المعتقلون الأجانب في إيران: ملف حارق خاضع للصفقات

06 ابريل 2020
نازنين زاغري أشهر المعتقلين حالياً (تولغا أكمان/فرانس برس)
+ الخط -
يشكّل ملف المعتقلين بين إيران والغرب، وبالذات مع الولايات المتحدة الأميركية، إحدى القضايا العالقة بين الطرفين، ويحتل مساحة مهمة في الصراع الإيراني الغربي منذ أربعين عاماً، إذ تعود بدايته إلى العام 1979، بعد احتلال الثوار الإيرانيين مقر السفارة الأميركية في طهران، واعتقال 52 دبلوماسياً أميركياً، الذي استمر 444 يوماً. وأدى هذا الحدث إلى توتر غير مسبوق وانقطاع العلاقات بين طهران وواشنطن، يستمر حتى اليوم. طيلة العقود الأربعة الماضية، ظل ملف المعتقلين حاضراً على أجندة الصراع، على الرغم من اختفائه لفترات بسبب عدم وجود معتقلين، وعودته في فترات أخرى بعد اعتقالات جديدة، إلا أن الأعوام الأخيرة، وخصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في الثامن من مايو/ أيار 2018، شهدت تصاعداً لافتاً في الاعتقالات، سواء لمواطنين إيرانيين في الغرب بتهمة الالتفاف على العقوبات الأميركية، أو لمواطنين غربيين في إيران بتهمة التجسس والإضرار بالأمن القومي الإيراني. وفي موازاة هذا التصعيد، شهد ملف المعتقلين انفراجات عبر صفقات ومساومات مهمة بين إيران ودول غربية، بينها الولايات المتحدة، كان أهمها بعد التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015.

وخلال الأيام الأخيرة، أعاد عاملان هذا الملف إلى الواجهة مرة أخرى، الأول هو تفشي فيروس كورونا في إيران، ومخاوف من إصابة السجناء بالعدوى، بمن فيهم الأجانب، بعدما راجت أنباء عن أن الفيروس انتقل إلى السجون الإيرانية، إذ كشف مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمان، في 10 مارس/ آذار الماضي، أنه تقدّم بطلب لسلطاتها للإفراج "المؤقت" عن جميع السجناء، مشيراً إلى أن "عدداً من السجناء مزدوجي الجنسية والأجانب في خطر كبير"، مضيفاً أن لدى هؤلاء السجناء "مخاوف محقة من هذه الظروف إن لم يكونوا قد يصيبوا بكورونا أصلاً". كما أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو طلب من إيران، في وقت سابق من مارس/ آذار الماضي، الإفراج عن "السجناء الأميركيين والأجانب" لـ"أسباب إنسانية" بسبب أزمة كورونا، محمّلاً طهران "المسؤولية المباشرة عن وفاة أي سجين أميركي"، مهدداً بأنه في حال حدث ذلك فإن "ردنا سيكون حازماً".
والعامل الثاني هو ما أثير أخيراً بشأن مصير روبرت ليفنسون، الضابط المتقاعد في مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي)، إذ رجحت عائلته وفاته في الاحتجاز بإيران، في 25 مارس الماضي، بينما جددت طهران نفيها لوجود هذا المواطن الأميركي في سجونها.

أعداد السجناء الأجانب
تقول طهران إن 2.5 في المائة من السجناء في سجونها هم أجانب، بحسب تصريح لرئيس مصحلة السجون الإيرانية، أصغر جهانغيري، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، في لقاء مع وزير العدل الأفغاني عبد البصير أنور. تشير آخر الأرقام الرسمية حول عدد السجناء في إيران إلى أن 186 ألف شخص يقبعون في سجونها مع نهاية العام الفارسي 1398، الذي انتهى في العشرين من مارس الماضي، أي من بينهم نحو 5 آلاف سجين أجنبي، وفقاً للنسبة المئوية التي أشار إليها رئيس مصحلة السجون الإيرانية حول عدد السجناء الأجانب، ويشكّل الأفغان 92 في المائة منهم، حسب البيانات الرسمية، أي نحو 4600 شخص.

ويشكّل الرجال 97 في المائة من السجناء الأجانب والنساء 3 في المائة، موزعون في سجون 27 محافظة إيرانية من أصل 31، معظمهم في محافظة طهران بنسبة 23 في المائة، تليها محافظة خراسان الرضوية بنسبة 11 في المائة، ومحافظة إصفهان بـ10 في المائة. وتشير التقارير الإعلامية الإيرانية إلى وجود سجناء آخرين من دول جارة في إيران، لكن العدد غير معروف. وأجرت إيران والعراق خلال السنوات الماضية عمليات تبادل للسجناء عدة مرات.
ورصدت "العربي الجديد" أن التهم التي حوكم بسببها هؤلاء السجناء الأجانب بمعظمها ترتبط بتهريب المخدرات والسرقة وارتكاب جرائم عادية ضد إيرانيين، إلا أن عدداً منهم يُصنفون على أنهم سجناء "أمنيون"، بحسب التعبير الإيراني، لكونهم يواجهون تهماً بالتجسس والإخلال بالأمن القومي الإيراني.

وبحسب التفسير الإيراني لمصطلح "المعتقلين الأجانب"، الذي لا يشمل ذوي الجنسية المزدوجة، أي الإيرانيين الذين لديهم جنسيات أخرى، فإن عدد الأجانب الذين يواجهون تهماً أمنية، وهم لا يزالون في السجون الإيرانية، بحسب السلطة القضائية الإيرانية، اثنان فقط، واحد أميركي والآخر أسترالي.

1ـ المواطن الأميركي مايكل وايت: اعتقلته السلطات الإيرانية في يوليو/تموز 2018 في مدينة مشهد، شرقي إيران، بعدما زارها للقاء صديقته، بحسب تصريحات لوالدته. وايت، عسكري سابق في سلاح البحرية الأميركية، أعلنت طهران أنها أبلغت الإدارة الأميركية باعتقاله في الأيام الأولى لذلك عبر السفارة السويسرية التي ترعى المصالح الأميركية في إيران. صدر بحق وايت حكم بالحبس لعشرة أعوام، بتهمة "إهانة قائد الثورة الإسلامية" في إيران و"نشر صور خاصة له" على شبكات التواصل، بحسب وسائل إعلام إيرانية. إلا أن القضاء الإيراني، الذي أعلن إصدار هذا الحكم يوم 11 مارس 2019، أشار إلى أن هذا المواطن الأميركي يواجه اتهامات أمنية من النيابة العامة، وشكاوى من جهات خاصة، وأن الحكم عليه صدر على أساس تلك التهم والشكاوى، من دون توضيح طبيعتها.

وثمة توقعات بأن ملف وايت في طريقه للحل، بعدما منحت السلطة القضائية الإيرانية، خلال الشهر الماضي، إجازة طبية في إطار إجازات أخرى لنحو 100 ألف سجين إيراني، خشية انتقال كورونا إلى السجون. ويقضي المواطن الأميركي هذه الإجازة حالياً في السفارة السويسرية في طهران. وفي تعليق لها على منح الإجازة لابنها، شكرت عائلة وايت الحكومة الإيرانية على الإفراج عنه مؤقتاً، معلنة أنها ستتابع الإفراج عنه نهائياً ومن دون شرط وإعادته إلى أميركا.

2ـ المواطنة الأسترالية كايلي مور غيلبرت: غيلبرت تحمل الجنسية البريطانية أيضاً فضلاً عن جنسيتها الأسترالية، اعتقلتها السلطات الإيرانية في سبتمبر/ أيلول 2018 في مطار "الإمام الخميني"، جنوب طهران، أثناء عودتها إلى أستراليا، وهي تقبع حالياً في سجن "إيفين" الشهير في شمالي العاصمة الإيرانية، حيث يوجد فيه معظم السجناء السياسيين الإيرانيين. وصدر بحقها حكم قضائي بالسجن لعشرة أعوام بتهمة التجسس على إيران. غيلبرت، أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة ملبورن، تشير تقارير إعلامية إلى أنها زارت إيران بدعوة من جامعة الزهراء وجامعة الأديان والمذاهب في مدينة قم للمشاركة في المؤتمر الدولي السابع حول "الدراسات الشيعية".
وفي رسالة وجهتها لرئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، في يوليو/ تموز 2019، كشفت أن اعتقالها جاء بعد إخطار أحد زملائها في العمل الحرس الثوري الإيراني بالاشتباه بها، من دون الكشف عن اسمه، داعية موريسون إلى السعي لإخراجها من السجن، مشتكية من الظروف التي تعيشها، وفقا لتقرير لوكالة "أسوشييتد برس".

مصير ليفنسون المجهول

فضلاً عن المواطنَين الغربيين اللذين سبق ذكرهما آنفاً، ما زال مصير الأميركي روبرت ليفنسون مجهولاً، وسط ترجيحات عائلته بوفاته داخل السجن في إيران، مع نفي الأخيرة احتجازه لديها. وليفنسون ضابط متقاعد في مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي)، زار جزيرة كيش الإيرانية، المطلة على الخليج، عام 2007. وقيل وقتها إن الزيارة كانت بهدف إجراء تحقيقات حول "تهريب السجائر" لشركة خاصة. إلا أن وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول 2013، أنها بعد تحقيقات أجرتها توصلت إلى أن ليفنسون كان يعمل لجمع معلومات لصالح الاستخبارات الأميركية، إلا أنها أشارت إلى أنه كان في مهمة من دون موافقة رسمية من الوكالة.
وبعد اتهامات لها باحتجاز ليفنسون، ظلت إيران خلال السنوات الماضية تنفي علمها بمصيره، مشيرة إلى أنه غادر أراضيها. ومطلع عام 2016، أعلنت الإدارة الأميركية السابقة أنها باتت على قناعة بأن ليفنسون لم يعد في إيران.

عقدة الجنسية المزدوجة
يشكّل السجناء مزدوجو الجنسية معظم السجناء الأجانب المحكومين بتهم أمنية، لكن السلطات الإيرانية لا تعتبرهم "أجانب"، لأنها لا تعترف بالجنسية الثانية لمواطنيها. وهنا يبرز لغط بشأن إشكالية قانونية تترتب عليها آثار قانونية، في مقدمتها منع هؤلاء من الحصول على الخدمات القنصلية التي تُمنح للمواطنين الأجانب المعتقلين لدى الدول الأخرى، بحسب القانون الدولي. فضلاً عن أن تلك القضية اتخذت أبعاداً سياسية، إذ تُتهم الدول الغربية التي يحمل هؤلاء السجناء مزدوجو الجنسية جنسياتها بالتدخل في شؤونها. إلا أن هذه الدول تتعامل مع ملف هؤلاء السجناء باعتبارهم مواطنين لها يحملون جنسياتها، مطالبة طهران بالإفراج عنهم.

تنظر إيران بريبة تجاه مواطنيها ذوي الجنسية المزدوجة، وتمنعهم القوانين الإيرانية من تولي المناصب، وانطلاقاً من ذلك تعتبر هذه الشريحة مشاريع أو فرصاً للدول الغربية للتجسس عليها. واتهم السفير الإيراني في بريطانيا حميد بعيدي نجاد، في 17 سبتمبر/ أيلول 2018، هذه الدول بـ"ممارسة الضغوط" على الإيرانيين مزدوجي الجنسية للتجسس لصالحها. إلا أن هذه الدول من جهتها، تتهم طهران باستخدام هؤلاء كـ"أدوات لممارسة الضغط الدبلوماسي" عليها، بحسب تصريح لوزير الخارجية البريطاني السابق جيريمي هانت، خلال الشهر نفسه.

تكشف هذه الاتهامات المتبادلة عن أهمية ملف المعتقلين مزدوجي الجنسية، وموقعه في التوترات القائمة بين إيران والغرب، إذ إنه يشكّل أحد أهم عناوينها الرئيسية، وساهم في المزيد من توتير العلاقات الثنائية، خلال العقود الماضية، خصوصاً العقدين الأخيرين. وتجاوز ذلك في بعض الحالات إلى ضرب هذه العلاقات مع دول مثل كندا، التي تحسنت علاقاتها مع إيران في عهد الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي مع بداية الألفية الثالثة، إلا أن مقتل الصحافية الإيرانية الكندية زهراء كاظمي، في سجن "إيفين"، يوم 11 يوليو/ تموز 2003، أطاح بجهود تحسين هذه العلاقات، وتسبّب بأزمة بين البلدين، استمرت إلى أن قررت أوتاوا في نهاية المطاف، في 7 سبتمبر/ أيلول 2012، إغلاق سفارتها في طهران.

وعلى خلفية تصاعد اعتقال مزدوجي الجنسية في إيران خلال السنوات الأخيرة، أطلقت دول غربية تحذيرات لمواطنيها من أصول إيرانية، لتجنّب السفر إلى إيران إلا للضرورة. وناشدت وزارة الخارجية البريطانية، عبر موقعها في آخر تحديث لشروط السفر إلى إيران بتاريخ 12 إبريل/ نيسان 2019، البريطانيين من أصول إيرانية الامتناع عن زيارة هذا البلد إلا "لحالات ضرورية".

واللافت أن ملف المعتقلين ذوي الجنسية المزدوجة لم يكن بعيداً عن الاستقطابات الداخلية في إيران، فبعدما شهدت السنوات التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي، في 14 يوليو/ تموز 2015، تصاعداً في عمليات اعتقال الإيرانيين مزدوجي الجنسية، قام بها جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني، واعتبر مراقبون أن الهدف من هذه الخطوة هو ضرب محاولات التقارب مع الغرب، التي اتّبعتها حكومة الرئيس حسن روحاني كاستراتيجية لسياستها الخارجية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2013 لتحسين العلاقات مع الغرب وبالذات الولايات المتحدة، توّجت بالاتفاق النووي.

واعتبر المحافظون المتشددون في إيران أن هذا الاتفاق يشكل مدخلاً لعودة الدفء إلى العلاقات مع الغرب عموماً، وواشنطن خصوصاً، ليعزو البعض سبب تصعيد الاعتقالات بين مزدوجي الجنسية إلى السعي لتعكير الأجواء الجديدة التي سادت هذه العلاقات من جهة، ومخاوف من أن الغرب قد يستغل الفضاء الجديد لتشديد عمليات التجسس ضد البلاد، من جهة ثانية.

ولا توجد أرقام رسمية دقيقة حول السجناء مزدوجي الجنسية، لكن وكالة "رويترز" قدّرت في تقرير لها، نشرته في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أن أعدادهم أكثر من 30 شخصاً، إلا أنها تقلصت بعد صفقات تبادل سجناء خلال السنوات الأخيرة وإفراج طهران عن آخرين.
ووثّقت "العربي الجديد"، وفقاً للمعطيات المتوفرة راهناً، وجود 9 معتقلين مزدوجي الجنسية في السجون الإيرانية. معظم هؤلاء المعتقلين يحملون الجنسيتين الأميركية والبريطانية. كما أن الجنسيات الأخرى التي يحملها الآخرون هي نمساوية وفرنسية وسويدية وأسترالية.

ويواجه جميع هؤلاء المعتقلين تهمة الإضرار بالأمن القومي الإيراني من خلال التجسس لصالح "دول متخاصمة". غير أن وزارة الخارجية الإيرانية اعتبرت في رسالة جوابية على استفسار للإدارة العامة للشؤون الدولية للسلطة القضائية، في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2013 بشأن تعريف مصطلح "الدولة المتخاصمة"، أنه "غير الكيان الصهيوني الغاصب الذي لا يحمل صفة الدولة ولا تعترف بأنها دولة، ليست أي دولة في حالة تخاصم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، بحسب رسالة الخارجية.
ويحاكَم المعتقلون ذوو الجنسية المزدوجة على أساس المادة 508 من قانون "العقوبات الإسلامية" الإيراني، التي تنص على أن "أي شخص أو مجموعة تتعاون بأي شكل من الأشكال مع الدول الأجنبية المتخاصمة سيُحكم عليه بالسجن من سنة إلى عشر سنوات إذا لم تثبت تهمة الحربة بحقهم"، وفي حال ثبوت هذه التهمة، قد يتعرض المدان للإعدام.


المعتقلون المزدوجو الجنسية:
1ـ الجنسية الأميركية، ويحملها ثلاثة، هم: سيامك نمازي ووالده محمد باقر نمازي. سيامك، مدير التخطيط الاستراتيجي لشركة "كرسنت" النفطية، اعتقلته السلطات الإيرانية في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بتهمة "التعاون مع الحكومة الأميركية والتجسس لصالحها". كما اعتقلت والده بعد ثلاثة أشهر بالتهمة نفسها، عندما زار إيران لمتابعة ملف ابنه سيامك. وحكمت السلطة القضائية الإيرانية على الاثنين بالسجن لمدة عشر سنوات. علماً أن باقر نمازي البالغ من العمر 83 عاماً من الموظفين السابقين في منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وشغل مناصب حكومية، مثل محافظ خوزستان، إبان العهد البهلوي الملكي في إيران، قبل قيام الثورة الإسلامية عام 1979. وبسبب وضعه الصحي الحرج، منحته السلطات الإيرانية منذ أكثر من عام، إجازة طبية خارج السجن، لكنه ممنوع من الخروج من البلاد.

يضاف إلى هذين، التاجر الإيراني اليهودي مراد طاهباز، هو الآخر يحمل الجنسية الأميركية، بالإضافة إلى الجنسية البريطانية، اعتقله جهاز استخبارات الحرس الثوري في ینایر/ كانون الثاني 2018، ضمن مجموعة عُرفت بـ"نشطاء البيئة"، واجهوا تهمة التجسس وجمع معلومات سرية عن مناطق استراتيجية تحت ستار مشاريع الحفاظ على البيئة. إلا أن الملف تحول إلى أحد أهم الملفات القضائية والذي أثار الرأي العام خلال السنوات الأخيرة، وبات محل خلاف بين المؤسسات الأمنية الإيرانية، بعد نفي وزارة الأمن تهمة التجسس عنهم. وأعلنت السلطة القضائية الإيرانية في 18 فبراير/ شباط 2020 إصدار أحكام بالسجن بحق هؤلاء، منهم مراد طاهباز، الذي حكم عليه بالسجن لثمانية أعوام بتهمة "التعاون" مع الولايات المتحدة.

2ـ الجنسية البريطانية، ويحملها ثلاثة معتقلين من أصول إيرانية، هم: نازنين زاغري، هي أشهر هؤلاء المعتقلين، نالت قضيتها اهتماماً أكبر من الحكومة البريطانية، التي منحتها الحماية الدبلوماسية، في مارس/ آذار 2019، للضغط على طهران للإفراج عنها، إلا أن الأخيرة رفضت الخطوة، معتبرة أنها "غير بنّاءة". زاغري صحافية كانت تعمل لمؤسسة "تومسون رويترز" البريطانية، قبل اعتقالها في إيران في إبريل/ نيسان 2016، بتهمة "بث دعايات مغرضة عن النظام والتعاون مع مؤسسات إعلامية للقيام بمشاريع تثير الشكوك"، من قبل استخبارات الحرس الثوري في مطار "الإمام الخميني" بالعاصمة، حيث كانت تقصد العودة إلى لندن. وحكمت عليها السلطة القضائية بالسجن لاحقاً لخمس سنوات بتهمة التجسس على إيران.

وأخفقت الحكومة البريطانية حتى الآن في جهودها للإفراج عن زاغري، المتزوجة من مواطن بريطاني. وكشف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في سبتمبر/ أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفقاً لما أوردته صحيفة "غارديان" البريطانية، أنه كان مستعداً لبذل جهود للإفراج عن زاغري مقابل تسديد لندن دينها لطهران، البالغ 400 مليون جنيه إسترليني، دفعها النظام الإيراني السابق لبريطانيا في سبعينيات القرن الماضي، في إطار صفقة لشراء دبابات بريطانية، لكن الصفقة ألغيت بعد قيام الثورة في إيران عام 1979. وأشار ظريف إلى أن وزير الخارجية البريطاني الأسبق فيليب هاموند، هو الذي اقترح عليه الإفراج عن زاغري مقابل تسديد هذا الدين، إلا أن الوزير الإيراني أكد في الوقت ذاته، أنه بعد مغادرة هاموند الوزارة، عارض وزير الخارجية البريطاني الأسبق جيريمي هانت هذه الصفقة. إلا أن منح إيران الإجازة خارج السجن لزاغري خلال أيام تفشي كورونا مع ارتدائها "السوار الإلكتروني"، يمثل خطوة إيجابية توحي بأن ملفها قد يشهد انفراجاً خلال المرحلة المقبلة، خصوصا أن فترة الإجازة لها قد مددت حتى منتصف إبريل/نيسان الحالي.

أنوشه آشوري هي معتقلة أخرى تحمل الجنسية البريطانية، اعتقلتها السلطات الإيرانية في أغسطس/ آب 2017، وحكمت عليها بالسجن لعشرة أعوام بتهمة التجسس لصالح "الموساد" الإسرائيلي. وحُكم عليها بالسجن عامين إضافيين كذلك لإدانتها بتلقي أموال غير مشروعة من إسرائيل، قيمتها 33 ألف يورو، وفقاً للمتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، غلامحسين إسماعيلي، في 27 أغسطس 2019.

أرس أميري، كانت موظفة في المجلس الثقافي البريطاني وطالبة في مرحلة الماجيستر في جامعة كينغستون البريطانية. اعتقلتها وزارة الأمن الإيرانية في 14 مارس/ آذار 2018 بعد عودتها إلى إيران لزيارة جدتها، إلا أنها أفرجت عنها بعد شهرين بكفالة مالية، لكنها عاودت اعتقالها في أغسطس/ آب 2018. عزت وسائل إعلام تابعة للمعارضة الإيرانية في الخارج اعتقالها إلى رفضها التعاون مع الوزارة. وتقضي أميري عقوبة السجن لمدة عشرة أعوام بتهمة العمل ضد أمن الدولة.

3ـ الجنسية الفرنسية: فريبا عادلخواه (60 عاماً)، هي باحثة فرنسية من أصول إيرانية، اعتُقلت في إيران في الخامس من يوينو/ حزيران 2019 بتهمة التجسس، وهي تقبع حالياً في سجن "إيفين"، شمالي العاصمة طهران. وترفض إيران الإفراج عن عادلخواه، لكنها أطلقت سراح زوجها رولان مارشال، في إطار صفقة تبادل للسجناء مع فرنسا.

4ـ الجنسية السويدية: أحمد رضا جلالي، مواطن سويدي من أصل إيراني، حاصل على الدكتوراه في الإسعاف الطبي، وهو معتقل منذ الثالث من مايو/ أيار 2016، يواجه حكماً بالإعدام بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، إلا أن الخارجية السويدية أعلنت، في فبراير/ شباط 2018، أن جلالي يُعتبر مواطناً لها، "لا ينبغي إعدامه". واتهمه المدعي العام السابق لطهران بـ"نقل المعلومات المرتبطة بالمشاريع السرية للغاية في المجالات البحثية والعسكرية والدفاعية والنووية لإسرائيل لقاء الحصول على حق المواطنة السويدية لنفسه ولعائلته".

5ـ الجنسية النمساوية: رجل الأعمل مسعود مصاحب (72 عاماً)، مواطن نمساوي من أصل إيراني، اعتقلته السلطات الأمنية الإيرانية في يناير/ كانون الثاني 2019 وصدر عليه حكم بالسجن لعشرة أعوام بتهمة التعاون مع الولايات المتحدة ضد إيران. مصاحب يترأس جمعية النمساويين الإيرانيين. وأعلنت الخارجية النمساوية، مطلع أغسطس/ آب 2019، أنها على علم باعتقال مصاحب، داعية السلطات الإيرانية إلى الإفراج عنه.

أبرز الصفقات

شهد ملف المعتقلين لدى إيران ودول غربية، خصوصاً الولايات المتحدة، انفراجات خلال السنوات الأربع الأخيرة، عبر إتمام صفقات لتبادل السجناء بين الطرفين، لكنها لم تساهم لا في التوصل إلى حل جذري لهذا الملف، ولا في إحداث انفراجة سياسية في العلاقات المتأزمة، أقله ما ظهر حتى الآن. كما أن ما تم من هذه الصفقات خلال عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، لم تتجاوز أبعاده تبادل السجناء، إذ إن المفاوضات غير المباشرة التي أجريت عبر الوسطاء وأفضت إلى تبادل للسجناء بين واشنطن وطهران، لم تؤسس لمفاوضات سياسية بينهما.

إلا أن هذه الصفقات بحد ذاتها توحي بأن الاعتقالات، بغض النظر عن أسبابها المعلنة، ربما وراءها دافع ممارسة كل طرف الضغط على الآخر في سياق السعي للإفراج عن مواطنيه.
لكن في ما يتعلق بإيران وحدها، وبالإضافة إلى ذلك، فإن حصولها على تنازلات مالية من الطرف الأميركي، وما يُطرح بشأن الاستعداد للإفراج عن المواطنة البريطانية الإيرانية ضمن صفقة تسدد فيها لندن ديناً بملغ 400 مليون جنيه إسترليني، يعزز فرضية يطرحها مراقبون بأن طهران تسعى من خلال ملف المعتقلين للتأثير على المواقف الغربية في حلحلة قضايا مالية ظلت عالقة منذ أربعين عاماً، مثل هذه القضايا المالية، سواء كانت ديوناً تعود لصفقات أبرمت بين طهران وعواصم غربية، أو أموالها المجمدة في الخارج.

وبحسب رصد "العربي الجديد"، تضمّنت صفقات الإفراج عن المواطنين الأميركيين بنوداً لتحرير نحو 10 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة في الولايات المتحدة بعد الثورة، خلال عدة عمليات للإفراج عن الأميركيين، 8 مليارات منها مقابل الإفراج عن الرهائن الدبلوماسيين عام 1981، لكن تشير تقارير إعلامية إيرانية، إلى أن واشنطن نكثت بالاتفاق بعد إطلاق سراح دبلوماسييها، ولم تدفع من المبلغ إلا مليارين. كما دفعت واشنطن ملياراً و700 مليون دولار خلال أكبر صفقة تبادل للسجناء عام 2016، أرسلتها عبر طائرة سويسرية إلى طهران، بالإضافة إلى مبالغ أخرى حصلت عليها في صفقات تبادل أخرى.

غير أنه بالنظر إلى طبيعة الصراع الإيراني الغربي وأبعاده المتعددة والمعقدة، منها حرب أمنية تجري بين الطرفين منذ أربعين عاماً، يمثّل الجواسيس والعملاء أحد أهم أدواتها، لا يبدو منطقياً إنكار لجوء الغرب إلى استخدام جواسيس داخل إيران للتجسس عليها، واختصار أسباب اعتقالها للأجانب فی سعيها للتأثير على مواقف القوى الغربية وانتزاع تنازلات منها، أكانت مالية أو سياسية.

وتالياً، يشار إلى أبرز الصفقات التي أبرمت بين طهران وعواصم غربية خلال السنوات الأخيرة:
1ـ صفقة عام 2016: هذه الصفقة تمت يوم 16 يناير/ كانون الثاني 2016 بين طهران وواشنطن في عهد إدارة باراك أوباما، وهي أكبر صفقة تبادل بين البلدين. بموجب هذه الصفقة، أفرجت إيران عن 5 مواطنين أميركيين كانوا معتقلين بتهمة التجسس، أربعة منهم من أصول إيرانية يحملون الجنسية الأميركية أيضاً. هؤلاء الخمسة هم: مدير مكتب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في طهران، جيسون رضائيان، الذي كان أبرز المفرج عنهم وقضى 18 شهراً في السجن، والقس الإيراني الأميركي سعيد عابديني، والعسكري السابق في الجيش الأميركي أمير حكمتي، والتاجر الإيراني الأميركي نصرت الله خسروي رودسري، والطالب الأميركي مات تريفيثيك.

في المقابل، أفرجت الولايات المتحدة عن 7 مواطنين إيرانيين، كانت قد اعتقلتهم بتهمة الالتفاف على العقوبات. هؤلاء الإيرانيون هم نادر مدانلو، وبهرام مكانيك، وخسرو أفقهي، وأرس قرماني، وتورج فريدي، ونيما غلستانه، وعلي صابونجي. إلا أن ما حصلت عليه طهران تجاوز الإفراج عن هؤلاء السبعة إلى استلام مبلغ مليار و700 مليون دولار نقداً، كان جزءاً من المدفوعات الإيرانية وأرباحها إبان الحكم الملكي لقاء صفقات شراء أسلحة أميركية ألغيت بعد الثورة.

تنفيذ هذه الصفقة بالتزامن مع بدء تطبيق الاتفاق النووي خلال يناير/ كانون الثاني عام 2016 بعد أشهر من إبرامه في يوليو/ تموز 2015، يطرح فرضية أن الصفقة ربما كانت جزءاً من التفاهمات الأميركية الإيرانية الشفهية، رافقت الصفقة النووية. وخلال حملته الانتخابية، عام 2016، وجّه ترامب انتقادات حادة لصفقة التبادل هذه بين إدارة أوباما والحكومة الإيرانية، معتبراً أن دفع مبالغ مالية كبيرة لإيران كان بمثابة الرضوخ لـ"ابتزازها"، واصفاً خطوة سلفه بأنها "مخجلة".

2ـ صفقة أكتوبر 2019: يوم الخامس من أکتوبر/ تشرين الأول عام 2019، شهد تنفيذ اتفاق تبادل أسرى بين إيران وأستراليا، شمل إطلاق سراح المواطن الإيراني رضا دهباشي، مقابل الإفراج عن الزوجين المدونين، جولي كينغ ومارك فيركين، بعد اعتقالهما بتهمة تصوير مقرات عسكرية، استمر لثلاثة أشهر. كما أن دهباشي كان باحثاً في جامعة كوينزلاند، قضى 13 شهراً في السجن بأستراليا، اعتقل بطلب من الولايات المتحدة بتهمة شراء معدات دفاعية محظورة لإيران. وكان هذا المواطن الإيراني يواجه خطر الترحيل إلى أميركا.

3ـ صفقة ديسمبر 2019: تمت الصفقة يوم السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2019 بين طهران وواشنطن برعاية سويسرية، وهي كانت أول صفقة تبادل سجناء بين الطرفين في عهد ترامب، الأمر الذي فتح باب التوقعات بأنها قد تؤدي إلى إطلاق مفاوضات بين الطرفين، عززتها تصريحات الرئيس الأميركي حول أن الصفقة "تشير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران". لكن ما حدث بعد ذلك أثبت عكس هذه التوقعات، وأن مدلولات الصفقة لم تتجاوز تبادل السجينين، وذلك لإصرار طهران على شروطها لأي تفاوض، في مقدمتها رفع العقوبات كلها.
بموجب هذه الصفقة، أطلقت واشنطن سراح الأكاديمى الإيراني مسعود سليمانى مقابل إفراج طهران عن الباحث الأميركي شيوى وانغ. وسليماني عالم بارز في علوم الدم والخلايا الجذعية كان معتقلاً في الولايات المتحدة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بتهمة الالتفاف على العقوبات الأميركية. ووانغ باحث من أصل صيني، اعتقلته طهران عام 2017 في طهران بتهمة التجسس، وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات.

4ـ صفقة مارس/ آذار 2020: هذه الصفقة هي الأحدث بين إيران والغرب، بموجبها تبادلت طهران وباريس إطلاق سراح مواطنين، فأفرجت الثانية عن المهندس الإيراني جلال روح الله نجاد، الذي كان معتقلاً لديها بطلب من واشنطن بتهمة الالتفاف على العقوبات، مقابل إفراج إيران عن الباحث الفرنسي رولان مارشال الذي كان معتقلا فيها منذ يونيو/ حزيران 2019 بتهمة التجسس. وواشنطن التي كانت تطالب بتسليم روح الله نجاد، وجهت انتقادات شديدة لباريس بسبب عقد هذه الصفقة.

صفقات مستقبلية

مع استمرار وجود معتقلين أجانب في إيران، وإيرانيين معتقلين في سجون غربية، تحديداً في الولايات المتحدة، يبقى احتمال التوصل إلى صفقات تبادل سجناء قائماً بين الطرفين في المستقبل. وثمة مؤشرات توحي بأنها قد تكون قريبة، لكن يُستبعد أن تؤدي هذه الصفقات إذا تمت، إلى انفراجة في العلاقات الإيرانية الأميركية المتأزمة عبر تأسيسها لمفاوضات بينهما، كما أخفقت سابقاتها في ذلك.
ومن هذه المؤشرات، منح إيران إجازات خارج السجن للسجين الأميركي مايكل وايت والمواطنة الإيرانية البريطانية نازنين زاغري، خلال مارس الماضي، بسبب تفشي كورونا، الأمر الذي يشير إلى احتمال قرب التوصل إلى صفقة تبادل سجناء مع هذه الأطراف، لم تتضح ملامحها بعد.

تضاف إلى ذلك التصريحات الأميركية، منها ما صدر عن وزير الخارجية مايك بومبيو، في 18 مارس الماضي، إذ قال إن إيران تدرس الإفراج عن الأميركيين السجناء لديها، مضيفاً "نحن على علم بأن إيران تفكر بهذا الموضوع، ما إذا كانت ستفرج عن الأميركيين أم لا". وتعزز هذه التصريحات وأخرى للإيرانيين بشأن استعدادهم للتوصل إلى صفقة تبادل أخرى للسجناء مع الولايات المتحدة، احتمال وجود مفاوضات سرية بين طهران وواشنطن برعاية سويسرية، لعقد صفقة ثانية بين الطرفين في عهد إدارة ترامب.