15 يونيو 2018
المغرب.. المقاطعة تربك الحكومة
أحمد بومعيز (المغرب)
تستمر في المغرب حملة مقاطعة منتجات ثلاث شركات كبرى، بعد أن دخلت شهرها الثاني، وكبدت الشركات المعنية خسائر لم تكن متوقعة، حتى أن إحداها أقدمت على تسريح العمال والتراجع عن الكميات المطلوبة من الحليب بنسبة ثلث العرض الذي يقدمه 120 ألف فلاح، أي 30 ألف حصة، ما ينذر بأزمة اجتماعية في المجال القروي الذي يعاني أصلا من الهشاشة.
وإذا كانت حملة المقاطعة هذه، وبشكلها الحالي، قد أثرث على الشركات المقصودة، وإذا تم اعتبارها أيضا حركة احتجاجية شعبية، يمكن تصنيفها من أشكال النضال البديل عن الأشكال الكلاسيكية، كالإضرابات القطاعية والاحتجاجات عبر الوقفات، فإنها تعتبر أيضا، وبالأساس حاملا وموجها لمؤشرات دالة على تحولات مؤثرة في المشهد السياسي المغربي، ولممارسات وأداء الأحزاب والنقابات والنخب في إطار تأطير المواطنين وتدبير الشأن العام، وعلى الأقل مرحليا في علاقة مع الأغلبية كحكومة، ومع المعارضة، ومع المكونات التمثيلية والمؤسسات الدستورية الأخرى المرتبطة بالحكامة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس المنافسة وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.
ونتيجة مؤقتة لحملة المقاطعة، والتي يجب التعامل معها باعتبارها صيرورة لأحداث وتراكمات عدة في سجل الحركات الاجتماعية والتحولات والتفاعلات السياسية والنقابية التي تعرفها البلاد في السنوات الأخيرة، فقد أدت نتائجها واستمراريتها والتعبئة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى إرباك العديد من الحسابات السياسية المسبقة، والتي بنيت على فرضيات ما قبل المقاطعة، وبالتالي، سيكون المشهد السياسي مرهونا بهذه النتائج وبتداعيات أخرى. وهنا لا بد من قراءة إشارات دالة والوقوف على تأثير المعطيات المرتبطة بذلك.
يبدو أن الرهان على حكومة العدالة والتنمية، في نسختها الثانية، لم يعد مربحا من الذين راهنوا عليها، إذ بدأ التشكيك في قدرة الحكومة على تدبير الوضع والتحكم في المعادلة الاجتماعية والسياسية المتحولة بسرعة.
الدلائل والمؤشرات على ذلك كثيرة، وآخرها أو أبرزها مشاركة للوزير حسن الداودي، وهو الوزير المنتدب لدى الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، في وقفة احتجاجية أمام البرلمان، مع العمال الذين سرحتهم شركة متضررة من الحملة ذاتها.
إذا نظرنا إلى هذا الحدث أو الموقف الغريب لوزير الحكامة في حكومة أغلبية يقودها رفيقه في الحزب، سعد الدين العثماني، نستنتج مدى الارتباك الذي تعيشه الحكومة، فاحتجاج الوزير مع العمال يعني احتجاج الوزارة أي احتجاج الحكومة، لكن على من؟ وعلى ماذا؟ تحتج على الفئات الشعبيىة التي تقاطع مواد الشركات بمبرر غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين!
وإذا كان الأمر يتعلق بغلاء الأسعار وضبطها والتحكم في تدبيرها، وجودة المنتوجات، فالأمر يعني بالضرورة الحكومة، وبالضبط وزارة الحكامة التي يشرف عليها الوزير المحتج، فهو إذا يحتج على المواطنين المقاطعين، ويحتج أيضا على نفسه، وعلى الوزارة التي لم تقم بمهامها في مراقبة السوق والمنتوجات وتفعيل الحكامة. كما أنه يحتج علنا على الحكومة التي لم تفعّل المؤسسات الدستورية المعنية بالموضوع، كمجلس المنافسة المجمد منذ 2013، إضافة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يحرك ساكنا بعد موجة المقاطعة.
وإضافة إلى وقفة وزير الحكامة التي تدخل منطقيا في باب "مبدأ الثالث المرفوع"، وتعاكس كل أبجديات التنظيم والتسيير المؤسساتي المسؤول والسليم، يمكن التذكير بمعطيات أخرى مرتبطة بالحكومة وبالحكامة والأسعار في علاقة مع الشركات المعنية بالمقاطعة، فالحكومة السابقة التي ترأسها حزب العدالة والتنمية هي التي حررت أسعار المحروقات وألغت تدخل صندوق المقاصة في المنتجات البترولية، ولم تحدد سقف الأثمنة، والوزير الحالي، المحتج أمام البرلمان، كان ضمن الفريق الحكومي آنذاك.
هذا فقط بخصوص وزير الحكامة الذي ينتمي لحزب الأغلبية ورئاسة الحكومة، أي العدالة والتنمية الذي أعلن انشقاقه ضمنيا بوقوفه مع العمال ضد الشعب وضد الحكومة. لكن هو ليس المعني الوحيد وحزبه ليس وحده من يتحمل المسؤولية فيما يقع من تداعيات سياسية، فالشركة الأخرى المعنية بالمقاطعة، وبموضوع المحروقات هي شركة ملك لوزير نافد في الحكومتين السابقة والحالية، حتى أن العديد من الأوساط تؤكد هندسته وإخراجه لسيناريو البلوكاج الحكومي بعد انتخابات 2016، وإبعاده لبنكيران وتنصيب العثماني، وهو الزعيم الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش. وحسب الكواليس السياسية في المغرب، فإن حزبه يتمرن منذ فشل مشروع حزب الأصالة والمعاصرة في الوصول إلى قيادة الأغلبية في الاستحقاقات التشريعية الماضية 2016 ورئاسة الحكومة، يتمرن كي يكون الرقم الرابح وقائد الأغلبية في انتخابات 2021، والعديد من المتتبعين يعلمون أن أخنوش يحاول أن يكون الرجل القوي في الحكومة الحالية، وأنه لن يقبل بالهزيمة في الانتخابات المقبلة، ولن يقبل إلا برئاسة الحكومة. لكن حملة المقاطعة دخلت على الخط وبعثرت مشروعه نظرا لكون شركته معنية بالمقاطعة، ولكونه كان وزيرا في الحكومة السابقة التي سنت التحرير العشوائي لأسعار المحروقات... وهذا دليل آخر على ارتباط السياسة بالمال والأعمال.
إذا كانت المعطيات الحالية تسمح بتقييم جزئي لمسار حملة المقاطعة ونتائجها، فإن الاختلاف في زاوية النظر وتأويل المعطيات، والمزايدات السياسوية بين عناصر الحقل السياسي والاقتصادي ومكوناته، والتمادي في التنكر لموضوعية وشرعية المطالب الاجتماعية، والإكراهات والصعوبات والتعقيد الذي تعرفه الظرفية، قد يقوي فرضية واحتمالات الانفلات والمغامرة نحو المجهول، والتي باتت واردة في هذه المرحلة الدقيقة، مرحلة نزقة تتطلب من المسؤولين والمؤسسات كثيرا من الحكمة والحكامة.
وإذا كانت حملة المقاطعة هذه، وبشكلها الحالي، قد أثرث على الشركات المقصودة، وإذا تم اعتبارها أيضا حركة احتجاجية شعبية، يمكن تصنيفها من أشكال النضال البديل عن الأشكال الكلاسيكية، كالإضرابات القطاعية والاحتجاجات عبر الوقفات، فإنها تعتبر أيضا، وبالأساس حاملا وموجها لمؤشرات دالة على تحولات مؤثرة في المشهد السياسي المغربي، ولممارسات وأداء الأحزاب والنقابات والنخب في إطار تأطير المواطنين وتدبير الشأن العام، وعلى الأقل مرحليا في علاقة مع الأغلبية كحكومة، ومع المعارضة، ومع المكونات التمثيلية والمؤسسات الدستورية الأخرى المرتبطة بالحكامة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس المنافسة وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.
ونتيجة مؤقتة لحملة المقاطعة، والتي يجب التعامل معها باعتبارها صيرورة لأحداث وتراكمات عدة في سجل الحركات الاجتماعية والتحولات والتفاعلات السياسية والنقابية التي تعرفها البلاد في السنوات الأخيرة، فقد أدت نتائجها واستمراريتها والتعبئة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى إرباك العديد من الحسابات السياسية المسبقة، والتي بنيت على فرضيات ما قبل المقاطعة، وبالتالي، سيكون المشهد السياسي مرهونا بهذه النتائج وبتداعيات أخرى. وهنا لا بد من قراءة إشارات دالة والوقوف على تأثير المعطيات المرتبطة بذلك.
يبدو أن الرهان على حكومة العدالة والتنمية، في نسختها الثانية، لم يعد مربحا من الذين راهنوا عليها، إذ بدأ التشكيك في قدرة الحكومة على تدبير الوضع والتحكم في المعادلة الاجتماعية والسياسية المتحولة بسرعة.
الدلائل والمؤشرات على ذلك كثيرة، وآخرها أو أبرزها مشاركة للوزير حسن الداودي، وهو الوزير المنتدب لدى الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، في وقفة احتجاجية أمام البرلمان، مع العمال الذين سرحتهم شركة متضررة من الحملة ذاتها.
إذا نظرنا إلى هذا الحدث أو الموقف الغريب لوزير الحكامة في حكومة أغلبية يقودها رفيقه في الحزب، سعد الدين العثماني، نستنتج مدى الارتباك الذي تعيشه الحكومة، فاحتجاج الوزير مع العمال يعني احتجاج الوزارة أي احتجاج الحكومة، لكن على من؟ وعلى ماذا؟ تحتج على الفئات الشعبيىة التي تقاطع مواد الشركات بمبرر غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين!
وإذا كان الأمر يتعلق بغلاء الأسعار وضبطها والتحكم في تدبيرها، وجودة المنتوجات، فالأمر يعني بالضرورة الحكومة، وبالضبط وزارة الحكامة التي يشرف عليها الوزير المحتج، فهو إذا يحتج على المواطنين المقاطعين، ويحتج أيضا على نفسه، وعلى الوزارة التي لم تقم بمهامها في مراقبة السوق والمنتوجات وتفعيل الحكامة. كما أنه يحتج علنا على الحكومة التي لم تفعّل المؤسسات الدستورية المعنية بالموضوع، كمجلس المنافسة المجمد منذ 2013، إضافة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي لم يحرك ساكنا بعد موجة المقاطعة.
وإضافة إلى وقفة وزير الحكامة التي تدخل منطقيا في باب "مبدأ الثالث المرفوع"، وتعاكس كل أبجديات التنظيم والتسيير المؤسساتي المسؤول والسليم، يمكن التذكير بمعطيات أخرى مرتبطة بالحكومة وبالحكامة والأسعار في علاقة مع الشركات المعنية بالمقاطعة، فالحكومة السابقة التي ترأسها حزب العدالة والتنمية هي التي حررت أسعار المحروقات وألغت تدخل صندوق المقاصة في المنتجات البترولية، ولم تحدد سقف الأثمنة، والوزير الحالي، المحتج أمام البرلمان، كان ضمن الفريق الحكومي آنذاك.
هذا فقط بخصوص وزير الحكامة الذي ينتمي لحزب الأغلبية ورئاسة الحكومة، أي العدالة والتنمية الذي أعلن انشقاقه ضمنيا بوقوفه مع العمال ضد الشعب وضد الحكومة. لكن هو ليس المعني الوحيد وحزبه ليس وحده من يتحمل المسؤولية فيما يقع من تداعيات سياسية، فالشركة الأخرى المعنية بالمقاطعة، وبموضوع المحروقات هي شركة ملك لوزير نافد في الحكومتين السابقة والحالية، حتى أن العديد من الأوساط تؤكد هندسته وإخراجه لسيناريو البلوكاج الحكومي بعد انتخابات 2016، وإبعاده لبنكيران وتنصيب العثماني، وهو الزعيم الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش. وحسب الكواليس السياسية في المغرب، فإن حزبه يتمرن منذ فشل مشروع حزب الأصالة والمعاصرة في الوصول إلى قيادة الأغلبية في الاستحقاقات التشريعية الماضية 2016 ورئاسة الحكومة، يتمرن كي يكون الرقم الرابح وقائد الأغلبية في انتخابات 2021، والعديد من المتتبعين يعلمون أن أخنوش يحاول أن يكون الرجل القوي في الحكومة الحالية، وأنه لن يقبل بالهزيمة في الانتخابات المقبلة، ولن يقبل إلا برئاسة الحكومة. لكن حملة المقاطعة دخلت على الخط وبعثرت مشروعه نظرا لكون شركته معنية بالمقاطعة، ولكونه كان وزيرا في الحكومة السابقة التي سنت التحرير العشوائي لأسعار المحروقات... وهذا دليل آخر على ارتباط السياسة بالمال والأعمال.
إذا كانت المعطيات الحالية تسمح بتقييم جزئي لمسار حملة المقاطعة ونتائجها، فإن الاختلاف في زاوية النظر وتأويل المعطيات، والمزايدات السياسوية بين عناصر الحقل السياسي والاقتصادي ومكوناته، والتمادي في التنكر لموضوعية وشرعية المطالب الاجتماعية، والإكراهات والصعوبات والتعقيد الذي تعرفه الظرفية، قد يقوي فرضية واحتمالات الانفلات والمغامرة نحو المجهول، والتي باتت واردة في هذه المرحلة الدقيقة، مرحلة نزقة تتطلب من المسؤولين والمؤسسات كثيرا من الحكمة والحكامة.
مقالات أخرى
08 ابريل 2018
31 مارس 2018
25 فبراير 2018