المغرب: دخول أدبي من أبواب ضيّقة

08 أكتوبر 2015
(هرير سركسيان / سورية)
+ الخط -

رغم تكرار طرحه كلّ سنة، دون جدوى، يبقى سؤال "الدخول الثقافي" أو "الدخول الأدبي" مناسبة للوقوف على تعثرات السياسة الثقافية المغربية التي تعيش أزمة مركّبة، لا تقف عند حدود ضعف البنية التحتية وضبابية الرؤية الإستراتيجية لوزارة الثقافة.

ينطبق ذلك على مؤسّسات حكومية لها علاقة بصناعة وترويج المنتج الثقافي، كوزارات الاتصال والتربية الوطنية و"المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" وغيرها. تجلّى هذا الوضع في إخفاق السياسات العمومية للحكومات المتعاقبة، منذ الاستقلال إلى اليوم في جعل الثقافة شأناً عاماً، لا قضية نخبة وحسب.

لعل الانتخابات المحلية الأخيرة قد رسّخت أكثر هذه القناعة؛ حيث بدت الثقافة هامشية في عمل الحكومة، كما في برامج الأحزاب السياسية، التي يرى متابعون أن آخر ما فكرت فيه برامجها على اختلاف توجّهاتها هو الثقافة.

يرى الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد أن "الدولة غائبة عن الفعل الثقافي، في الوقت الذي كان من الواجب عليها أن تعترف بأن الثقافة هي أساس الحياة الاجتماعية والسياسية".

بالنسبة إليه: "يجب أن يكون الدخول الثقافي فرصة لمحاسبة أنشطة المؤسّسات الثقافية الرسمية، وعلى رأسها وزارة الثقافة، لأن الأمر مرتبط بصناعة ثقافية استُثمرت فيها ميزانيات مالية مهمة، وبالتالي يجب مراجعة حسابات هذه المؤسّسات وتقييم أنشطتها".

يضيف صاحب "امرؤ القيس في باريس": "لا يمكننا مع أي دخول ثقافي أن نحاكم الفاعل الثقافي، كما هو الحال بالنسبة إلى المؤسّسات الثقافية الرسمية. فالعمل الثقافي ليس موسمياً بالنسبة إلى المثقف. هو فعل يومي يعيشه، من خلال الكتابة والإبداع والموقف، إذ لا يمكن للمثقف أن ينتظر افتتاح الموسم بشكل رسمي لكي يكتب أو يبدع أو يُصدر موقفاً. الفعل الثقافي هو الهواء الذي يتنفّسه المثقف في كل وقت".

لكن، وفي ظلّ غياب هذه الإستراتيجية، يبقى "العمل الثقافي فردياً وغير مؤطّر مؤسّساتياً، إذ ما زال الكاتب يطبع على حسابه ويوزّع الكتاب بيده" كما يقول برشيد، ويشير إلى أنه "في حين نتحدث عن موسم "دخول ثقافي" تكون وزارة الثقافة غائبة ودور النشر منشغلة بطبع الكتاب المدرسي. لذلك نجد الكثير من المثقفين اعتزلوا العمل الثقافي، وهناك أسماء ثقافية وازنة أصيبت بإحباط كبير".

برشيد يذهب أبعد من ذلك، حين يقول: "المغرب يسير بشكل فوضوي في العمل الثقافي والفني أو الإبداعي عموماً. لذلك فالأفضل اليوم هو حل وزارة الثقافة وتعويضها بمجلس وطني للثقافة والفنون والآداب".

من جهته، يرى الكاتب والناقد شعيب حليفي، رئيس "نادي القلم" في المغرب، أن "الدخول الثقافي" انعكاس لظاهرة "الدخول الأدبي" في أوروبا التي ترتبط بصدور مؤلّفات بعينها ونزولها إلى الأكشاك والمكتبات في شهر أيلول/ سبتمبر.

يقول "تكون هذه الإصدارات مدار نقاش وقراءات وترشيح للجوائز. أما في المغرب، فنحن نتحدّث عن الدخول الثقافي لإثارة قضايا تتعلّق بالثقافة والتدبير الثقافي وغيابها في حياتنا".

وبحسب الباحث الأكاديمي إدريس لكريني، فإن "الممارسة الميدانية، خصوصاً في البلدان التي يحظى فيها المشهد الثقافي بمكانة لائقة، تؤكّد أن وجود إستراتيجية ثقافية محدّدة المعالم أمر ضروري وملحّ لضمان أي حراك ثقافي حقيقي يعكس هموم المجتمع ويترجم واقعه، إضافة إلى اعتماد واستثمار مختلف إنتاج المفكرين والباحثين في شتى المجالات وبلورتها ميدانياً".

يضيف: "بالتالي، فإن أيّ حديث عن دخول ثقافي في المغرب، على غرار الدخول الجامعي والسياسي، يحمل قدراً كبيراً من المبالغة والمغالاة". بالنسبة لـ لكريني فـ"الدخول يظل رهيناً بوجود إستراتيجية تعطي المثقّف دوره الحقيقي داخل المجتمع، وتخلق الفضاء الثقافي".

لعلنا نلمس من خلال مواقف المشتغلين في الميدان الثقافي، أن الحديث عن "دخول ثقافي" يحمل مبالغة كبيرة، خصوصاً وأن الأرقام تغيب تماماً لقياس هذه الظاهرة. كما أنه لم تتضح بعد "ملامح" ثقافية لموسم مضى، يمكِّننا من تقييم الحراك الثقافي المغربي، وبالتالي وضع أسس أو مخطط لحراك مقبل.

الحراك الثقافي في المغرب، لم يسلك يوما -كما في بلدان الضفة الشمالية من المتوسط- مسارات واضحة المعالم تؤسس لتقاليد "دخول ثقافي" أو "دخول أدبي"، وحين يقابل بعضهم بين "الظاهرة الأصلية" التي جاءت من أوروبا ونسختها في بلدان المغرب العربي (المتأثرة بالنموذج الفرنسي تحديداً)؛ غالباً ما يشيرون إلى ضرورة أسبقية وجود إستراتيجية ثقافية، وإلا اختُزل العمل الثقافي في مناسبات.

لكن قبل ذلك ينبغي أن نعرف أن كل إستراتيجية ثقافية يحركها السياسي والإعلامي والتشريعي والاقتصادي وغيرها من المجالات المترابطة. وبالتالي فإن كل حديث عن الثقافي بمعزل عن هذه المجالات يظل ناقصاً ويفتقد إلى التأثير.


اقرأ أيضاً: خرافة الجوائز العربية

دلالات
المساهمون