المعارضة السورية تعول على جنيف لمحاصرة إيران

13 مايو 2017
مقاتل من "قسد" في مدينة الطبقة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
أكمل النظام السوري ما بدأته روسيا بمحاولة الالتفاف على مسار جنيف وإسقاطه مقابل تعويم مؤتمر أستانة، في مؤشر إضافي على رفض أي انتقال سياسي للسلطة، في وقت تستعد فيه المعارضة السورية للمشاركة في مفاوضات جنيف، التي دعا إليها المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، يوم الثلاثاء المقبل، وسط تعويل على المزاج الدولي الجديد، والأميركي تحديداً، الرافض لتغوّل إيران ومليشياتها في الملف السوري، ولاستفراد روسيا في إدارة هذا الملف. جاء ذلك في ما أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن روسيا تجري اتصالات مع دول قد ترسل مراقبين إلى مناطق تخفيف التوتر في سورية، مشددا ًعلى أن يكون نشرهم مقبولاً لدى دمشق. وقال لافروف، على هامش مشاركته في فعاليات المجلس القطبي في آلاسكا، إنه خلال زيارته إلى واشنطن في 10 مايو/أيار، لم يبحث مع نظيره الأميركي، ريكس تيلرسون، والرئيس، دونالد ترامب، إمكانية نشر مراقبين أميركيين في سورية. وأوضح: "لكننا قلنا إننا سنرحب بأي مساهمة أميركية في تخفيف التوتر في سورية، لا سيما أن ترامب تحدث بنفسه عن ضرورة إقامة بؤر آمنة، حيث سيتنفس السكان الصعداء". وأضاف: "نجري حالياً اتصالات بالمشاركين المحتملين في هذه العملية (الرقابة على وقف إطلاق النار في مناطق تخفيف التوتر)، وآمل أننا سنتمكن بعد قليل من مناقشة هذا الموضوع مع الشركاء بشكل موضوعي بقدر أكبر". كما توقع لافروف أن تعقد الدول الضامنة للهدنة في سورية (روسيا وتركيا وإيران) بعد 10-12 يوماً لقاء على مستوى الخبراء لتنسيق كافة تفاصيل نظام عمل المناطق الآمنة.

من جهته، أكد نائب رئيس الوزراء التركي، المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان قورتولموش، حرص بلاده على "وحدة الأراضي السورية والعراقية، بقدر حرصها على مكافحة كافة التنظيمات الإرهابية في البلدين". وأضاف في كلمة ألقاها في معرض مشاركته بمؤتمر دولي حول الابتكار وريادة الأعمال، بمدينة إسطنبول، أنه "من مصلحة الولايات المتحدة، التعاون مع تركيا لا مع بضعة آلاف من الإرهابيين". كما أكد على "ضرورة تعاون الولايات المتحدة وروسيا والقوى الفاعلة الأخرى مع تركيا، لتأسيس سلام دائم وعادل في سورية، والقضاء على جميع المنظمات الإرهابية على ترابها". وأعرب قورتولموش عن أسفه "لمشاهدة جنود أميركيين جنباً إلى جنب مع "قوات سورية الديمقراطية".

من جهتها، بدأت الهيئة العليا للمفاوضات اجتماعات في العاصمة السعودية الرياض أمس، على أن تتواصل اليوم السبت، وذلك "لمناقشة العملية السياسية وجدول أعمال الجولة المقبلة من المفاوضات بجنيف"، حسبما أفاد مصدر في الائتلاف المعارض لـ"لعربي الجديد". وأوضح المصدر أنه "سيتم خلال هذه الاجتماعات أيضاً اختيار وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف"، مرجحاً ألا "يطرأ تغيير كبير على الوفد السابق في مفاوضات جنيف الأخيرة".



بدوره، قال مستشار "الهيئة العليا للمفاوضات"، والمستشار لوفد المعارضة السورية في أستانة يحيى العريضي لـ"العربي الجديد"، إن "وفد المعارضة يذهب إلى جنيف وفي حوزته أوراق قوة كامنة، تتمثل في تمسكه بالقرارات الدولية ذات الصلة التي قرر المجتمع الدولي أنها أساس الحل في سورية، وعلى رأسها القرار 2254 الذي تحاول روسيا سحب مفعوله".

ولفت العريضي إلى "تطورات إيجابية في الموقف الدولي، منها أن الإدارة الأميركية باتت تتهم روسيا بالفشل في إدارة الملف السوري، وبتمكين إيران ومليشياتها من التغلغل في سورية، من دون أن يكون لها سيطرة فعلية عليهم. وهو ما قد يتجسد في سياسة أميركية جديدة تضغط على روسيا للحد من نفوذ إيران في سورية والمنطقة إجمالاً".



وأشار إلى أن "اجتماع القمة المرتقب في المنطقة بين الرئيس دونالد ترامب وبعض قادة الدول العربية والإسلامية في السعودية، سيكون جزء منه موجّها لمحاربة النفوذ الايراني في المنطقة". وأضاف العريضي أن "ورقة القوة الأخرى بيد المعارضة السورية في جنيف تتمثل في ضعف النظام، وفي تراكم جرائمه التي ثبتتها تقارير المنظمات الدولية المختلفة. كما أن الإيرانيين والروس يسيطرون تماماً على مفاصل النظام، وحتى إنهم يمنعونه من دخول حلب وكثير من المناطق حيث يوجد الروس أو إيران ومليشياتها".

ورأى أن "موسكو التي تحاول تسويق خطتها في أستانة (مناطق خفض التصعيد) لدى واشنطن والمجتمع الدولي لن تجد آذانا صاغية كثيرة لأن لها فهما لما جرى في أستانة يختلف عن الأطراف الأخرى"، معتبراً أن "روسيا لم تعد تستطيع التحكم منفردة بالملف السوري مع عودة الدور الأميركي ونهوض الدور الإقليمي، ما يشكل مظلة دولية متوافقة على عدم إمكانية استمرار النظام ووجوب رحيله وخضوع رموزه للمحاكمة".
وأكدت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات، لـ"العربي الجديد"، أن "أولويات المعارضة ما زالت كما هي، وسيصر وفدها على إنجاز الانتقال السياسي وفق القرارات الدولية، والذي يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات قبل الانتقال للتفاوض على السلال الأخرى".

وكانت مواقف متوالية للمعارضة السورية رفضت ما تمخض عن اجتماع "أستانة 4"، بالصيغة التي تروج لها روسيا وايران مشددة على وحدة الأراضي السورية ورفض أي شكل أو صيغة قد تؤدي إليه، إضافة إلى ضرورة أن تكون أية ترتيبات مؤقتة تخص وقف إطلاق النار في سياق حل سياسي شامل، يفضي في المحصلة إلى رحيل النظام. كما رفضت اعتبار مسار أستانة بديلاً عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، وهو يعتمد على القرارات الدولية. ومن غير المتوقع أن تشهد جولة جنيف السادسة اختراقات هامة على صعيد جوهر التفاوض، وهو الانتقال السياسي.



في هذا السياق، أكد رئيس النظام السوري بشار الأسد، أنه "لن يتخلى عن السلطة ولن يتنازل عن الرئاسة"، مشدّداً على أنه "لم يتعب". ووصف الأسد في تصريح للتلفزيون البلاروسي محادثات السلام في جنيف بأنها "مجرد لقاءات إعلامية، ولا يوجد أي شيء حقيقي في كل اللقاءات السابقة". واعتبر الأسد أن "عملية جنيف كانت تهدف بالأساس كي نذهب باتجاه تقديم تنازلات"، مشدّداً على أنه "لن أقدم أي تنازل لسبب بسيط، لأنني لا أمتلك الوطن، أي تنازلات على المستوى الوطني لا يملكها الرئيس، هذا بحاجة إلى قرار وطني، بحاجة إلى قرار شعبي، وهذا يكون من خلال الاستفتاء".

وفي مقابل تقليله من أهمية محادثات جنيف المسورة بقرارات دولية تدعو لانتقال سياسي للسلطة، رأى الأسد أن "الوضع في محادثات أستانة كان مختلفاً، لأن الحوار كان مع المسلحين الإرهابيين ولكن برعاية روسية، شاركت بها لاحقاً إيران وتركيا وبدأت تعطي نتائج من خلال أكثر من محاولة لوقف إطلاق النار، آخرها ما سمي مناطق تخفيف التصعيد أو تخفيف الأعمال القتالية". واعتبر أن "اتفاق مناطق تخفيف التصعيد يعطي فرصة للمسلحين لإلقاء السلاح والمصالحة مع الحكومة"، مؤكداً أن "هذه المناطق فكرة جيدة من حيث المبدأ" ويدعمها نظامه.

وشدّد الأسد، على أن قواته وروسيا "وبدعم إيران وحزب الله ستضرب أي تحرك للإرهابيين إذا حاولوا خرق اتفاق أستانة". ورأى أن "المبادرة فرصة لباقي المجموعات، التي تريد طرد الإرهابيين، خصوصاً من تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة من هذه المناطق".

في سياق آخر، خرجت تظاهرات عدة في سورية، أمس، ضد الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة السورية المسلحة، منددة بعمليات التهجير التي يقوم بها النظام في ظل اتفاق أستانة الأخير. وتحدثت مصادر لـ"العربي الجديد" عن انطلاق تظاهرة في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، طالب خلالها المتظاهرون، فصائل المعارضة السورية المسلحة بوقف الاقتتال الداخلي وتوجيه السلاح نحو جبهات القتال مع النظام السوري. كما طالب المتظاهرون الفصائل بالإفراج عن معتقلين في سجونها تم إلقاء القبض عليهم خلال الاقتتال بين فصيلي "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" المعارضين للنظام.

وفي الشأن نفسه، أفادت "تنسيقية مدينة دوما"، أن "نحو مائة طفل أقاموا وقفة تضامنية في مدينة دوما، ورفعوا لافتات للتضامن مع أطفال سورية، ونددوا بمواقف المجتمع الدولي تجاههم، كما طالبوا بوقف الاقتتال في الغوطة الشرقية المحاصرة".

في مدينة إدلب، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "تظاهرات عدة خرجت في وسط المدينة، ونادت بشعارات رفضاً لعمليات التهجير التي يقوم بها النظام السوري بحق المدنيين ومقاتلي المعارضة في المناطق التي يحاصرها، وآخرها حي برزة وحي تشرين في شرق دمشق". وأكد المتظاهرون على مطلبهم بضرورة اتحاد فصائل المعارضة في سبيل إسقاط النظام السوري، ورفضهم مشاريع التقسيم التي فرضها مؤتمر أستانة تحت اسم "تخفيف التصعيد".