المعارضة السورية واجتماع لندن: تعويل على أوروبا بلا أوهام

17 أكتوبر 2016
الاجتماعات الأوروبية الأميركية حول سورية غير فاعلة(ماثيو هيلي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تعد المعارضة السورية تخفي خيبة أملها الكبيرة من الموقف الأميركي "الرخو"، بل و"المتخاذل" إزاء التغول الروسي - الإيراني، ما يدفعها إلى التوجه نحو الدول الأوروبية في محاولة للبحث عن نصير ما يمكن الاعتماد عليه في المحافل الدولية، من دون أن تكون موهومة بإمكانيات الأوروبيين وإرادتهم بالعمل بشكل مستقل عن الطرف الأميركي. 

لكنّ لمحاولة التعويل على الدور الأوروبي هدفاً عملياً يتمثل في السعي للتأثير على المفاوضات الدولية الجارية حالياً بشأن سورية. وتدرك المعارضة أن مشاركة الأوروبيين في اجتماع لندن، أمس الأحد، مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بعد غيابهم عن الاجتماع الدولي في لوزان السويسرية، يوم السبت، والذي لم يفض إلى أي نتيجة، تشكل مؤشراً على أن الطرف الأوروبي يريد لعب دور أكثر فعالية ووضع حد لتهميشه.

ولهذه الغاية، كثفت المعارضة السورية في الأيام القليلة الماضية اتصالاتها مع مسؤولين أوروبيين، من أجل الالتفاف على الموقف الأميركي الذي يبدو أنه لا يراهن على دور أوروبي – غربي فاعل، بقدر ما يراهن على دور مجموعة الدول التي شاركت يوم السبت في اجتماع لوزان، أي الدول الإقليمية بالإضافة إلى روسيا وأميركا. ففي إطار التعليق على اجتماع لندن، أمس، بين ممثلي الولايات المتحدة وأبرز الدول الأوروبية، في مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بوصفها أعضاء في "المجموعة الدولية لدعم سورية"، قال مسؤولون أميركيون إن هذه المجموعة لا تستطيع اتخاذ قرارات سريعة نظراً لحجمها، موضحين أن اجتماع لوزان كان أكثر فائدة لأنه تركز على الدول الإقليمية الفاعلة في الأزمة السورية.

وكانت وزارة الخارجية الفرنسية أكدت أن كيري ووزراء خارجية الدول التي تتبنى الموقف نفسه يعتزمون الاجتماع في لندن، الأحد، لبحث الشأن السوري. كذلك، قال مصدر بوزارة الخارجية الألمانية إن الوزير فرانك فالتر شتاينماير، تحدث مع كيري بشأن نتائج محادثات لوزان والخطوات المقبلة الواجب اتخاذها. وأضاف أن الوزيرين اتفقا على أنه وعلى الرغم من الوضع الصعب، فإنه يجب أن تتواصل كل الجهود لتطبيق وقف إطلاق نار لأغراض إنسانية وإيصال المساعدات إلى شرق مدينة حلب وتوفير الظروف لوقف جديد لإطلاق النار.

وكان كيري تحدث بعد اجتماع لوزان عن "أفكار جديدة" يفترض أن يتم توضيحها في الأيام المقبلة لمحاولة التوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار أكثر متانة من الهدنات السابقة. وقال كيري: "هناك أفكار كثيرة يجب التعمّق بها سريعاً على أمل أن تساهم في حل المشكلات التي تعيق تطبيق وقف إطلاق النار السابق"، الذي تم التوصل إليه. وأضاف: "لا يمكنني الخوض في تفاصيل هذه الأفكار، لا يمكنني فعل ذلك علناً، لا أريد إفساح (المجال) للتكهنات"، وفق تعبيره.

ويستند تحرك المعارضة على معطيات ملموسة، تشير إلى مدى سخط الأوروبيين مما يحصل بشأن سورية. وتجلى "الغضب الأوروبي" في مجلس الأمن الدولي منذ أيام، عندما أسقط الفيتو الروسي مشروع قرار فرنسي - إسباني يدعو إلى تحقيق هدنة في حلب، وتسهيل دخول مساعدات إنسانية لعشرات آلاف المحاصرين، توطئة للعودة إلى طاولة التفاوض في جنيف. ووجهت فرنسا وبريطانيا انتقادات غاضبة غير مسبوقة للموقف الروسي الذي قطع الطريق أمام أي محاولة أوروبية لسد فراغ غياب الولايات المتحدة عن الساحة السورية.

وصعّدت أوروبا من نبرة غضبها من خلال التلويح بأوراق من شأنها "إيلام موسكو"، منها الطلب من محاكم دولية التحقيق في ارتكاب روسيا جرائم حرب في سورية، مع ما يجر ذلك على موسكو من عزلة تحوّلها إلى دولة مارقة في نظر المجتمع الدولي الذي بات يرى بالموقف الروسي المتصلب وتمسكه ببشار الأسد ونظامه، تهديداً للسلم الدولي، ومحاولة لوضع العالم على عتبة حرب كونية. ورفعت روسيا في المقابل، من سقف تحديها للموقف الأوروبي من خلال إلغاء زيارة كانت مقررة في التاسع عشر من الشهر الجاري للرئيس فلاديمير بوتين إلى باريس على خلفية التصعيد الفرنسي ضد موسكو.

انطلاقاً من ذلك، تؤكد المعارضة السورية ترحيبها بدور أوروبي فعال في الملف السوري، لأنه ربما يسهم في وضع حد لتفرد روسي بدأ يتصاعد في الآونة الأخيرة، لا سيما أن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بددت الآمال بتدخلها عسكرياً، وضرب أهداف لنظام الأسد لجره إلى طاولة المفاوضات، بحسب مصادر المعارضة. وتدرك المعارضة السورية أن تفعيل الدور الأوروبي سيكون مفيداً في هذه المرحلة، التي يبدو واضحاً فيها أن أوباما قرر ترحيل الملف السوري إلى الإدارة الأميركية المقبلة، والتي ستصطدم بأمر واقع فرضته روسيا على الجغرافيا السورية، ربما لن تتمكن من تغييره. لذلك، تحاول المعارضة إيجاد فسحة أمل ولو صغيرة، من خلال التحرك باتجاه الأوروبيين، من أجل إفشال المشروع الروسي الذي يقوم على بقاء الأسد في السلطة، وتحوّل سورية إلى منطقة نفوذ روسي بلا منازع، مع غض الطرف عن عمليات التهجير القسري الجاري من أجل تغيير وجه سورية الديمغرافي من خلال السيطرة مذهبياً على العاصمة دمشق ومحيطها، وحمص وريفها، وحلب، وحماة، فضلاً عن الساحل السوري.

في هذا الإطار، بحث المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، على مدى الأيام القليلة الماضية، مع عدد من وزراء خارجية أبرز الدول الأوروبية، الأوضاع في سورية، وآليات العمل خارج مجلس الأمن المكبّل بالفيتو الروسي. وتأمل المعارضة السورية أن تلعب الدول الأوروبية دوراً في مساع تجريها من أجل التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتفعيل مبدأ "الاتحاد من أجل السلام"، ومن أجل "كسر الفيتو الروسي، ووقف العمليات العسكرية المجنونة التي يقودها نظام الأسد وحلفاؤه في سورية، خاصة في حلب، وعمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي التي ينتهجها النظام في ريف دمشق"، وفق ما قاله حجاب لوزير الخارجية الألماني، شتاينماير، في اتصال هاتفي يوم الجمعة.

وأجرى حجاب، يوم الخميس، اتصالاً مع وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، مطالباً لندن بـ"دعم الجهود الرامية لوقف جرائم النظام وحلفائه خارج مجلس الأمن الدولي الذي ألحق به الفيتو الروسي المتكرر شللاً كاملاً إزاء الانتهاكات المروعة بحق الشعب السوري".

من جانبه، رأى رئيس وفد المعارضة السورية المفاوض، أسعد الزعبي، أن دول الاتحاد الأوروبي "طير بلا أجنحة"، لكنه اعتبر أن من الضرورة التواصل معها، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه من المفيد أن يكون هناك "صوت معنا وفي صفنا، وليس ضدنا".

ولا يمكن عزل اجتماع لندن (الأحد) بين كيري ووزراء خارجية دول أوروبية عن محاولات دول أوروبية الخروج من تحت العباءة الأميركية من أجل الوقوف أمام نفوذ روسي يتنامى، مقابل تراجع أميركي ربما يدخل ضمن استراتيجية أميركية كاملة تقوم على استنزاف بعيد الأمد للقدرات الروسية في مستنقع صراع تخرج منه وهي مثقلة اقتصادياً وعسكرياً وأخلاقياً.

في هذا الصدد، قال عضو الائتلاف الوطني السوري، يحيى مكتبي، إن أوروبا "قوة عسكرية واقتصادية مهمة في العالم لا يستطيع طرف الاستهانة بها"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن مواقف دولها متقاربة من الشأن السوري، "وهي محل ترحيب من قوى الثورة والمعارضة، ونأمل أن تلعب دوراً أكبر يتناسب ومكانتها في العالم، لا سيما بعدما أكد الفيتو الروسي الأخير على مشروع القرار الفرنسي، أن موسكو ليست بصدد التفكير في إيقاف حمام الدم السوري". وأكد أن أوروبا لعبت دوراً إنسانياً وصفه بـ"المتميز" حيال السوريين على مدى عدة سنوات، مضيفاً: "الآن نريد منها دوراً سياسياً"، مشيراً إلى أن النظام لن ينصاع للقرارات الدولية من دون "ضربات عسكرية موجعة".

ورأى مراقبون أن هناك تململاً لدى عدة دول أوروبية حيال الموقف الأميركي المهادن إلى حد بعيد للموقف الروسي في سورية، وتدفع باتجاه الضغط أكثر على موسكو من خلال فرض المزيد من العقوبات عليها، وتقديم سلاح نوعي للمعارضة السورية يمكّنها من الوقوف أمام زحف قوات الأسد. لكن المراقبين أشاروا إلى أن الدول الأوروبية هذه تصطدم بموقف أميركي لا يريد في الوقت الراهن إنهاء الأزمة، بل إدارتها بما يتقاطع ومصالح واشنطن وحليفتها إسرائيل في المنطقة، وهو ما يعني أن الأوروبيين لن يكونوا قادرين على تجاوز الموقف الأميركي.

من جانبه، أكد المحلل السياسي السوري، محمود الحمزة، أن أوروبا "تؤلم موسكو من خلال العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليها"، معرباً عن قناعته في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الولايات المتحدة "همّشت الدور الأوروبي"، ومضيفاً أن "واشنطن متواطئة مع موسكو في الملف السوري". لكنه رأى أن التصعيد الأوروبي حيال روسيا سيقتصر على الجانب الإعلامي، معتبراً أن "الحل بيد الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن موسكو تنفذ الخطط الأميركية"، وفق قوله.

المساهمون