يشعر الخبير البيئي المغربي، محمد بنجلون، بالقلق الشديد من تفاقم مشكلة النفايات الطبية التي يراها كارثة بيئية تهدد صحة المغاربة، لأن الشركات لا تعالج النفايات الطبية بقدر ما تحولها إلى غازات سامة كما يقول.
اتهامات بنجلون للشركات المسؤولة عن معالجة النفايات الطبية والتخلص منها بطريقة آمنة، لم ترق كثيراً مسامع مدير مركز ابن سينا الجامعي الاستشفائي في الرباط، الذي يرد على حديثه: "نتعاقد مع شركات متخصصة في هذا المجال لديها تقنيات متطورة، يربطنا بها اتفاق صارم، لا تجرؤ أية شركة على عدم الالتزام به"، وهو ما يؤيده فيه مدير مستشفى ابن وافي في الدار البيضاء.
يوضح المدير لــ"العربي الجديد" أن "الطاقم المسؤول عن حفظ الصحة في المستشفى ذاته، يراقب ما تقوم به الشركة المكلفة التخلصَ من نفايات المشفى الطبية، ما يجعل نسبة الخطأ ضئيلة".
مَن المسؤول؟
تضارب الآراء السابقة، بين الخبير البيئي ومديري المستشفيات المغربية، لا يقنع عشرات المواطنين في منطقة بسكورة بضواحي مدينة الدار البيضاء بالمغرب، إذ أصيب سكان المنطقة بأمراض كثيرة ضمنها الربو، ضيق التنفس، وآلام الرأس، السبب كما قالوا لـ"العربي الجديد": "الروائح الكريهة التي تصدر عن شركة معالجة النفايات الطبية بالمنطقة ذاتها".
يستشهد الأهالي الغاضبون بدراسة علمية لمكتب دراسات فرنسي، كشفت أن حرق شركات معالجة القمامة، للنفايات الطبية يؤدي إلى انبعاث غازات سامة في الجو قد تتسبب في العديد من المشاكل الصحية للسكان المجاورين.
لدى محاولة كاتبة التحقيق التواصل مع المسؤول عن ملف النفايات الطبية، في مشفى في المنطقة يؤكد الأهالي على سوء تدبير القائمين على التخلص من النفايات للأمر، كشف مسؤول في المشفى، رفض ذكر اسمه، أنه لا يستطيع التواصل مع الشركة المكلفة، "على الرغم من أن مهمتنا في الأصل هي مراقبة عمل الشركة" على حد قوله، فيما رصدت كاتبة التحقيق عبر جولة ميديانية، قيام مشفى آخر في منطقة مجارة، برمي النفايات الطبية في مطارح عمومية، في حين اختار مشفى آخر نقل النفايات عبر سيارات إسعاف للتخلص منها في مستودعات مشفى آخر.
لكن من المسؤول عن الخلل الواضح في ملف التخلص من النفايات الطبية، تجيب الدكتورة ليلى البوحميدي المسؤولة في مديرية المستشفيات في وزارة الصحة: "وزارة الصحة والموظفون المسؤولون في حفظ الصحة مهمتهم مراقبة هذه الشركات ولا أحد يمكن أن يمنعهم من أداء أدوارهم"، خرجت أمس ضمن لجنة في زيارة تفقدية لأوضاع إحدى الشركات ووقفت على بعض المخالفات وكتبت ذلك في تقرير لاتخاذ الإجراءات اللازمة".
اقرأ أيضاً : بالفيديو.. تمرد مغربي على حكم "الأمغار" في الأطلس المتوسط
3 أطنان في اليوم
تنتج المؤسسات الاستشفائية في المغرب، نصف كيلو من النفايات الطبية لكل سرير يومياً، لكن هذه الكمية تتفاوت من مستشفى لآخر، في حين يصل مجموع النفايات التي تنتجها المستشفيات العمومية إلى ثلاثة أطنان، تنتج الكميات الأكبر منها بالمستشفيات الجامعية.
يوجد في المغرب 150 مستشفى، تقول الدكتورة البوحميدي، قبل أن تضيف قائلة، "93 في المائة من المستشفيات العمومية تتخلص من نفاياتها عبر شركات مختصة في المعالجة، و12 مستشفى تتخلص من نفاياتها بطريقة عشوائية، إما عن طريق رميها في المطارح أو عن طريق حرقها في حفر".
حسب معطيات توصلت لها معدة التحقيق، فإن النفايات الطبية في المغرب، تعالجها ثلاث شركات فوضت لها وزارة الصحة تدبير المجال. تتواجد هذه الشركات في وسط وشمال المغرب، ورفضت شركات المعالجة المذكورة، استقبال نفايات المستشفيات المتواجدة بأقصى الشرق وأقصى الجنوب لأن العملية مكلفة أكثر مما هي مربحة، كما تكشف الدكتورة البوحميدي لـ"العربي الجديد".
"رفض الشركات معالجة نفايات هذه المستشفيات دفع المستشفيات المذكورة، إلى التخلص من نفاياتها عن طريق رميها في المطارح العمومية أو حرقها في حفر في مساحات مخصص لذلك" تتابع المسؤولة في مديرية المستشفيات "دائماً ما نفتح تحقيقات في حوادث رمي النفايات الطبية الخطيرة في المطارح العمومية، لكن في المقابل لا نستطيع محاسبتهم، لأنهم لا يتوفرون على حلول بديلة تمكنهم من معالجة النفيات المنتجة في مستشفياتهم".
وتحتكم الشركات ووزارة الصحة على دفتر تحملات صارم تضعه مديرية المستشفيات، من بين الشروط التي ينص عليها دفتر التحملات أن التخلص من النفايات يجب أن يكون مطابقاً للمعايير القانونية.
لكن الحاج عبد القادر أحد المتضررين من شركة معالجة النفايات الطبية ببسكورة، قال لـ"العربي الجديد": "الحياة في منطقة بسكورة انقلبت رأساً على عقب، منذ أن فتحت الشركة مقرها هنا، والعديد من السكان أصيبوا بأمراض مختلفة ضمنها الربو وضيق التنفس".
عبد القادر أوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، "أن السكان سئموا من الاحتجاج ومن المطالبة بنقل مقر الشركة إلى مكان آخر، واستسلموا إلى الروائح الكريهة والغازات الجوية السامة التي أكدوا انتشارها في الجو من خلال دراسات المكتب الفرنسي المختص".
كارثة بيئية
"الطريقة التي تعالج بها الشركات النفايات سيئة"، يقول الخبير البيئي، محمد بنجلون، مؤكدا أن دراسته التي أنجزها، أخيراً، خلصت إلى أن بعض النفايات الطبية ترمى في داخل الحاويات أمام المستشفيات وتنقل بعد ذلك إلى المطارح العمومية ما يتسبب في ضرر بيئي خطير، لأن معظم النفايات يجب أن تعالج بطريقة تقنية داخل المستشفيات العمومية.
التعامل السيء مع النفايات الطبية حسب بنجلون تترتب عنه أضرار بيئية خطيرة، مثل تسرب سموم النفايات الطبية من المطارح العمومية إلى الطبقات الجوفية والتربة، وخصوصاً في فصل الشتاء عند هطول الأمطار.
الخطير في الأمر حسب الخبير ذاته، هو أن بعض الأغنام ترعى في هذه المطارح، ومن ثم ينتقل إليها ما في النفايات الطبية من أمراض، ما يتسبب في انتقال العديد من الأمراض إلى المواطنين من خلال استهلاك هذه اللحوم الملوثة.
ويكشف الخبير البيئي من خلال الدراسة التي أنجزها بمعية مكتب دراسات فرنسي في بسكورة، أن الشركات لا تعالج النفايات الطبية، وإنما تحولها فقط إلى نفايات غازية سامة تنتشر في الجو وتلوثه، مشيراً إلى أن رماد حرق النفايات يفترض أن يعالج بطرق تقنية جد متطورة حتى لا يتحول إلى مواد سامة.
وعلى الرغم من تعقيم النفايات الطبية في درجة حرارة تتعدى 800 درجة، يشدد الخبير على أن الرماد يجب أن يعالج بطرق تقنية عالية حتى إذا كانت هناك خلايا سرطانية أو التهاب كبدي أو فيروس سيدا أو أمراض أخرى معدية يقضى عليها بشكل نهائي.
اقرأ أيضاً: المغرب.. 6 رجال يصنعون صورة "محمد السادس"
أعضاء بشرية في الشارع
يحمل المستشار بالمجلس الجماعي لمدينة الرباط، عدي بوعرفة، مسؤولية انتشار النفايات الطبية للمستشفيات الجامعية على وجه الخصوص، قائلاً "رصدنا في أرض تابعة للبلدية بمنطقة عكراش، نفايات طبية بها أعضاء بشرية ناتجة عن عمليات زرع الأعضاء أو متعلقة بحالات بتر الأعضاء في مثل حالات أمراض سرطان الثدي وغيرها".
يضيف عدي: "للأسف لم تلتزم هذه المستشفيات باتفاق سابق كان قد تم بين المجلس الجماعي لمدينة الرباط والمستشفيات الجامعية على أساس أن يتم التفريق بين النفايات المنزلية والطبية المجمعة في أكياس بالألوان، الأكياس البلاستيكية الحمراء للنفايات الطبية والسوداء للمنزلية غير أن المستشفيات لم تلتزم بهذا الاتفاق".
يحذر خبراء من أن شركات التخلص من النفايات الطبية لم تخصص آليات خاصة لجمع النفايات التي تطرحها المؤسسات الصحية، فيما تعمد مراكز صحية ومستوصفات في مدينة الرباط على تكديس النفايات الطبية داخل بناياتها لمدد تمتد لأشهر، في غياب خطط تدبيرها ومعالجتها، وهو ما يجعل من المشكلة خطراً دائماً يهدد صحة المغاربة.