21 فبراير 2018
المغرب في مرآة "المؤشر العربي"
المجتمع المغربي، كأي مجتمع آخر، ليس كتابا مفتوحا يمكن لأي واحد أن يقرأ فيه آثار التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بيسر وسلاسة... المجتمعات كتل بشرية معقدة، تحتاج إلى علم وخبرة وبحث ومؤشرات عدة لمعرفة توجهات الناس في مكان وزمان معينين. واحد من أدوات هذه المعرفة هي استطلاعات الرأي الغائبة في المملكة.
لهذا، عندما يظهر استطلاع للرأي عن المغرب، لابد من الاهتمام به، وقراءة مؤشراته، علّها تساعدنا على فهم مجتمعنا، وحل جزء من ألغازه.
أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أول من أمس من الدوحة، عن نتائج أوسع استطلاع رأي يجري في العالم العربي (المؤشر العربي) ضم 18310 مستجوبين من 12 بلدا عربيا، منها المغرب. وفيه نجد أن 89% من المغاربة يرفضون أعمال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويعارضون بشدة وحشيتها، في دولةٍ يعرف فيها 85% من المواطنين أنفسهم متدينين أو متدينين جدا، لكنهم، في الوقت نفسه، وفي استطلاع الرأي نفسه، يعرفون التدين من خلال أربع مؤشرات: الالتزامات بالعبادات، والصدق، والأمانة، وحسن معاملة الآخرين. أي أن المغاربة يتبنون فهمًا مقاصديا وعمليا للدين، وليس طقوسيا ومظهريا فقط. ولهذا، عبر 69% منهم عن رفضهم الواضح استعمال الدولة أو الحكومة أو الأحزاب الدين، للحصول على تأييد الناس سياساتها.
في السياسة، يرى 77% من المغاربة الذين شاركوا في استطلاع الرأي هذا أن النظام الأصلح لإدارة بلادهم هو النظام الديمقراطي، وبخصوص الربيع العربي الذي انطلق سنة 2012، وقسَم جل المجتمعات العربية والمغاربية بين مشكك في نيّاته ومرحب بثوراته، اعتبر 51% من المغاربة أن الربيع العربي كان إيجابيا إلى إيجابي جدا (ترتفع النسبة في تونس إلى 71%، وتنزل في الأردن إلى 22%)، لكن أهم جواب حول هذا الموضوع الإشكالي كان تفسير المشاركين في استطلاع الرأي هذا خروج المغاربة إلى الشارع في يوم 20 فبراير/شباط 2011 للمطالبة بالتغيير، حيث رتب هؤلاء الأسباب الداعية إلى الاحتجاج كالتالي: أولا الفساد، ثانيا الاستبداد، ثالثا سوء الأوضاع الاقتصادية، رابعا تدهور الحريات العامة، خامسا الدفاع عن الكرامة، سادسا الدفاع عن الديمقراطية.
عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، قال 52% من المستجوبين المغاربة إن الوضع سيّئ إلى سيّئ جدا. وقال 30% من المشاركين في سبر الآراء هذا إن دخلهم لا يغطي حاجياتهم. واستنكر 74% من المغاربة التمييز في تطبيق القانون في بلادهم بين مواطنين درجة أولى ومواطنين درجة ثانية أو ثالثة.
يحتاج كل رقم من هذه الأرقام صفحات وصفحات، لتحليل مغزاه، وتتبّع مفعوله في الفكر والسلوك اليومي للمواطن. لكن، يُكتفى، هنا، بالملاحظات العابرة التالية:
أولا: أغلبية المغاربة يعرفون أنفسهم أفراداً متدينين، لكنهم، في الوقت نفسه، يرفضون تكفير الآخر الديني أو الآخر السياسي، ويعتبرون الدين أساسياً في حياتهم، لكنهم يتبنون نوعا من الفصل بين سياسة البشر وتعاليم الخالق، ويرفضون الخلط بينهما، وهم إلى الآن لم يتأثروا بدعاية "داعش"، ولا بشعاراتها الطائفية، وهذا يعد تقدما كبيرا، بالنظر إلى موقف المغاربة السابق من تنظيم القاعدة وعملياته الإرهابية، حيث كانت نسبة التأييد لها في الشارع مرتفعةً، حسب استطلاع رأي مؤسسة pew الأميركية.
ثانيا: يبدو أن الشارع المغربي مؤمن بالخيار الديمقراطي الثابت الرابع في دستور 2011 أكثر من النخبة السياسية والحزبية، فـ77% قالوا إن النظام الديمقراطي هو الأصلح لإدارة شؤون المملكة، هذا في الوقت الذي يتابع الجميع كيف تريد جل الأحزاب أن تتحلل من نتائج الاقتراع الماضي، وكيف يجري (تهريب) منهجية غير ديمقراطية لتشكيل الحكومة، لا تشبه نتائج الاقتراع.
ثالثا: تظهر نتائج استطلاع الرأي عمق معاناة جل المغاربة مع الفقر والهشاشة والظلم، وعدم الإحساس بوجود المساواة ودولة للقانون، علاوة على تفشّي الفساد الذي يعتبره المشاركون في الاستطلاع المحرّض الأول على انتفاضة الشارع اليوم وغدا.
من هذه النتائج وغيرها، يمكن ترتيب أولويات المغربي، في هذه المرحلة، ويمكن أن نتوقع سلوكه في المستقبل، كمواطن محافظ ومتدين، يعيش عصره بكل تناقضاته، مؤمن بالديمقراطية نظام حكم، ويتطلع إلى أن يعيش حياة كريمة، فيها شغل وصحة وسكن وتعليم، ومتحرّر من قبضة السلطة نسبيا، مواطن يؤيد موجات الاحتجاج السلمي في الشارع، ويميّز بين الدولة والنظام والفوضى والنضال...
أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أول من أمس من الدوحة، عن نتائج أوسع استطلاع رأي يجري في العالم العربي (المؤشر العربي) ضم 18310 مستجوبين من 12 بلدا عربيا، منها المغرب. وفيه نجد أن 89% من المغاربة يرفضون أعمال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويعارضون بشدة وحشيتها، في دولةٍ يعرف فيها 85% من المواطنين أنفسهم متدينين أو متدينين جدا، لكنهم، في الوقت نفسه، وفي استطلاع الرأي نفسه، يعرفون التدين من خلال أربع مؤشرات: الالتزامات بالعبادات، والصدق، والأمانة، وحسن معاملة الآخرين. أي أن المغاربة يتبنون فهمًا مقاصديا وعمليا للدين، وليس طقوسيا ومظهريا فقط. ولهذا، عبر 69% منهم عن رفضهم الواضح استعمال الدولة أو الحكومة أو الأحزاب الدين، للحصول على تأييد الناس سياساتها.
في السياسة، يرى 77% من المغاربة الذين شاركوا في استطلاع الرأي هذا أن النظام الأصلح لإدارة بلادهم هو النظام الديمقراطي، وبخصوص الربيع العربي الذي انطلق سنة 2012، وقسَم جل المجتمعات العربية والمغاربية بين مشكك في نيّاته ومرحب بثوراته، اعتبر 51% من المغاربة أن الربيع العربي كان إيجابيا إلى إيجابي جدا (ترتفع النسبة في تونس إلى 71%، وتنزل في الأردن إلى 22%)، لكن أهم جواب حول هذا الموضوع الإشكالي كان تفسير المشاركين في استطلاع الرأي هذا خروج المغاربة إلى الشارع في يوم 20 فبراير/شباط 2011 للمطالبة بالتغيير، حيث رتب هؤلاء الأسباب الداعية إلى الاحتجاج كالتالي: أولا الفساد، ثانيا الاستبداد، ثالثا سوء الأوضاع الاقتصادية، رابعا تدهور الحريات العامة، خامسا الدفاع عن الكرامة، سادسا الدفاع عن الديمقراطية.
عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، قال 52% من المستجوبين المغاربة إن الوضع سيّئ إلى سيّئ جدا. وقال 30% من المشاركين في سبر الآراء هذا إن دخلهم لا يغطي حاجياتهم. واستنكر 74% من المغاربة التمييز في تطبيق القانون في بلادهم بين مواطنين درجة أولى ومواطنين درجة ثانية أو ثالثة.
يحتاج كل رقم من هذه الأرقام صفحات وصفحات، لتحليل مغزاه، وتتبّع مفعوله في الفكر والسلوك اليومي للمواطن. لكن، يُكتفى، هنا، بالملاحظات العابرة التالية:
أولا: أغلبية المغاربة يعرفون أنفسهم أفراداً متدينين، لكنهم، في الوقت نفسه، يرفضون تكفير الآخر الديني أو الآخر السياسي، ويعتبرون الدين أساسياً في حياتهم، لكنهم يتبنون نوعا من الفصل بين سياسة البشر وتعاليم الخالق، ويرفضون الخلط بينهما، وهم إلى الآن لم يتأثروا بدعاية "داعش"، ولا بشعاراتها الطائفية، وهذا يعد تقدما كبيرا، بالنظر إلى موقف المغاربة السابق من تنظيم القاعدة وعملياته الإرهابية، حيث كانت نسبة التأييد لها في الشارع مرتفعةً، حسب استطلاع رأي مؤسسة pew الأميركية.
ثانيا: يبدو أن الشارع المغربي مؤمن بالخيار الديمقراطي الثابت الرابع في دستور 2011 أكثر من النخبة السياسية والحزبية، فـ77% قالوا إن النظام الديمقراطي هو الأصلح لإدارة شؤون المملكة، هذا في الوقت الذي يتابع الجميع كيف تريد جل الأحزاب أن تتحلل من نتائج الاقتراع الماضي، وكيف يجري (تهريب) منهجية غير ديمقراطية لتشكيل الحكومة، لا تشبه نتائج الاقتراع.
ثالثا: تظهر نتائج استطلاع الرأي عمق معاناة جل المغاربة مع الفقر والهشاشة والظلم، وعدم الإحساس بوجود المساواة ودولة للقانون، علاوة على تفشّي الفساد الذي يعتبره المشاركون في الاستطلاع المحرّض الأول على انتفاضة الشارع اليوم وغدا.
من هذه النتائج وغيرها، يمكن ترتيب أولويات المغربي، في هذه المرحلة، ويمكن أن نتوقع سلوكه في المستقبل، كمواطن محافظ ومتدين، يعيش عصره بكل تناقضاته، مؤمن بالديمقراطية نظام حكم، ويتطلع إلى أن يعيش حياة كريمة، فيها شغل وصحة وسكن وتعليم، ومتحرّر من قبضة السلطة نسبيا، مواطن يؤيد موجات الاحتجاج السلمي في الشارع، ويميّز بين الدولة والنظام والفوضى والنضال...