15 مايو 2024
المعارضة العراقية بين لندن وباريس
بدعوة وتمويل من الحكومتين الأميركية والبريطانية، عقد في لندن عام 2002، مؤتمر لـ (المعارضة العراقية) حضرته تشكيلة من الأحزاب والتنظيمات وبعض الشخصيات العراقية المستقلة. وحرصت واشنطن ولندن حينها على أن يكون المؤتمر ممثلا لكل شرائح المجتمع العراقي، ولو بشخصية واحدة. ونجح المنظمون والمشتركون في تسويق فكرة ضرورة إسقاط نظام الحكم الوطني في العراق، وإظهاره وكأنه مطلب جماهيري ممثل بهذه المجاميع والأفراد التي حضرت المؤتمر. وبالتالي، كانت خاتمة المطاف لخطط واشنطن ولندن لتبرير عملية غزو العراق، ومنح احتلاله صفة (التحرير).
أسس مؤتمر لندن لأسوأ سيناريو يمكن أن تفعله أي معارضة في العالم ببلدها وشعبها، فهي أسست فيه، وبتوجيه أميركي دقيق، لعملية المحاصصة السياسية وتوزيع حصص غنائم تفكيك الدولة العراقية، ومؤسساتها الأمنية، على أساس طائفي وعرقي، كانت نتائجه وبالاً على العراقيين وسيادة بلدهم، وإحساسهم بالهوية الوطنية العراقية حتى يومهم هذا، كما أرخت واشنطن حبالها لطهران، لتمرّر بإرادتها وجوداً إيرانياً، أسس لنفوذ أمني وعقائدي، بات يسري في عموم الشرق الأوسط (الجديد) ومنطقة الخليج العربي واليمن، انطلاقاً من العراق.
عانى العراقيون، وانتظروا بصبر غير مسبوق، طوال 13 عاماً، أن يحصل تغيير ما في بنية النظام السياسي الجديد، أو أن يلمسواً شيئاً مما وعد به الأميركان من تحقيق للديمقراطية والرفاهية في بلدهم، وبات الدم والعرض والمال العراقي مستباحاً من الأحزاب والشخصيات التي أسست في مؤتمر لندن (2002) لهذا السياق من الطائفية السياسية، وتغييب الشعور بالوطن العراقي، لتحل محلها مسمياتٌ جديدة، كالمرجعيات الدينية الطائفية، أو العشائرية، والمليشيات، أو التي حاولت، طوال أكثر من عقد، الهيمنة على أجزاء كبيرة من أراضي المحافظات العربية، لضمها إلى ما تصبو إليه من وطن قومي لأكراد العراق، ثم خرجت آفة الفساد، برائحتها النتنة، لتعرّي ساسة العراق وقيادات حزبية متنفذة في العملية السياسية، ولتضع البلاد والعباد على عتبة الإفلاس والاقتراض، بما يحمله ذاك من تراجع في كل مفاصل الحياة.
ملاحظة مهمة أخرى؛ هي أن مؤتمر لندن أنجز مهمته المرسومة له كما يجب، على الرغم من تغيب شخصيات وقوى معدودة عن المؤتمر، على اعتبار أن المؤتمر لا يتمتع بالاستقلالية في اتخاذ قراراته، وكان من أبرز المقاطعين حزب الدعوة الإسلامية والحزب الشيوعي العراقي، اللذان سرعان ما كانا من أبرز المشاركين في العملية السياسية، بعد احتلال العراق، وتحقق لحزب الدعوة دوره المحجوب، بعد أن تم تحقيق الجزء الثاني من مشروع الهيمنة على العراق، بالإنابة، من إيران، والتي أطلق فيها العنان لهذا الحزب، مستفيداً من عائدات النفط الكبيرة جداً، ومن دعم المرجعية الشيعية وغياب المساءلة، خصوصاً في ظل حكومة نوري المالكي .
ربما يكون التقديم والربط بين مؤتمر لندن (2002) ومؤتمر المعارضة العراقية المزمع عقده في باريس، يومي 28 و 29 مايو/ أيار الجاري، مهماً جداً، لتشابه حالة المؤتمرين في نقاط محددة، واختلافهما في نقاط أخرى عديدة؛ أما التشابه فهو بالاسم أولاً، حيث تشابهت عناوين المؤتمرين، بأنهما للمعارضة العراقية للنظام القائم في بلدهما، وبالعمل على تغييره، كما تشابهت أيضاً في موضوع الدعم الدولي للهدف الرئيسي للمؤتمر؛ وهو تغيير نظام الحكم. يضاف إلى ذلك أن المؤتمريْن أقيما في عاصمتين غربيتين، وهو أمر منطقي جداً، لأن مفهوم المعارضة في العراق كان، ومازال، مرتبطاً، إلى حد كبير، بمفهوم العمالة والانقلابات العسكرية. وبالتالي، يكون المعارض للنظام بمساواة الخائن، ويعاقب على هذا الأساس بأقصى العقوبات، وهي الإعدام رسمياً، أو التصفية، كما هو الحال الشائع في عراق الأعوام الثلاثة عشر الأخيرة.
أما نقاط الأختلاف بين المؤتمرين فهي كثيرة، لعل من أبرزها أن المشتركين في تنظيم مؤتمر
باريس وحضوره لا يرتبطون، بشكل أو بآخر، بتنظيمات سياسية محددة، ولا يتعاملون مع العملية السياسية في العراق، كما لم تفرض على اللجنة المركزية للمؤتمر أية إملاءات دولية، وإن كانت بعض دول العالم الغربي والعربي قد اطلعت على أفكار (وأهداف) المشروع الذي ينوي مؤتمر باريس مناقشته، لإخراج العراق مما هو فيه من وحل التخلف والفساد وبؤرة الإرهاب في المنطقة، كما أن المؤتمر سيحدّد مخرجات التعامل مع النفوذ الإيراني في العراق، أسوة بأي نفوذ آخر، أميركياً كان، أو أية جهة أخرى. ومما يشار إليه أن أمراً مهماً وكبيراً، يختلف فيه هذا المؤتمر عن مؤتمر لندن؛ ألا وهو تشريعه لما يخرج العراق وشعبه من دائرة الطائفية السياسية والمحاصصة المقيتة، وهذا واضح من الطيف المطلق لكل فئات الشعب العراقي الذين وجهت إليهم الدعوات، وسيحضرون المؤتمر.
نقاط أخرى يختلف فيها مؤتمر باريس عن مؤتمر لندن، أهمها أن الحاضرين لهذا سيسعون لتأسيس كتلة سياسية، تسعى إلى تغيير نظام الحكم في العراق بالطرق السلمية والمشروعة، كما حال أية معارضة في العالم، وبعيداً عن أي استعانةٍ بأي دعم دولي، سري أو علني، كما أن الحاضرين يمثلون خليطاً من شخصيات أكاديمية وسياسية وشبابية، وبحضور متميز للمرأة العراقية، والفارق أيضاً أن معظم الحضور سيكون من العراقيين الموجودين أصلاً في داخل العراق.
ويثير الاستغراب حقاً في موضوع التعليق السلبي من إيران، وبعض الإعلاميين، وحتى بعض الجهات السياسية العراقية المعارضة التي سارعت إلى الإعلان عن عدم حضورها هذا المؤتمر، مع تمنياتها له بالنجاح، أو التي وسمته بما لا ينمّ عن معرفةٍ مسبقةٍ بمآلات ومحتوى ورؤية الأهداف والنتائج المتوخاة من المؤتمر، فقالت حيناً إنه مؤتمر بعثي، وقال آخرون، حينا آخر، إنه مؤتمر للسنّة العرب، وهو أمر ربما قد يتيح للقوى السياسية الحالية في العراق إعادة تدوير نفسها، وتقديم كتل جديدة بأسماء جديدة للمرحلة المقبلة، وباستخدام أسلوب الترغيب والترهيب ضد العراقيين.
سيسعى مؤتمر باريس، فيما يبدو، إلى تأسيس أول كيان عراقي مدني، نزيه معارض، من خارج العملية السياسية، يعيد الوحدة بين مكونات الشعب العراقي على أساس المواطنة، وسيعين العالم على إعادة العراق إلى حيث يستحق من مكانةٍ دوليةٍ وإقليميةٍ، دمرها تماماً أصحاب مؤتمر لندن 2002.
أسس مؤتمر لندن لأسوأ سيناريو يمكن أن تفعله أي معارضة في العالم ببلدها وشعبها، فهي أسست فيه، وبتوجيه أميركي دقيق، لعملية المحاصصة السياسية وتوزيع حصص غنائم تفكيك الدولة العراقية، ومؤسساتها الأمنية، على أساس طائفي وعرقي، كانت نتائجه وبالاً على العراقيين وسيادة بلدهم، وإحساسهم بالهوية الوطنية العراقية حتى يومهم هذا، كما أرخت واشنطن حبالها لطهران، لتمرّر بإرادتها وجوداً إيرانياً، أسس لنفوذ أمني وعقائدي، بات يسري في عموم الشرق الأوسط (الجديد) ومنطقة الخليج العربي واليمن، انطلاقاً من العراق.
عانى العراقيون، وانتظروا بصبر غير مسبوق، طوال 13 عاماً، أن يحصل تغيير ما في بنية النظام السياسي الجديد، أو أن يلمسواً شيئاً مما وعد به الأميركان من تحقيق للديمقراطية والرفاهية في بلدهم، وبات الدم والعرض والمال العراقي مستباحاً من الأحزاب والشخصيات التي أسست في مؤتمر لندن (2002) لهذا السياق من الطائفية السياسية، وتغييب الشعور بالوطن العراقي، لتحل محلها مسمياتٌ جديدة، كالمرجعيات الدينية الطائفية، أو العشائرية، والمليشيات، أو التي حاولت، طوال أكثر من عقد، الهيمنة على أجزاء كبيرة من أراضي المحافظات العربية، لضمها إلى ما تصبو إليه من وطن قومي لأكراد العراق، ثم خرجت آفة الفساد، برائحتها النتنة، لتعرّي ساسة العراق وقيادات حزبية متنفذة في العملية السياسية، ولتضع البلاد والعباد على عتبة الإفلاس والاقتراض، بما يحمله ذاك من تراجع في كل مفاصل الحياة.
ملاحظة مهمة أخرى؛ هي أن مؤتمر لندن أنجز مهمته المرسومة له كما يجب، على الرغم من تغيب شخصيات وقوى معدودة عن المؤتمر، على اعتبار أن المؤتمر لا يتمتع بالاستقلالية في اتخاذ قراراته، وكان من أبرز المقاطعين حزب الدعوة الإسلامية والحزب الشيوعي العراقي، اللذان سرعان ما كانا من أبرز المشاركين في العملية السياسية، بعد احتلال العراق، وتحقق لحزب الدعوة دوره المحجوب، بعد أن تم تحقيق الجزء الثاني من مشروع الهيمنة على العراق، بالإنابة، من إيران، والتي أطلق فيها العنان لهذا الحزب، مستفيداً من عائدات النفط الكبيرة جداً، ومن دعم المرجعية الشيعية وغياب المساءلة، خصوصاً في ظل حكومة نوري المالكي .
ربما يكون التقديم والربط بين مؤتمر لندن (2002) ومؤتمر المعارضة العراقية المزمع عقده في باريس، يومي 28 و 29 مايو/ أيار الجاري، مهماً جداً، لتشابه حالة المؤتمرين في نقاط محددة، واختلافهما في نقاط أخرى عديدة؛ أما التشابه فهو بالاسم أولاً، حيث تشابهت عناوين المؤتمرين، بأنهما للمعارضة العراقية للنظام القائم في بلدهما، وبالعمل على تغييره، كما تشابهت أيضاً في موضوع الدعم الدولي للهدف الرئيسي للمؤتمر؛ وهو تغيير نظام الحكم. يضاف إلى ذلك أن المؤتمريْن أقيما في عاصمتين غربيتين، وهو أمر منطقي جداً، لأن مفهوم المعارضة في العراق كان، ومازال، مرتبطاً، إلى حد كبير، بمفهوم العمالة والانقلابات العسكرية. وبالتالي، يكون المعارض للنظام بمساواة الخائن، ويعاقب على هذا الأساس بأقصى العقوبات، وهي الإعدام رسمياً، أو التصفية، كما هو الحال الشائع في عراق الأعوام الثلاثة عشر الأخيرة.
أما نقاط الأختلاف بين المؤتمرين فهي كثيرة، لعل من أبرزها أن المشتركين في تنظيم مؤتمر
نقاط أخرى يختلف فيها مؤتمر باريس عن مؤتمر لندن، أهمها أن الحاضرين لهذا سيسعون لتأسيس كتلة سياسية، تسعى إلى تغيير نظام الحكم في العراق بالطرق السلمية والمشروعة، كما حال أية معارضة في العالم، وبعيداً عن أي استعانةٍ بأي دعم دولي، سري أو علني، كما أن الحاضرين يمثلون خليطاً من شخصيات أكاديمية وسياسية وشبابية، وبحضور متميز للمرأة العراقية، والفارق أيضاً أن معظم الحضور سيكون من العراقيين الموجودين أصلاً في داخل العراق.
ويثير الاستغراب حقاً في موضوع التعليق السلبي من إيران، وبعض الإعلاميين، وحتى بعض الجهات السياسية العراقية المعارضة التي سارعت إلى الإعلان عن عدم حضورها هذا المؤتمر، مع تمنياتها له بالنجاح، أو التي وسمته بما لا ينمّ عن معرفةٍ مسبقةٍ بمآلات ومحتوى ورؤية الأهداف والنتائج المتوخاة من المؤتمر، فقالت حيناً إنه مؤتمر بعثي، وقال آخرون، حينا آخر، إنه مؤتمر للسنّة العرب، وهو أمر ربما قد يتيح للقوى السياسية الحالية في العراق إعادة تدوير نفسها، وتقديم كتل جديدة بأسماء جديدة للمرحلة المقبلة، وباستخدام أسلوب الترغيب والترهيب ضد العراقيين.
سيسعى مؤتمر باريس، فيما يبدو، إلى تأسيس أول كيان عراقي مدني، نزيه معارض، من خارج العملية السياسية، يعيد الوحدة بين مكونات الشعب العراقي على أساس المواطنة، وسيعين العالم على إعادة العراق إلى حيث يستحق من مكانةٍ دوليةٍ وإقليميةٍ، دمرها تماماً أصحاب مؤتمر لندن 2002.