المعضلة الأميركية في الرقة: استعجال الحسم بلا تحالفات واضحة

09 مارس 2017
نشرت واشنطن قبل أيام قوات في منبج(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


يعزز وصول قوات أميركية إضافية إلى سورية، تلميحات واشنطن بأنها تنوي فتح معركة الرقة  السورية بعد أسابيع قليلة. لكن يبدو أن العائق حتى الآن، هو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تقوَ بعد على حسم مسألة التحالفات وتعقيداتها وحساسياتها، وبالتحديد بين حليفيها تركيا والأكراد، تماماً كما كان عليه الأمر أيام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. كما يبدو أن هذه الإدارة لم تحسم قرارها بشأن علاقتها مع الروس فوق الساحة السورية.
وأكد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أمس الخميس نشر قوات أميركية إضافية في سورية لتعجيل هزيمة تنظيم "داعش" في مدينة الرقة. وتأتي هذه التطورات فيما لم تحسم واشنطن بعد تحالفاتها في معركة الرقة، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي قال أمس الخميس إن الولايات المتحدة تبدو مشوشة في خططها لشن هجوم على الرقة، معلناً أن بلاده ستضرب "وحدات حماية الشعب" الكردية في بلدة منبج السورية إذا لم يغادروها.
ولا تزال عين ترامب على التعاون مع موسكو في سورية، تحت شعار محاربة تنظيم "داعش"، وهو ما فتئ يدافع عن هذا الخيار منذ الحملة الانتخابية التي تتوالى المطالبات بالتحقيق بعلاقة موسكو بها وبترامب. لكن البنتاغون يطرح في المقابل تسليح الأكراد، كما أن رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد، أوصى منذ أشهر بالابتعاد عن التعامل مع موسكو في سورية. تسويغه أن الكرملين يخرج كطرف رابح ميدانياً واستخباراتياً، إذا جرى التعاون معه. ثم إن روسيا لم تأت إلى سورية من الأساس لمحاربة "داعش"، بل لتعزيز مكاسبها الجيوسياسية هناك. والخطة التي رفعها البنتاغون قبل أيام إلى ترامب تؤكد على هذا المضمون من خلال التشديد على وجوب التعويل على البديل الميداني الكردي، مع زيادة حجم القوات الخاصة ودفعها إلى مواقع أمامية في معركة الرقة، وهي خطة وُضعت بنودها الرئيسية في أيام أوباما.
وإذ يتبنى الكونغرس بالإجماع تقريباً موقف البنتاغون هذا، إلا أن البيت الأبيض لم يقرر بعد بشأن الخطة، على الرغم من استعجاله عليها وإصراره على البنتاغون لإعدادها في مهلة شهر واحد. ولا تفسير للتمهل في الموافقة غير العامل الروسي وعدم حسم أمر تعامل إدارة ترامب معه في سورية.



وفي هذا الصدد ثمة كلام عن دور يقوم به نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لوضع فاصل بين الإدارة الأميركية وبين موسكو، خصوصاً في ظل الأجواء الأميركية وبالذات في الكونغرس، الناقمة على موسكو وتدخّلاتها وقرصنتها الإلكترونية. ووفق معلومات متداولة، فإن بنس أقنع ترامب باتخاذ موقف ناقد بقوة لموسكو وموقفها في مجلس الأمن أخيراً من قرار يتعلق بموضوع استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي. ويأتي ذلك ليس فقط من باب ثقة الرئيس الأميركي بنائبه وتأثره ولو المحدود بتوجيهاته، ولكن أيضاً من باب تنامي دور بنس في حقل السياسة الخارجية، حسب الاعتقاد المتزايد في أوساط المتابعين لهذا الشأن في واشنطن. يعزز ذلك استمرار الانكماش في دور وزير الخارجية ريكس تيلرسون وحضوره، بل في دور وزارته. ومن المؤشرات في هذا الخصوص، أن التعيينات التي صدرت لملء مناصب نواب ومعاوني وزراء، لم تشمل وزارة الخارجية التي ما زالت معظم مراكز الفئة الثانية والثالثة فيها شاغرة. يصبّ في هذا التهميش ما يتردد في كواليس الوزارة بأن المؤتمر الصحافي الذي اعتادت الخارجية على عقده خمسة أيام في الأسبوع، سوف يجري تقليصه إلى أربعة أيام، اثنان منها فقط بحضور الكاميرات واثنان من خلال الهاتف على نحو غير مألوف.
وجاءت حالة التوتر المتفاقم في منبج ودخول الروس على خط الوساطة مع الأتراك بشأنها، لتوفر على الأرجح، مدخلاً للإدارة الأميركية كي تجدّد تسويغها للتعاون مع موسكو إذا نجحت هذه الأخيرة في تفكيك أزمة منبج واستطراداً في تجميد الفيتو التركي على مشاركة الأكراد في معركة الرقة. فالتوترات وأجواء الاحتكاكات المحتملة في بلدة منبج بين القوى المتحالفة-المتصارعة، باتت تشكل عقبة رئيسية في الطريق إلى الرقة. ويعزو مراقبون لقاء رؤساء الأركان الثلاثة، الأميركي جوزيف دانفورد والروسي فاليري غيراسيموف والتركي خلوصي أكار في تركيا، إلى هذه الأزمة التي تعكس خطورة الوضع وتزايد احتمالات الصدام بين القوى العديدة المزدحمة في المنطقة ومنها القوات الأميركية التي دخلت إلى منبج. وهو دخول استباقي "رادع" في وجه القوات التركية وحلفائها التي تفيد المعلومات بأنها تتجه نحو البلدة. وليس خافياً في واشنطن أن التوتر المتراكم والمتزايد بين واشنطن وأنقرة، قد بلغ درجة تنذر بالمزيد من التشقق في العلاقات بين الحليفين. كل هذه المعطيات تجعل المشهد في واشنطن يبدو كالتالي: معركة الرقة تبدو وشيكة، ووعد ترامب "بسحق داعش" يزيد من استعجالها. وفي هذه المواجهة فإن الأكراد ورقة هامة في حسابات واشنطن، لكن استخدامها يمر في أنقرة. والوصول إلى أنقرة صار إلى حدّ بعيد يمر بموسكو، فيما حركة ترامب مقيّدة في سلوك هذا الممر.