المعارضة تخسر مناطق تقدمها بحلب... وكوزنيتسوف تصل الساحل السوري

13 نوفمبر 2016
النظام يستعيد مواقع كان خسرها أخيراً (جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
تراجعت قوات المعارضة السورية في غرب مدينة حلب شمال سورية أمام قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة له، والتي تتحرك تحت غطاء جوي من الطيران الروسي، وهو ما يعيد الأوضاع العسكرية في ثاني أهم المدن السورية إلى ما كانت عليه قبيل انطلاق "ملحمة حلب الكبرى" أواخر الشهر الماضي، والتي بدأتها المعارضة في مسعى جديد لم يكتب له النجاح بهدف كسر الحصار عن شرق حلب. ويأتي هذا التقدم الميداني لقوات النظام في وقت باتت فيه حاملة الطائرات الروسية، أميرال كوزنيتسوف، قبالة الساحل السوري. ويتمثل الهدف من إرسالها إلى المنطقة بتعزيز العملية العسكرية الروسية في سورية. وانطلاقاً من ذلك، تعتقد موسكو أن شروط الانقضاض على فصائل المعارضة في حلب، باتت شبه ناضجة، إذ من المرجح أن تستفيد موسكو من التقدم الذي أحرزه النظام ومليشياته، وأن تبني على ما تحقق من أجل تعميق هذا التقدم والسيطرة على مزيد من المواقع الاستراتيجية. أما الهدف النهائي فيتمثل في حسم الوضع في حلب وتغيير المعادلات فيها، وهي الغاية التي من أجلها تم إرسال حاملة "كوزنيتسوف" إلى الشواطئ السورية مع ما يحكى بين حقيقة وتهويل عن غواصات نووية وحاملات طائرات هي الأحدث والأكثر فتكاً على الإطلاق في الترسانة الحربية الروسي.

واستعادت قوات النظام والمليشيات، التي تساندها أغلب المواقع التي كانت خسرتها أثناء تقدم قوات المعارضة، أواخر الشهر الماضي، إطار "ملحمة حلب الكبرى". وذكر مصدر عسكري تابع لقوات النظام أن الأخيرة استعادت السيطرة على ضاحية الأسد غرب المدينة، صباح أمس السبت، إضافة إلى معمل الكرتون ومنطقة المكاتب. وكانت قوات النظام استعادت، مساء يوم الجمعة، قرية منيان. وبذلك عادت الأوضاع الميدانية إلى ما كانت عليه قبل انطلاق "ملحمة حلب الكبرى". وذكرت مصادر في المعارضة أن منيان والضاحية شهدتا اشتباكات عنيفة، رافقها قصف غير مسبوق بالطائرات الحربية وراجمات الصواريخ والمدفعية، مما فرض على قوات المعارضة التراجع.

وكانت قوات النظام والمليشيات على وشك الانهيار في حلب مع الساعات الأولى لـ"ملحمة حلب الكبرى". لكن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين سرعان ما عملوا على تدارك الأمر من خلال جلب تعزيزات عسكرية كبيرة دعمت خط الدفاع الثاني عن عمق المدينة، إثر تحطيم الخط الأول من قبل قوات المعارضة المندفعة بقوة.

واشتد الصراع على حلب بين المعارضة والمحور الإقليمي الذي يساندها، وبين النظام وداعميه الروس والإيرانيين. وكلا الطرفين يدركان أن لمدينة حلب أهمية كبرى في حسم الصراع في سورية. أما عدم الحسم فيعني عدم تغليب كفة طرف على الآخر، وبالتالي عجز أي طرف عن فرض إملاءاته وشروطه التي قد تلعب دوراً محورياً في رسم خريطة جديدة للبلاد. وتتخذ معركة حلب طابعاً استراتيجياً واضحاً، بعدما باتت سورية ساحة تصفية صراعات إقليمية ودولية، وميدان تنازع تحدد آلياته ومآلاته مدينة حلب. واللاعب الإقليمي الأبرز في المعادلة، هو تركيا التي تلقي بثقلها للحؤول دون انتصار النظام السوري في حلب، والتي قال عنها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الخميس الماضي، في ذكرى وفاة مؤسس تركيا الحديثة، مصطفى كمال، إنها تقع داخل الحدود "العاطفية" لبلاده.

من جهته، رأى الخبير العسكري، العقيد أديب عليوي، أن أسلوب المراحل في المعارك التي تخوضها المعارضة السورية ضد قوات النظام والمليشيات الطائفية "لم يعد مجدياً". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن هذا الأسلوب يعطي النظام فرصة لتأهيل قواته. وأوضح أن قوات النظام غيّرت من استراتيجيتها في القتال. وقال إن "خطوط الدفاع الأولى لهذه القوات كانت هي الأقوى والأشرس منذ سنوات، لكن وبعد معرفتها أسلوب قتال قوات المعارضة، جعلت خطوط الدفاع الأولى أضعف كي تنهار بسرعة لتصطدم قوات المعارضة بعد الاندفاع غير المدروس مع خطوط الدفاع الثانية وهي الأشرس والأقوى، وهذا ما حدث في حلب"، بحسب عليوي.


وأكد الخبير العسكري أن قوات المعارضة "أخطأت بعدم استمرارها بالتقدم، وتطوير الهجوم أكثر من خلال رفد القوات المهاجمة بتعزيزات من الخطوط الخلفية"، موضحاً أن انتقال المعارضة من الهجوم إلى الدفاع يعرضها لهجمات متلاحقة وشديدة من الطيران والمدفعية، مما يجبرها على التراجع. وأشار إلى أن الطيران الروسي لم ينخرط بقوة في المعركة في أيامها الأولى، مضيفاً أن ذلك كان بمثابة رسالة لنظام الأسد والإيرانيين، من موسكو، مفادها بأن طيرانها هو القادر على تحديد مجريات المعركة، وتجنيب قواتهما الانهيار في حلب. وتابع أنه بعد وصول الرسالة للنظام السوري وإيران، عاد الطيران الروسي لقصف قوات المعارضة بضراوة غرب حلب، وهو من الأسباب التي دفعتها للتراجع عن المواقع التي سيطرت عليها في الأيام الأولى من "ملحمة حلب الكبرى". وأوضح أنه كان على قوات المعارضة الاندفاع أكثر في حيي الحمدانية وحلب الجديدة لتحييد الطيران، والبدء في حرب شوارع هي أقدر عليها من المليشيات الطائفية.

وأعرب عليوي عن اعتقاده أن قوات النظام والمليشيات الطائفية المساندة لها لن تتقدم أكثر في غرب حلب، وستكتفي بإعادة المواقع التي خسرتها، مشيراً إلى أن نيّة النظام تتجه نحو التقدم أكثر في شمال حلب، والاتجاه إلى مدينة الباب، وقطع الطريق على قوات المعارضة هناك، إذ تخوض الأخيرة معارك مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من أجل انتزاع السيطرة عليها قبل وصول قوات النظام أو "قوات سورية الديمقراطية" إلى الباب. وفي هذا الصدد، اعتبر الخبير نفسه أن أحد أهم أسباب انطلاق "ملحمة حلب الكبرى" يتمثل في صرف أنظار النظام وداعميه عن مدينة الباب الاستراتيجية. وأكد أن "من يسيطر عليها يتحكم بمجمل ريف حلب الشمالي".

وبات من الواضح أن الحسم العسكري صعب جداً في حلب في ظل المعطيات الحالية. وأثبتت مجريات المعركة الأخيرة أن قوات المعارضة ليست قادرة ضمن إمكانياتها الراهنة على كسر خطوط دفاع قوات النظام والمليشيات والشبيحة في المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في سورية. وباءت محاولاتها في هذا الاتجاه بالفشل أكثر من مرة. في المقابل، لم تستطع قوات النظام التقدم في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب على الرغم من الحصار المحكم المفروض عليها منذ منتصف يوليو/تموز الماضي. وفشلت في التقدم على الرغم من حملات القصف الجوي المتوحش الذي أودى بحياة آلاف المدنيين ودمّر أغلب المرافق الحيوية، وفي مقدمتها المراكز الصحية ومحطات المياه.

وتنقسم مدينة حلب إلى "شرقية" و"غربية" منذ منتصف عام 2012. وبدأت المعارضة بالسيطرة على أحياء في جنوبها الغربي منها: صلاح الدين ومشهد والأنصاري. وكذلك في شرقها، ومنها: الصاخور والشعار وكرم القاجرطي ومساكن هنانو وطريق الباب والسكري والحيدرية، إضافة إلى أجزاء من أحياء حلب القديمة. ويسيطر النظام على أحياء غرب حلب التي تُوصف بـ"الغنية"، وأبرزها: الحمدانية وحلب الجديدة. كما يسيطر النظام على أحياء حلب الشمالية والجنوبية، وفي وسط المدينة، إضافة إلى قلعتها الشهيرة. وتؤكد مصادر عسكرية أن قوات النظام والمليشيات الطائفية عاجزة عن التقدم في أحياء حلب الشرقية، بسبب عدم قدرتها على خوض حرب شوارع مع مقاتلي المعارضة الذين يعرفون تفاصيل هذه الأحياء، ما يمكنهم من صد أي هجوم. وحاولت روسيا الضغط على المعارضة للانسحاب بارتكاب مجازر بالمدنيين. لكن ذلك شكل صدمة للمجتمع الدولي، الذي ربما تحول ردة فعله دون اتخاذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لخيار تحويل حلب إلى "غروزني ثانية".

التحذير من المجاعة
بموازاة ذلك، بدأ الحصار يضغط على المدنيين في الجزء المحاصر من مدينة حلب التي كانت تعد عاصمة الاقتصاد السوري، مهدداً المدنيين بمجاعة، وهو ما حذرت منه الأمم المتحدة أخيراً، حين أشارت إلى أن فرقها وزعت يوم الخميس، آخر الحصص الغذائية على السكان المحاصرين في الأحياء الشرقية. وقال رئيس مجموعة العمل الخاصة بالمساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، يان إيغلاند، في تصريحات صحافية: "لن يعود هناك ما يمكن توزيعه الأسبوع المقبل". وأشار إلى مبادرة جديدة من أربع نقاط من أجل تخفيف تبعات المأساة الإنسانية في أحياء حلب الشرقية، تطلب من جميع الأطراف السماح بدخول المساعدات الطبية والإنسانية، وبإخراج نحو 300 مريض وجريح، والسماح للطاقم الطبي بالدخول إلى هذه الأحياء.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس السبت، أنها ستحتاج إلى تأكيد رسمي من بعثة الأمم المتحدة في سورية بشأن قدرتها على إيصال المساعدات إلى شرق حلب قبل أن توافق موسكو على أي هدنة إنسانية جديدة في المدينة السورية. وكانت موسكو أعلنت أكثر من مرة عن "هدن إنسانية"، رفضتها المعارضة لأنها مشروطة بخروجها من المدينة وهو ما لا تقبل به، متهمة قوات النظام والمليشيات بإعاقة جهود تبذلها الأمم المتحدة على هذا الصعيد، كي ترضخ المعارضة لشروط النظام بالانسحاب من المدينة، وترك أكثر من 300 ألف مدني لمصير مجهول.