لم تبد الحكومة المغربية رأيها في مطالب اتحادات عمالية، والتي ترنو إلى مواصلة منح تعويضات للعمال الذين فقدوا عملهم بسبب تداعيات جائحة كورونا، وتنفيذ التزام الزيادة في الحد الأدنى للأجور في يوليو/تموز الجاري.
ومن المنتظر أن تتضح الرؤية حول التعويضات والحد الأدنى للأجور خلال الشهر الحالي، خاصة في سياق متسم بالسماح للشركات المتضررة من تداعيات الجائحة بتسريح 20 في المائة من عمالها.
من جانبه، لم يحسم رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في أول جولة من الحوار الاجتماعي، الموقف من مطلب عبّرت عنه اتحادات عمالية في لقاء سابق، حيث دعت إلى إحداث لجنة يقظة اجتماعية على غرار لجنة اليقظة الاقتصادية التي أنشئت بعد الجائحة.
وتعتقد الاتحادات أن إنشاء تلك اللجنة سيساعد على معالجة العديد من المشاكل الاجتماعية التي خلقتها الجائحة، وذلك في إطار حوار مع رجال الأعمال والحكومة.
ويأتي عقد الحوار الاجتماعي ثلاثي الأطراف في سياق اتخاذ تدابير لإنعاش الاقتصاد وتوقّع المغرب أن ينكمش النمو إلى ناقص 5 في المائة، بعدما كان يتوقع قبل الجائحة نموا بنسبة 3.7 في المائة، حيث ينتظر أن تتأثر قطاعات إنتاجية وخدماتية، بما له من تأثير على فرص العمل.
ويجري الإلحاح على إنشاء لجنة اليقظة الاجتماعية، بعدما لم تمثل الاتحادات العمالية في لجنة اليقظة الاقتصادية، وفي ضوء توقعات استمرار الأزمة الاقتصادية الحالية على مدى عام على الأقل، وتداعياتها المتوقعة على فرص العمل، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل اجتماعية ترتبط بالبطالة.
تلك إحدى النقاط التي تناولها لقاء عُقد مساء أول من أمس الجمعة، بين رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورؤساء الاتحادات العمالية الأربعة الأكثر تمثيلا والاتحاد العام لمقاولات المغرب، حيث يتجلى أن الأطراف الثلاثة لم تحدد بعد إطارا للحوار الاجتماعي، على اعتبار أن رئيس الحكومة ما زال في مرحلة الاستماع.
وانتقد عبد القادر الزاير، رئيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ما اعتبره تراجعا من قبل رئيس الحكومة عن التزام مبدئي سابق بتشكيل لجنة اليقظة الاجتماعية، معتبرا أن استحضار صعوبات المرحلة وهاجس الخروج من الأزمة، لا يمكن أن يتم على حساب الأجراء وقدرتهم الشرائية، والحفاظ على فرص العمل بالموازاة مع دعم الشركات.
طرحت الاتحاد العمالية، خلال ذلك الاجتماع الذي عقد في الرباط، مسألة مواصلة تقديم دعم للعمال المسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي، والذين لم يستعيدوا نشاطهم، وكانوا يستفيدون من تعويض في حدود 210 دولارات حتى يونيو/حزيران.
من جهته، أكد العلمي الهوير، نائب رئيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه حسب بيانات قدمتها الحكومة، ما زال 600 ألف من الأجراء، من بين 950 ألفا فقدوا عملهم جزئيا أو كليا، لم يستعيدوا نشاطهم، ما يفرض في تصور الاتحاد العمالية مواصلهم تعويضهم.
وأكد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شكيب لعلج، في تصريحات إعلامية، ضرورة التداول حول السبل التي تساهم في الحفاظ على 600 ألف فرصة عمل معلقة في 100 ألف شركة، ناهيك عن 3.4 ملايين فرصة عمل معلقة في وضعية هشة.
الحكومة لم توضح الرؤية حول ما إذا كانت ستمضى في تقديم تعويضات لمن فقدوا عملهم بسبب الجائحة
فيما شدد أمين عام نقابة الاتحاد المغربي للشغل، ميلودي موخاريق، على ضرورة العمل على استرجاع الأجراء لفرص عملهم التي فقدوها والحفاظ على القدرة الشرائية للأجراء، مع استئناف الشركات أنشطتها.
غير أن العلمي يؤكد أن الحكومة لم توضح الرؤية حول ما إذا كانت ستمضى في تقديم تعويضات لمن فقدوا عملهم بسبب الجائحة.
لم تستحوذ التعويضات فقط على النقاش، ففي الوقت الذي تؤكد اتحادات على ضرورة الزيادة في الحد الأدنى للأجور، يدعو رجال الأعمال إلى تأجيل تلك الزيادة نظرا إلى تراجع النشاط في الظروف الحالية، بينما لم تحسم الحكومة موقفها؛ حيث تركت ذلك لتقدير رجال الأعمال والاتحادات.
ويتطلع رجال الأعمال إلى تأجيل الزيادة في الحد الأدنى للأجور بنسبة 5 في المائة، كما اتفق على ذلك في إبريل/نيسان من العام الماضي، حيث يفترض أن تكون هي الزيادة الثانية، بعدما رفع الحد الأدنى 5 في المائة في يوليو/تموز 2019.
وربطت الحكومة في مشروع قانون المالية التعديلي، الذي عرضته على البرلمان، دعم الشركات التي تعاني من صعوبات جراء الجائحة، بشرط الحفاظ على 80 في المائة من فرص العمل، ما يعني ضمنيا إجازة تسريح 20 في المائة.
وإذا كان رجال الأعمال يطالبون بالعمل بنظام البطالة الجزئية ويلحّون على المرونة في سوق العمل، تؤكد اتحادات عمالية على ضرورة الحفاظ على فرص العمل، خاصة أن الشركات استفادت من دعم الدولة عبر لجنة اليقظة الاقتصادية ومشروع قانون المالية التعديلي.
وتعتبر الشركات أن القانون يسمح لها باللجوء إلى التسريح الاقتصادي في حال تراجع نشاطها، غير أنه يفترض من أجل الاستجابة لرغبة الشركة أن توفر أدلة تثبت انخفاضا حادا في نشاطها.
وأكد عبد القادر الزاير، رئيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على أن مطالب أصحاب الشركات بالاستفادة من الدعم الحكومي والاستثمارات العمومية، التي استجيب لها في مشروع قانون المالية التعديلي، يجب أن ترفق باحترام الالتزامات الاجتماعية التي أبرمت بشأنها اتفاقيات، من بينها تلك المتعلقة بالزيادة وتوحيد الحد الأدنى للأجور.