دخلت المعركة التي بدأت الثلاثاء الماضي في ريف دمشق الشمالي قرب الأوتوستراد الدولي الوحيد الذي يصل العاصمة بمحافظات الوسط والشمال، منحىً جديداً، مع تحقيق فصائل المعارضة تقدماً لافتاً وسريعاً فيها، إذ أعلن، أمس السبت، عن بدء هجوم يستهدف مقر أركان قوات النظام الاحتياطية في الجبال القريبة من ضاحية حرستا (ضاحية الأسد) التي يسكنها مئات الضباط الأمنيين والعسكريين في النظام.
ويبدو واضحاً من تطور العمليات العسكرية على الأرض، أن "جيش الإسلام" ماضٍ في معركة يقول إنه أعدّ لها منذ أشهر طويلة، وحشد لها نحو ستة آلاف مقاتل، وتصاعدت مجرياتها مساء الجمعة.
ويؤكد المتحدث الرسمي باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مقاتلي جيش الإسلام سيطروا على مناطق واسعة، ووصلوا إلى جدار سجن عدرا، فيما الاشتباكات باتت على بناء الكازينو، ضمن جبهة امتدت إلى مدينة حرستا ومواقع تمركز المدفعية".
ويشير علوش إلى أنّ "المعارك خلّفت أكثر من مئة قتيل في صفوف النظام، كما كبّدته خسائر كبيرة في العتاد، إذ تجاوز عدد المدرّعات التي دمّرها مقاتلو المعارضة 13 مدرعة"، نافياً الأنباء حول السيطرة على سجن عدرا بالكامل.
ورافق ذلك الهجوم الواسع، إعلان "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" استهداف مقاتليه رتلاً عسكرياً للنظام، أثناء توجهه من مستشفى الشرطة وكتيبة حفظ النظام، باتجاه تل كردي، قرب سجن عدرا المركزيّ، وذلك بعد ساعات من سيطرة "جيش الإسلام" على كامل منطقة تل كردي، إضافة إلى عدة أبنية مجاورة لمبنى سجن النساء.
وحول هذه المعركة وأهميتها، يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، أن فصائل المعارضة ستكسب كثيراً إذا ما واصلت تقدّمها، ملخّصاً ذلك بـ"ثلاث نقاط رئيسية، أولها أن المعارضة ستدق مسماراً مهمّاً في نعش الدويلة العلوية التي يجري الحديث عنها، والثانية تكمن في نجاح الفصائل بربط الغوطة الشرقية بالقلمون وفك الحصار عن الغوطة، والثالثة تتمحور في أن هذه المعركة ستخفف الضغط بلا شك عن مدينة الزبداني"، خصوصاً في ظل الحديث عن سحب النظام لبعض وحداته العسكرية من هناك نحو جبهات الغوطة.
ويشير رحال إلى أن "قطع الأوتوستراد الدولي الذي يصل العاصمة بحمص وحماه والساحل، يعني محاصرة النظام داخل دمشق، التي لا منفذ لخارجها وفق الظروف الحالية إلا نحو لبنان".
اقرأ أيضاً: روسيا تدعو أميركا للتنسيق سورياً ومعارك ريف دمشق تحتدم
وتأتي هذه العمليات العسكرية في مناطق حساسة للغاية بالنسبة للنظام بمحيط العاصمة، في ظل تصاعد الحديث الروسي عن اعتزام موسكو تقديم المزيد من الدعم العسكري للنظام السوري، وهو ما يشير إلى أن تسخين الجبهات على تخوم دمشق بهذا الشكل يأتي كردٍ على موسكو، ولقطع الطريق أمامها إذا ما أرادت المضي قدماً في هذا السياق.
وفيما يبدو محيط دمشق، وهي الجبهة الأهم في سورية، آخذاً بالتصعيد خلال الأيام المقبلة، فإن درعا التي لطالما اعتُبرت بوابة دخول المعارضة للعاصمة، تشهد هدوءاً شبه تام، خصوصاً مع توقف عمليات "عاصفة الجنوب" التي بدأت في الخامس والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، والتي تعثّرت جولاتها في تحقيق هدف المعركة بـ"تحرير مدينة درعا".
وترافق ذلك مع زيادة الحديث أخيراً عن توقّف الدعم المُقدّم من غرفة "الموك" (غرفة العمليات في الأردن)، لفصائل الجبهة الجنوبية، بسبب ما قيل إنه عدم التزام الفصائل بـ"التعليمات" وكذلك عدم تحقيقها لإنجازٍ على الأرض، نتيجة اتساع رقعة الخلافات بينها، فيما يبدو أن هذه الفصائل كانت قدّمت أولوية مقاتلة النظام على محاربة "داعش"، وهو ما قد يفسّر غياب فاعليتها أخيراً، نتيجة شح الدعم أو توقفه.
لكن المستشار القانوني للجيش الحر أسامة أبو زيد، ينفي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، توقّف عمل غرفة "الموك" قائلاً: "إن ذلك لا يحدث إلا في حالتين، الأولى: أن تقرر "الموك" تقديم دعم عسكري أو مالي كبير جداً قياساً بالوقت الماضي لتحقيق إنجازات ضخمة، وبالتالي فإن ذلك سيرتب بالتأكيد إيجاد غرفة تنسيق أوسع بدلاً عنها"، متابعاً "أما الحالة الثانية، فهي أن تقرر الدول الـ11 (مجموعة أصدقاء الشعب السوري) إيقاف تقديم أي دعم للمعارضة في مواجهة الأسد"، مؤكداً أن "كلا الحالة الأولى والثانية ستكون مبنية على قرار دولي وإقليمي مفصلي يخص الثورة السورية، وهو ما لم يحصل".
ويضيف المسؤول في المعارضة السورية، أن "الدعم الذي لم يتوقف، قد يتأخر، وغالباً يرتبط ذلك باختلاف رؤى الدول وحالة الخصام بينها"، مشيراً إلى أن "مكونات الجبهة الجنوبية من أكثر الفصائل انضباطاً وتنظيماً، وعملها العسكري في درعا، وإن هدأ أخيراً، لكن خطه البياني لم يسجّل تراجعاً".
اقرأ أيضاً: أطباء بلا حدود: الشهر الماضي الأكثر دموية بريف دمشق