وعلى الرغم من إيجاد تسوية لهذا الملف في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت في السراي الحكومي أمس الثلاثاء، إلا أن تهديد برّي بتعليق مشاركة وزرائه، شكّل رسالة قاسية إلى رئيس الحكومة حسّان دياب، وعكس حجم التباعد بين الرجلين. كما أنه في الوقت نفسه، أظهر أن حليف رئيس مجلس النواب الأبرز، "حزب الله"، والذي توصف حكومة دياب بأنها تابعة له، غير مستعد لمجاراة برّي في إسقاط الحكومة، وهو ما تُرجم بتصريح وزير الصناعة عماد حب الله (وهو من حصة "حزب الله" في الحكومة) الذي أعلن يوم السبت الماضي أنه غير معني بكلام برّي، ولن يخرج من الحكومة إلا عندما يرى أن ممارستها غير مناسبة.
وفي السياق، يقول مصدر مقرّب من معسكر 8 آذار، لـ"العربي الجديد"، إنّ ملف اللبنانيين الموجودين في الخارج، استغله برّي على أكثر من صعيد، أوّله للتعويض عن فضيحة العميل اللبناني - الأميركي عامر الفاخوري، الذي اتُهم رئيس مجلس النواب اللبناني بقبوله تمرير صفقة إخراجه من لبنان، لما له إلى جانب "حزب الله" من سلطة على المحكمة العسكرية الصادر عنها قرار كفّ التعقبات بحق العميل. ويحاول برّي تعويض ذلك من خلال الإصرار على عودة اللبنانيين الموجودين في أفريقيا، والذين من بينهم عددٌ من كبار رجال الأعمال المقربين من حركة أمل. ووفقاً للمصدر نفسه، فإن برّي كان يهدف الى إطلاق السهام على حسّان دياب، الذي يعارض هو ووزراؤه رئيس البرلمان في ملفات عدّة.
وبخصوص دخول "حزب الله" على خطّ التهدئة، يشير المصدر إلى أن الحليف الأبرز لبري، يرى أن الوقت ليس مناسباً للخلافات، ولا سيما في ظلّ النيران التي يطلقها المعارضون على الحكومة، أمثال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ويحرّضون الشارع عليها. وبنظر الحزب، فإنه لجميع هذه الأسباب توجد ضرورة للتضامن لا التباعد. وعلى هذا الأساس، حصل التواصل اللازم لإيجاد مخرجٍ لملفّ المغتربين اللبنانيين الذي بدأت حلوله بتأمين التحويلات المالية للطلاب، واستكمل في الساعات الماضية بعد عقد جلسة لمجلس الوزراء في السرايا الحكومية أمس الثلاثاء، بحثت الملف.
لكن في موازاة جهود "حزب الله" لنزع فتيل الخلاف بين برّي ودياب، سجّل خرق التيار الوطني الحر وحركة أمل الهدنة غير المعلنة بين الحلفاء، بعدما هاجمت وزيرة المهجرين غادة شريم، والتي اعترفت في أول يوم على تسلمها منصبها الوزاري بأنّ الرئيس ميشال عون اختارها لعلاقته القديمة بزوجها، على نبيه بري بقولها "لسنا بحاجة لمن يملي علينا ما نفعل، وعودة المغتربين مسؤوليتنا ولا داعي للمزايدات السياسية". وجاء الرد سريعاً من وزير الزراعة المحسوب على برّي، عباس مرتضى، حين غرّد أن ما قام به "دولة الرئيس (بري) هو نتيجة المقاربة المتأخرة في الحكومة، والعودة عن الخطأ فضيلة".
ويعيش اللبنانيون في الخارج، ولا سيما في الدول الأوروبية والأفريقية، هاجس الإصابة بفيروس كورونا، مع ارتفاع أعداد المصابين به، وهم يناشدون دولتهم إعادتهم إلى لبنان، خصوصاً أنهم يعانون أيضاً على الصعيد المالي نظراً للقيود التي تفرضها المصارف على التحويلات المالية. بيد أن وزير الخارجية ناصيف حتّي يربط عودتهم بضرورة تأمين فحص الـ"بي سي آر"، للخطورة الكبيرة التي قد تنجم عن صعود مصاب بـ"كورونا" مع آخرين من غير المصابين إلى الطائرة.
وإلى جانب ملف الفيروس، كان إطلاق سراح العميل لمصلحة إسرائيل، عامر الفاخوري، الأسبوع الماضي، ومغادرته لبنان عبر السفارة الأميركية في بيروت في 19 من شهر مارس/آذار الحالي، قد فتح معركة هي الأعنف بين الحلفاء، ولا سيما منهم التيار الوطني الحرّ الذي يترأسه النائب جبران باسيل صهر الرئيس ميشال عون من جهة، والثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) من جهة ثانية، إلى جانب انخراط بعض الشخصيات الحليفة للحزب في السجال. ودفع ذلك الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله للخروج بكلمة متلفزة، محاولاً امتصاص غضب جمهوره، نافياً أي علم للحزب بوجود صفقة، في الوقت الذي حاول فيه إيجاد المبررات لحكومة دياب، بينما هاجم من اتهم الحزب وشكك في موافقته على إخراج الفاخوري من "الأصدقاء" والحلفاء"، على قاعدة أن "من يتجاوز الاحترام فليخرج من تحالفنا وأخوتنا".
أما الملف الثالث، فهو التعيينات، ولا سيما المالية منها المتعلقة بنواب حاكم مصرف لبنان الأربعة وأعضاء هيئة الرقابة على المصارف التي أضيفت إلى سلسلة معارك الحلفاء. ودخل على خطّ هذه المعركة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية (حليف "حزب الله" وبرّي المحسوب عليه وزيرة العمل لميا يمين دويهي ووزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجّار). وتحدث فرنجية عن استغلال البعض انتشار كورونا، لتهريب التعيينات وتمرير الصفقات، متمنياً تأجيل الاستحقاق الخلافي وغير الضروري حالياً للوصول الى تعيينات شفافة، مؤكداً أنه في ما خصّ مشاركتنا في الحكومة، فسيبنى على الشيء مقتضاه. ويعتبر هذا الموقف موجهاً بشكل غير مباشر إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل المعروف بعلاقته السيئة جداً بفرنجية، خصوصاً أن الرجلين يطمحان للوصول الى قصر بعبدا وخلافة عون.
وفي هذا السياق، يشير المصدر نفسه المقرب من 8 آذار، الى أن ملف التعيينات سيجري تأجيله أيضاً حتى الانتهاء من أزمة كورونا وتهدئة الحرب المندلعة بين الحلفاء، والهجوم المضاد الذي يشنّه تيار المستقبل المهيمن على القطاع المالي – المصرفي، بعدما اقترب من خسارته.
وقال تيار المستقبل الذي يترأسه سعد الحريري في بيان عالي النبرة، يوم الجمعة الماضي، "يريدون تهريب التعيينات تحت جنح الوباء، بدعوى تغيير السياسات المالية والاقتصادية، لكن الحقيقة تقول لكل اللبنانيين إنهم يريدون الهيمنة على القرار المصرفي والمالي، لتخريب ما تبقى من بارقة أمل وثقة بهذا القطاع الحيوي". وأضاف بيان "المستقبل" أن "تاريخنا تاريخ إعمار واستثمار ونمو وأبواب مفتوحة مع كل العالم، وتاريخهم تاريخ تعطيل وتبذير وإنفاق غير مسؤول، وهدر في الكهرباء والوقت والفرص المتاحة. أيامنا كانت أيام ازدهار وانفتاح وبحبوحة، وأيامهم أيام قحط وانهيار وأبواب موصدة مع الأشقاء والأصدقاء. والتاريخ سيحكم".
وتعليقاً على الخلافات داخل الحكومة، رأى المحلل السياسي والخبير القانوني أنطوان صفير، أن صفة الاختصاصيين التي تغنّت بها حكومة حسان دياب تخطّتها الوقائع منذ تأليف الحكومة، وتراجع مفهومها أمام المعايير والجهات السياسية التي تمثلها. وشدد صفير، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنّ تهديد برّي والوزير السابق سليمان فرنجية بتعليق تمثيلهما في الحكومة، أسقط نهائياً صفة التكنوقراط عن مجلس الوزراء، مع بعض الاستثناءات، بعدما تبيّن أن لكل وزير مرجعية سياسية يعود إليها عند اتخاذ أي قرار.
وبشأن مفهوم تعليق التمثيل، أشار صفير إلى أنه يكون إما باعتكاف الوزراء الذين يمثلون برّي في الحكومة، أو تقديم استقالتهم إذا ذهبت الأمور إلى منحى آخر تصاعدي، أو من خلال عدم المشاركة في جلسات مجلس الوزراء والقرارات الأساسية التي يتخذها. واستغرب صفير الحديث عن مشروع "الكابيتال كونترول" قبل البت بقضية تهريب الأموال إلى الخارج في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع بدء الانتفاضة الشعبية، وقبل محاكمة الجهات التي سرقت لبنان منذ عقود وحتى اليوم. وأكد أن الحكومة لن تكون قادرة على القيام بمهام كثيرة موكلة إليها لتنضمّ الى الحكومات السابقة في هذا المجال، مع العلم أنها تعمل بمهنية أكبر مقارنة مع سابقاتها التي شُكّلت ضمن مفهوم الوحدة الوطنية الذي لم يجدِ نفعاً على صعيد الإنتاجية.