بعد عشر سنوات من تحرير الإعلام المغربي من قبضة الجهات الرسمية، وفتح باب الاستثمار الخاص فيه، إلّا أنه لا يزال يعاني من الفوضى وارتباطه بالجهات الرسمية، إضافة إلى افتقاره للمهنية والإبداعية التي جعلت وسائل الإعلام تقدم برامج متشابهة، لا ترقى بالجمهور ولا بذائقته ووعيه.
هذه النقاط، ناقشها إعلاميون مغاربة يمثلون وسائل إعلامية محلية، سمعية وبصرية، في ندوة "المشهد السمعي البصري: 10 سنوات بعد التحرير. ماذا تغيّر؟ ماذا أضاف للجهة"، والتي نظمتها المديرية الجهوية للاتصال بجهة طنجة ــ تطوان، بالتعاون مع منظمة حريات الإعلام والتعبير (حاتم) في طنجة، شماليّ المغرب.
قارب المشاركون المشهد الإعلامي كلٌ من زاويته، فأشار المدير الجهوي لمديرية الاتصال، إبراهيم الشعبي، إلى احتكار الدولة المغربية للإعلام لمدة 68 سنة، حتى عام 2002 حين رفع الاحتكار ثم تبعه إنشاء الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري "الهاكا".
ولفت إلى أن هدف الندوة "قراءة هذه التجربة ببعدها الزماني والمكاني، بتسليط الضوء على إيجابياتها وسلبياتها بعد سنوات الاحتكار الطويلة".
من جهتها، قالت الإعلامية في راديو "ميدي 1"، فرحانة عياش، إن "المغرب نهج نهجا جديا منذ عشر سنوات لتحرير الإعلام، ويجب الآن البحث عن تهيّؤنا لهذا التحرر"، مشيرةً إلى أنّه "تبث في المغرب حاليا 17 إذاعة خاصة، إضافة إلى قنوات تلفزية خاصة تستوجب توفير ميزانيات ضخمة لها".
اقرأ أيضاً: المغرب: قانون النشر أبرز أحداث العام 2015
واعتبرت عياش أن التحدي أمام الإعلام المغربي هو "الجرأة على الاستثمار بمجاله، ولكن طالما تتحكم فيه السياسة والإيديولوجيا لن تكون هناك جرأة. إضافة إلى تحدي المعرفة والبرامج التدريبية التي يفتقر لها الصحافيون".
وأضافت "نحن نسعى لإعلام حر، يخدم المجتمعات، وأن ينقل صورة صادقة عن الديمقراطية، والإعلام المغربي ما زال في البداية".
كما عرضت عياش أيضاً "نوع المتلقي الذي تفرزه الإذاعات الخاصة بناءً على البرامج المقدمة له"، وتساءلت عما إذا كانت هذه الإذاعات قد خدمت المواطن، أم أن رداءتها غلبت على نوعية المنتوج، مؤكدة على أن "المطلوب اليوم هو الاستثمار بالقطاع الإعلامي وبالعنصر البشري".
الصحافي في القناة الثانية سابقاً، محمد العمراني، سأل بدوره "ما إن كان الإعلام المغربي تحرر فعلا؟"، لافتاً إلى أنّ "الإذاعة تحررت شكلا، لكنها لم تتحرر في المضمون. في حين أن الإعلام البصري لم يتحرر بعد".
وتناول في مداخلته فضائيتين رئيستين بالمغرب هما، "ميدي1" والقناة الثانية "دوزيم". وشرح أن "ميدي1" بدأت كفضائية خاصة حتى انهارت في 1996 وتدخلت الدولة حينها لإنقاذها، هي فضائية مزدوجة الآن، يخضع موظفوها لقانون الشغل المغربي، في حين القناة الثانية، تخضع بشكل كامل للدولة، بحيث لم تكن قانونية عند انطلاقها عام 1989، والقانون المغربي لم يكن يرخص القنوات الخاصة حينها، حتى بدأ أيضا انهيارها وأصبحت تحت مسؤولية الدولة.
ورأى العمراني أن التمويل المالي أهم ما يعيق تطور وسائل الإعلام المغربية، يضاف إلى ذلك، العراقيل الإدارية من ناحية وجود طلبات بإطلاق قنوات رياضية واجتماعية وثقافية خاصة لدى "الهاكا" لكنها لم توافق عليها بعد. لذلك "الإشكالية المطروحة تقف بين تقديم الخدمة العمومية والتوازن المالي"، حسب رأيه.
أما من ناحية المحتوى، يجد العمراني أن ما يعيب البرامج الإعلامية الحالية هي "عدم استخدامها للغة الضاد أو لغة واحدة، بل التقديم بخليط من اللهجات واللغات"، مشيراً إلى "إقصاء البرامج التوعوية تحت ذريعة عدم جذبها للإعلانات والمردود المادي".
من جهتها، أوضحت الإعلامية حنان عزوز، التي تعمل في إذاعة "كاب راديو" الخاصة، أن الإذاعة غيّرت بالمشهد الإعلامي عندما "فتحت الباب أمام الصحافيين الشباب"، ورأت أن التحرر انعكس من خلال امتلاك كل جهة إذاعة خاصة لها حضور مجتمعي، بينما يظل التنافس بين الإذاعات هو الذي يحكم الجودة ويسيطر عليها"، مشيرة إلى "وجود تحرير كمي، بانتظار التحرير النوعي".
الصحافي في قناة "ميدي1" نبيل دريوش، بيّن أن التحرير بدأ بتسعينيات القرن الماضي مع غزو الفضائيات العربية، مثل الجزيرة والعربية، وقال "مع افتقار الرقابة، عرفت تلك الفترة ما سمي بالهجرة التلفزيونية، عندما بدأ المواطن المغربي يشاهد ما يهدد هويته، لذلك كان لا بد من بديل محلي".
وأضاف: "لاحقاً، وبتوفر مناخ سياسي بعهد الانتقال وإلغاء قانون 1924، انطلقت فضائيات مغربية خاصة، بقوانين جديدة ومؤسسات جديدة مثل "الهاكا"، وكان التحرير سمعياً أكثر ممّا هو بصري، لأنه يحتاج إلى استثمارات ضخمة. وعلى الرغم من ذلك، يمكن القول إن الإعلام المغربي نجح في إعادة جزء من مواطنيه المهاجرين إعلاميا، وسيعزز ذلك من خلال القنوات الأرضية الرقمية التي ستطلقها وزارة الاتصال قريبا".
وبحسب دريوش، فإنّ "القنوات والإذاعات بدأت تتنافس على المرتبة الأولى في الاستماع، ولكن تسودها الفوضى والكلام السوقيّ، ولم تعد تربي الأجيال".
أما الإعلامي في إذاعة طنجة الجهوية خالد شطيبات، فانتقد المشهد الإعلامي بعد عشر سنوات من تحريره قائلاً: "كان قرار التحرير سياسي وسيادي في إطار العلاقات الفرنسية المغربية".
وأضاف "يجب فهم سياقات التحولات بين الإعلام والسياسة وحتى الثقافة. التحرير اكتفى بالإذاعات الجهوية، بالاضافة إلى عدد قليل من الإذاعات الخاصة التي تواجه سوءاً في التوزيع. كما أن الخطاب الإعلامي السمعي البصري هو خطاب احتواء يعكس فلسفة الجهات الرسمية. علاوة على ذلك، يفتقر القطاع للدراسات الإعلامية، وللتثاقف المدني وللحمولات القيمية والاجتماعية". وسأل "هل الإعلام خدمة للمواطن، أم ظل إعلاماً رسمياً ينقل رسائل رسمية؟".