المعارضة السورية ترفض عروض الاستسلام: حراك سياسي بلا نتيجة

04 ديسمبر 2016
حذر دي ميستورا من مذبحة شرقي حلب(كيريل كودريافيتسيف/فرانس برس)
+ الخط -



تشهد أروقة السياسة الدولية والإقليمية حراكاً سياسياً لا يهدأ حول الملف السوري، مع تحرك روسي واضح تجلى بلقاءات مع ممثلين عن المعارضة السورية ومسؤولين أميركيين وإيرانيين، فضلاً عن ترقب تصويت لمجلس الأمن الدولي على قرار لوقف إطلاق النار في حلب، في ظل تهويل أممي من مذبحة في شرق حلب، مقابل رفض المعارضة المسلحة الاستسلام أمام الحملة العنيفة للنظام السوري والمليشيات الحليفة له.

اجتماعات بلا نتائج

ولم تحقق اجتماعات متلاحقة في العاصمة التركية أنقرة على مدى نحو أسبوعين "اتفاقاً نهائياً" بين ممثلي أبرز الكتائب المعارضة المسلحة في شرق حلب، وبين ممثلين من وزارة الدفاع الروسية، في مسعى تركي لـ"تبريد الجبهات" في المدينة، وتخفيف مأساة عشرات آلاف المحاصرين. وأكدت مصادر رفيعة المستوى في المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعات أنقرة التي تجري، منذ أيام عدة، بين أبرز فصائل المعارضة المسلحة في حلب، وهي: الجبهة الشامية، وفيلق الشام، وجيش المجاهدين، وأحرار الشام، وبين ممثلين روس لم تصل إلى "اتفاق نهائي" حتى ظهر أمس السبت، مشيرة إلى أن نظام الأسد وإيران يقفان حجر عثرة أمام التوصل لتسوية للأوضاع في شرق المدينة.
وأشارت المصادر إلى أن التفاوض يجري برعاية تركية حول أربع نقاط تقدّم بها الطرف الروسي، هي: إيقاف القتال في شرقي من المعارضة والمليشيات وقوات النظام، وخروج مقاتلي جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً) من الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في شرق حلب، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لنحو 280 ألف مدني محاصر، ومنح الأحياء الشرقية "إدارة ذاتية" تحت إشراف المجلس المحلي التابع للمعارضة.
وكشفت المصادر أن نظام الأسد وحليفته إيران يرفضان بنود مشروع الاتفاق، ويصران على الحسم العسكري في حلب، ما أدى إلى تعثر عملية التفاوض وعدم التوصل إلى تسوية، مشيرة إلى أن إيران "تعمل بالضد من الإرادة الروسية في حلب"، مؤكدة أن المفاوضات "لم تنته بعد" مع الجانب الروسي.
وتحاول المعارضة السورية السياسية مواكبة ما يجري في البلاد، خصوصاً في مدينة حلب "حيث يحدد مصير شمال سورية"، وفق مصدر في المعارضة. وزار المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، أنقرة، منذ أيام، للتأكيد على موافقة المعارضة السياسية على المفاوضات التي تجريها الفصائل العسكرية مع الجانب الروسي. وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن محاولات تركية بذلت لعقد اجتماع بين حجاب ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أثناء وجودهما في تركيا الأربعاء الفائت، ولكن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح.
في موازاة ذلك، أكدت المعارضة المسلحة أنها لن تسلّم شرقي حلب للنظام. وقال زكريا ملاحفجي، رئيس المكتب السياسي لـ"تجمع فاستقم"، إنه سأل الفصائل وقالت إنها لن تستسلم. وأضاف أن القادة العسكريين في حلب قالوا إنه ليست هناك مشكلة مع "ممرات إنسانية لخروج المدنيين، لكن لن نترك مدينتنا".
ولم يعد خافياً وجود تباين بالرؤى بين روسيا وإيران حليفي نظام الأسد البارزين، إذ يحاول كل طرف السيطرة على القسم الأكبر من "الكعكة السورية"، وتأكيد النفوذ، خصوصاً في الشمال السوري المهم في استراتيجية الطرفين حيال مستقبل البلاد. ويملك الطرفان أذرعاً عسكرية على الأرض السورية تقاتل المعارضة المسلحة في ظل تلاشي جيش النظام واضمحلال دوره الفعال، فطهران تدير العديد من المليشيات الفاعلة في القتال ضد المعارضة، أبرزها حزب الله وحركة النجباء، في حين أن روسيا عملت، منذ تدخّلها المباشر، أواخر العام الماضي، على تشكيل ودعم مجموعات قتالية تنفذ الإرادة الروسية في سورية، منها اللواء 130-مشاة، ومليشيا "صقور الصحراء" التي تتلقى دعماً كاملاً من وزارة الدفاع الروسية.
ويبدو أن موسكو تحاول تليين الموقف الإيراني حيال اتفاق مع الفصائل المعارضة في حلب، مستفيدة من حاجة طهران إلى وقوف موسكو إلى جانبها في خصومة مرتقبة مع الغرب تتعلق بالاتفاق النووي المهدد بعد وصول إدارة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي هذا الصدد، وصل المبعوث الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، إلى العاصمة الإيرانية طهران، أمس السبت، في زيارة لم يكن معلناً عنها في وقت سابق، واجتمع بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، وبحث معه تطورات الملف السوري. ونقل موقع "تسنيم" أن لافرنتييف قدّم تقريراً خاصاً حول الوضع في سورية، كما بحثا معاً المسائل المتعلقة بإيصال المساعدات لبعض المناطق. وأكد المبعوث الروسي بحسب ذات الموقع أن موسكو تسعى لإيجاد حل لما يجري في سورية، كما تدعم المزيد من التنسيق الإقليمي للوقوف بوجه "الإرهاب"، فضلاً عن تأكيده على الدعم الروسي لاستمرار الاتفاق النووي بين إيران والغرب. فيما أكد الرئيس الإيراني أن التنسيق بين طهران وموسكو سيبقى مستمراً حتى تحقيق الهدف المرجو، ألا وهو "القضاء على الإرهاب من جذوره، وتحقيق أمن واستقرار المنطقة". كما رأى روحاني أن حل الصراع السوري لن يكون ممكناً من دون مفاوضات سياسية، ومن دون أخذ آراء الشعب السوري بعين الاعتبار، مؤكداً ضرورة الوقوف بوجه خطط تقسيم هذا البلد. كما التقى المسؤول الروسي بمستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي ونشرت بعض المواقع صوراً من هذا اللقاء، الذي جمع عدداً من الشخصيات على طاولة واحدة، وكان الملف السوري العنوان الأول للحوار.

شروط روسية
ولا يزال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وهو في الأيام الأخيرة من منصبه، يأمل بإحداث اختراق في جدار الرفض الروسي من شأنه دفع الجهود السياسية لإيجاد تسوية كاملة في سورية إلى الإمام. والتقى كيري، الجمعة، في العاصمة الإيطالية روما مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، مشيراً إلى أن "كل الدبلوماسية لا تزال على قيد الحياة" في التعامل مع الملف السوري.
فيما ذكر لافروف، أمس السبت، في مؤتمر صحافي عقده بنظيره الياباني فوميو كيشيدا، أن كيري "قدّم حزمة من المقترحات بخصوص سورية تنسجم مع المواقف التي يتمسك بها الخبراء الروس"، معرباً عن جاهزية بلاده لإرسال دبلوماسيّيها وخبرائها العسكريين إلى جنيف في أي وقت لاستئناف المشاورات مع الجانب الأميركي بشأن تسوية الوضع في حلب.



وعاد لافروف للحديث عن خروج جميع فصائل المعارضة السورية من شرقي بخلاف التفاهمات التي يُعمل عليها في أنقرة برعاية تركية، إذ أشار إلى أنه "يجب أن تضمن هذه الخطوات المنسقة مع الجانب الأميركي انسحاب جميع المسلحين، من دون استثناء، من شرق حلب". وهو الأمر الذي ينسف "مشاورات أنقرة" مع الفصائل العسكرية في حلب التي تصر على البقاء في شرقي حلب، وترفض تسليم الأحياء التي تسيطر عليها لمليشيات طائفية قد تقدم على ارتكاب مجازر بحق عشرات آلاف المدنيين.
كما تدرك المعارضة أن توقيع أي اتفاق يخرجها من حلب هو بمثابة "عقد استسلام"، في ظل معطيات ميدانية تحول دون قيامها بأعمال عسكرية مستقبلية تعيدها إلى المدينة الأكبر في الشمال السوري، ومن ثم تفقد أهم مناطق نفوذها في سورية، ما يضعف موقفها في التسوية النهائية لمستقبل البلاد.

تهويل أممي
على الصعيد ذاته، حاول الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، رفع سقف "التهويل الأممي" من "مذبحة" في شرقي حلب للضغط النفسي على المعارضة السورية المسلحة من أجل الرضوخ أمام دعوات خروجها من شرقي لتجنيب المدنيين المزيد من المجازر، في محاولة متأخرة لـ"إبراء" ذمة "الأمم المتحدة" حيال مذبحة تقع بالفعل يومياً في مدينة حلب بحق مدنيين على يد قوات النظام والمليشيات وقبل ذلك بقصف الطيران الروسي.
وقال دي ميستورا في مداخلة له أمس أمام مؤتمر عُقد في العاصمة الإيطالية روما حول الحرب في سورية، إنه يأمل في التوصل إلى "صيغة ما" لتجنّب "معركة رهيبة" في حلب. واعتبر أن المعركة للسيطرة على حلب لن تستمر لمدة أطول من ذلك، مضيفاً: "الحقيقة هي أن حلب لن تصمد طويلاً". وتابع: "كنت أشعر أنها ستكون معركة رهيبة ستنتهي بحلول احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة. أتمنى ألا تقع المعركة وأن تكون هناك صيغة ما".
واعتبر أن "الوقت حان الآن للبدء بمفاوضات فعلية". وأضاف متوجهاً بالحديث إلى الأسد: "اتصل بالأمم المتحدة لتقول: أنا مستعد لحكم انتقالي، لمفاوضات فعلية". واعتبر أن الانتصار العسكري الذي ترتسم ملامحه في حلب قد يدفع النظام السوري إلى القول "لقد كسبنا الحرب ولم نعد نحتاج بالتالي إلى مفاوضات"، مضيفاً "آمل ألا يحصل ذلك" لأنه لن يحل شيئاً. وجدد دعوة "روسيا وإيران" إلى استخدام "نفوذهما" لإقناع النظام بالتفاوض جدياً، منبهاً إلى أن "البديل يمكن أن يكون نهاية الحرب، ولكن بداية حرب عصابات رهيبة من دون أي إعادة إعمار". وأكد أن هذه المفاوضات ينبغي أن تشمل "تقاسماً للسلطة" محذراً من أي تقسيم لسورية. وكان دي ميستورا طرح مقترح منح أحياء شرقي حلب إدارة ذاتية في زيارة إلى دمشق منذ أيام، إلا أنه خرج من اجتماع مع وزير خارجية النظام، وليد المعلم، خالي الوفاض بسبب رفض الأخير للمقترح الأممي. وفي المؤتمر ذاته، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إنها مقتنعة أن سقوط المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة من حلب في يد النظام لن ينهي الحرب في سورية.
وعلى صعيد الحراك الدبلوماسي الذي لا يكاد يهدأ من أجل إيجاد مخارج للوضع المعقد في حلب، من المنتظر أن يصوت مجلس الأمن، غداً الإثنين، على مشروع قرار مصري نيوزيلندي إسباني مشترك لوقف إطلاق النار في حلب لمدة أسبوع قابلة للتمديد، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية العاجلة. ولم يتضح الموقف الروسي حيال مشروع القرار، ولكن من المرجح ألا تسمح موسكو بتمريره في حال فشل المفاوضات مع المعارضة السورية المسلحة في أنقرة.
وكانت روسيا أجهضت باستخدام حق النقض (الفيتو) في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي مشروع قرار فرنسياً يتضمن دعوة لوقف إطلاق النار في حلب وفرض حظر للطيران في المدينة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب.
ومن المفترض أن تستضيف باريس اجتماعاً دعت إليه الخارجية الفرنسية في العاشر من الشهر الحالي يضم وزراء خارجية دول أوروبية وعربية والولايات المتحدة، "تدعم حلاً سياسياً في سورية، وترفض منطق الحرب الشاملة"، وفق وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت.
في غضون ذلك، أنهت الهيئة العليا للمفاوضات اجتماعات "دورية" في الرياض، في الوقت الذي أوضح فيه نائب رئيس الائتلاف الوطني عبدالأحد اسطيفو أن "الحملة العسكرية التي يقودها نظام الأسد وروسيا والمليشيات الإيرانية فشلت في تحقيق أهدافها بالسيطرة على مدينة حلب، على الرغم من جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق المدنيين"، وفق بيان. وقال اسطيفو إن ما يحدث في سورية من جرائم هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، مضيفاً أن "النظام وروسيا وإيران لم يحققوا ما بدأوا من أجله في حلب، وأن روسيا اليوم في ورطة تريد الخروج منها".
وأشار اسطيفو إلى أنه بات هناك حاجة ماسة لاستئناف العملية السياسية من خلال المفاوضات في جنيف، وتطبيق القرارات الأممية وعلى رأسها البنود الإنسانية التي تدعو إلى وقف القصف ورفع الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة وإيصال المساعدات إلى المحاصرين، وإطلاق سراح المعتقلين.