الشفافية والنزاهة والكفاءة في أداء الوزراء والبرلمانيين والمنتخبين المحليين، وعلى استدامة علاقة القرب مع المواطنات والمواطنين بتكثيف آليات التواصل والتأطير والترافع عن قضاياهم، ومواصلة الحزب لمبادراته التواصلية مع المواطنين القائمة على القرب والإنصات والترافع، سواء تعلق الأمر بـ"قافلة المصباح" (قافلة سنوية لتلقي شكاوى المواطنين) السنوية للبرلمانيين، أو بغيرها من المبادرات التي يسهم وزراء الحزب وقياديوه ومنتخبوه في تأطيرها.

يبدي مراقبون تخوفهم من أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة أقل من 20 في المائة

ورأى العمراني أن الوضع الحالي يقتضي تعزيز النموذج الحزبي بتقديم المرشحين الأكفاء والنزهاء للانتخابات المقبلة، والعمل إلى جانب باقي الفرقاء على تطوير التشريع الانتخابي الوطني للحد من الفساد الانتخابي وتوسيع المشاركة المواطنة، خصوصاً مشاركة مغاربة العالم. ويأتي ذلك فضلاً عن التعاون مع الأحزاب السياسية الوطنية من أجل بلورة تعاقد جديد كفيل بإحاطة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة بكل الضمانات الكفيلة بربح رهاناتها وتمنيع النموذج الانتخابي المغربي. وشدّد العمراني على "ضرورة أن تتحمل كافة الأحزاب السياسية مسؤولياتها، ونحن معها في خندق واحد، من أجل تقديم عرض يزرع الثقة وينمي الأمل، فالحل لدينا وفي أيدينا وليس في مكان آخر".
بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، عبد المالك أحزرير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن على الحكومة والأحزاب مصالحة المواطن مع السياسة وخلق مؤسسات وقنوات للتنشئة السياسية، وكذلك المصالحة مع المجتمع الذي يحتاج إلى مخرج لمشاكله الاجتماعية. وأشار أحزرير إلى أن الأحزاب ابتعدت عن وظائفها وأصبحت لا تراعي المواطن، وتعمل في دائرة ضيقة لخدمة مصالح ذاتية على أساس الزبونية. واعتبر الباحث السياسي أن هاجس العزوف قائم بقوة، وهو ما يعكسه ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من أفكار ودعوات تسير في هذا الاتجاه، مبدياً تخوفه من أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة أقل من 20 في المائة.

المساهمون