04 نوفمبر 2024
المظاهرات ضد ترامب.. أي رسالة؟
تحمل الاحتجاجات الفريدة التي خرجت في مدن أميركية، فور إعلان فوز دونالد ترامب بانتخابات رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، رسائل كثيرة موجهة إلى إدارة البلاد وإلى ترامب نفسه، علاوةً على الرسائل الموجهة ضد نظام الانتخاب غير القويم والمتناقض بحد ذاته، فلم يسجل من قبلُ خروج الاحتجاجات ضد الرئيس المنتخب فور إعلان نتائج التصويت، وقبل جلوسه على عرش البيت الأبيض، وحتى قبل طرحه برنامج عمله. لكن، مع ترامب، تختلط جميع الملفات، بسبب ما شكله خطابه من حالة انقسام داخل المجتمع الأميركي، فربما تكون هذه الاحتجاجات محاولة لمنع تكرُّس هذه الحالة، مع تكرُّس ترامب رئيساً.
وإضافة إلى التحركّات المسجلة، لوحِظَ أنه لم يسبق أن عنونت الصحف الأميركية صفحاتها بهذا الكم من العناوين اللافتة التي تعكس رأيها الخاص ورأي الشارع، وتُجاهر بالاحتجاج على فوز ترامب، حاملةً تعابير الإحباط الشديد بسبب نتائج تصويت 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، الذي سيصبح اليوم الذي تلاه تاريخياً، لما سجّل فيه من تناقض وانقسام في المجتمع الأميركي حول صورة هذا الرجل الذي لا يتوقع منه سوى جلب الفوضى إلى البلاد، وربما جلب الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، فهذه الاحتجاجات والمظاهرات، وذلك الرفض، قد يتطوران إلى أشكال أخرى من الاحتجاجات، تنتشر بين قطاعات المجتمع، وتصل إلى درجةٍ لا يعرف مداها.
من المرجح أن الشعب الأميركي واقع تحت هاجس الخوف من الاضطرابات التي تعاني منها دول كثيرة في أكثر من منطقة. وظل قادة البيت الأبيض يعتقدون أنهم سيبقون في مأمنٍ من نيرانها، فكانوا لا يعيرونها الاهتمام الذي يمنع انتشارها. فعرف أبناؤها أن أي شرارة يمكن أن تنقل النيران إلى داخل بلادهم. ولا بد أنهم رأوا أن خطاب ترامب في أثناء حملته الانتخابية
يمكن أن يكون القادح لتلك الشرارة، كونه أوجد من خلاله مقدِّمات انقسام في المجتمع الأميركي، وعمل على تعزيز ذلك الانقسام ونموه، حين لم يتراجع عن خطابه الذي خرجت مظاهرات مبكِّرة ضده في شيكاغو، أواخر يونيو/ حزيران من العام الماضي، أي بعد أيام من إعلانه الترشح للرئاسة، واستمرت حتى بعد إعلان فوزه.
يبدو أن وعياً قد عاد إلى أبناء الشعب الأميركي، حين رأوا حالة الشذوذ التي طبعت الحملة الانتخابية للمرشح تقترب إلى التحقق رئيساً يحكمهم من المركز الذي يعتبرونه أحد رموز أمتهم. كما رأوا فقدان مجتمعهم المنعة التي توقف انسياقه مع الخطاب الشعبوي المهلك. وليس غريباً، والحالة هذه، إطلاقهم تعبير "البيت الأبيض، منزل الرعب"، حين اقترب ترامب من الدخول إليه. وهو تعبير انتشر فور إعلان نتائج الانتخابات، مع تعابير أخرى من قَبيل "انقسام المجتمع الأميركي" و"الخوف" وغيرهما. لذلك، كان لا بد من هذه الاحتجاجات والمظاهرات لمواجهة الشذوذ، مع أمل تحقيق بعض المطالب، مع استحالة إعادة الانتخابات، أو الإتيان بقرار يمنع تبوؤ ترامب منصب الرئيس.
وخلال الأيام التي تلت إعلان النتائج، يمكن القول إن الاحتجاج بقي متواصلاً مدار الساعة، فلم تبقَ ولاية أميركية أو مدينة كبيرة لم تشهد حالات احتجاج، وصلت كذلك إلى أعرق الجامعات. وحيث إن الاحتجاجات ليست جديدةً، فهي لم تتوقف منذ إعلان ترامب الترشح العام الماضي، إلا أنها اكتسبت زخماً أكبر بعد إعلان فوزه، وأخذت شعاراتها تصبح منهجاً للعمل، لا مجال لتحقيق مكاسب من دون انتهاجه. فشعار "إلقاء ترامب بعيداً" الذي كان صرخةً أطلقها أعضاءٌ في الحزب الجمهوري في أثناء السباق الانتخابي، مطالبين فيها بقطع الصلات مع ترامب، عاد ورُفع من جديد، بعد إعلان النتائج، لكن على المستوى الوطني هذه المرة. كما رُفِع شعار "شيِّد جسوراً لا جُدُراً فاصلة"، رداً على دعوة ترامب إلى بناء جدار على الحدود مع المكسيك، لمنع تدفق المهاجرين من أميركا اللاتينية، وهي الفكرة التي أصرّ أحد مستشاري ترامب على أنها ستتحقق. لكن، وبما أن بناء الجدار غير ممكن عملياً، لصعوبة تأمين التمويل اللازم وللفترة التي سيستغرقها إنجازه، غير أن المتظاهرين أصرّوا على دفع ترامب إلى وقف تداول الفكرة، لكي لا تترسخ جداراً في النفوس، إن هو عجز عن تحقيقها على الأرض.
ومن أهداف الحراك جعل الناس يرون أن الخطاب الذي يحضّ على العنف تجاه الملونين والمهاجرين وغيرهم لن يَمر. كما أن هنالك هدفا آخر، وهو إيجاد حالةٍ من عدم الاستقرار السياسي، لمنع ترامب من تنفيذ سياسته، طوال الأشهر الأولى من مزاولته مهامه، ومن المهم جعل الجميع يعرف غرض حالة عدم الاستقرار هذه، من أجل رفع مستوى الوعي لديهم. كما أن الحراك يهدف إلى جعل ترامب يتراجع عن كل المقولات الخلافية التي كان يروّجها، والنابعة من خطاب الكراهية الذي لم يفارق كلماته طوال فترة حملته الانتخابية.
ومن الشعارات اللافتة التي رفعت في أثناء الاحتجاجات، كان شعار "ليس رئيسي"، ففكرة أن ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية لا تروق للمحتجين. وكتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي يقولون: لا لترامب، ولا لأي رئيس يعمل على اللعب على مخاوفنا ويكذب علينا، ولا للرئيس الذي سيحرّم دخول المسلمين"، والذي ينعت المكسيكيين بالمغتصبين، بينما هو نفسه يروّج ثقافة الاغتصاب، وتدمير البيئات الاجتماعية.
تبيّن لدى المواطنين الأميركيين حجم الورطة التي دخلت فيها بلادهم مع فوز ترامب، لكن التعجيل في تعزيز هذه الورطة لن يوقفه سوى استمرار الاحتجاجات التي خرجت مبكّرةً ضد ترامب، ولم تنتظر وصوله إلى كرسي البيت الأبيض، حتى تتفاعل أكثر، فالرسالة القوية التي يصرّ المحتجون على إيصالها أن ترامب مرفوضٌ شعبياً، وإن تعذّر عليهم منعه من مزاولته عمله رئيساً، فلن يتوقفوا حتى ينكر كل القضايا الخلافية التي بَشَّر بها، والتي لمس الشعب مدى خطورتها على كيانه، حيث يمكن أن تترسخ فكراً، في حال عجزت عن الترسخ فعلاً.
وإضافة إلى التحركّات المسجلة، لوحِظَ أنه لم يسبق أن عنونت الصحف الأميركية صفحاتها بهذا الكم من العناوين اللافتة التي تعكس رأيها الخاص ورأي الشارع، وتُجاهر بالاحتجاج على فوز ترامب، حاملةً تعابير الإحباط الشديد بسبب نتائج تصويت 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، الذي سيصبح اليوم الذي تلاه تاريخياً، لما سجّل فيه من تناقض وانقسام في المجتمع الأميركي حول صورة هذا الرجل الذي لا يتوقع منه سوى جلب الفوضى إلى البلاد، وربما جلب الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، فهذه الاحتجاجات والمظاهرات، وذلك الرفض، قد يتطوران إلى أشكال أخرى من الاحتجاجات، تنتشر بين قطاعات المجتمع، وتصل إلى درجةٍ لا يعرف مداها.
من المرجح أن الشعب الأميركي واقع تحت هاجس الخوف من الاضطرابات التي تعاني منها دول كثيرة في أكثر من منطقة. وظل قادة البيت الأبيض يعتقدون أنهم سيبقون في مأمنٍ من نيرانها، فكانوا لا يعيرونها الاهتمام الذي يمنع انتشارها. فعرف أبناؤها أن أي شرارة يمكن أن تنقل النيران إلى داخل بلادهم. ولا بد أنهم رأوا أن خطاب ترامب في أثناء حملته الانتخابية
يبدو أن وعياً قد عاد إلى أبناء الشعب الأميركي، حين رأوا حالة الشذوذ التي طبعت الحملة الانتخابية للمرشح تقترب إلى التحقق رئيساً يحكمهم من المركز الذي يعتبرونه أحد رموز أمتهم. كما رأوا فقدان مجتمعهم المنعة التي توقف انسياقه مع الخطاب الشعبوي المهلك. وليس غريباً، والحالة هذه، إطلاقهم تعبير "البيت الأبيض، منزل الرعب"، حين اقترب ترامب من الدخول إليه. وهو تعبير انتشر فور إعلان نتائج الانتخابات، مع تعابير أخرى من قَبيل "انقسام المجتمع الأميركي" و"الخوف" وغيرهما. لذلك، كان لا بد من هذه الاحتجاجات والمظاهرات لمواجهة الشذوذ، مع أمل تحقيق بعض المطالب، مع استحالة إعادة الانتخابات، أو الإتيان بقرار يمنع تبوؤ ترامب منصب الرئيس.
وخلال الأيام التي تلت إعلان النتائج، يمكن القول إن الاحتجاج بقي متواصلاً مدار الساعة، فلم تبقَ ولاية أميركية أو مدينة كبيرة لم تشهد حالات احتجاج، وصلت كذلك إلى أعرق الجامعات. وحيث إن الاحتجاجات ليست جديدةً، فهي لم تتوقف منذ إعلان ترامب الترشح العام الماضي، إلا أنها اكتسبت زخماً أكبر بعد إعلان فوزه، وأخذت شعاراتها تصبح منهجاً للعمل، لا مجال لتحقيق مكاسب من دون انتهاجه. فشعار "إلقاء ترامب بعيداً" الذي كان صرخةً أطلقها أعضاءٌ في الحزب الجمهوري في أثناء السباق الانتخابي، مطالبين فيها بقطع الصلات مع ترامب، عاد ورُفع من جديد، بعد إعلان النتائج، لكن على المستوى الوطني هذه المرة. كما رُفِع شعار "شيِّد جسوراً لا جُدُراً فاصلة"، رداً على دعوة ترامب إلى بناء جدار على الحدود مع المكسيك، لمنع تدفق المهاجرين من أميركا اللاتينية، وهي الفكرة التي أصرّ أحد مستشاري ترامب على أنها ستتحقق. لكن، وبما أن بناء الجدار غير ممكن عملياً، لصعوبة تأمين التمويل اللازم وللفترة التي سيستغرقها إنجازه، غير أن المتظاهرين أصرّوا على دفع ترامب إلى وقف تداول الفكرة، لكي لا تترسخ جداراً في النفوس، إن هو عجز عن تحقيقها على الأرض.
ومن أهداف الحراك جعل الناس يرون أن الخطاب الذي يحضّ على العنف تجاه الملونين والمهاجرين وغيرهم لن يَمر. كما أن هنالك هدفا آخر، وهو إيجاد حالةٍ من عدم الاستقرار السياسي، لمنع ترامب من تنفيذ سياسته، طوال الأشهر الأولى من مزاولته مهامه، ومن المهم جعل الجميع يعرف غرض حالة عدم الاستقرار هذه، من أجل رفع مستوى الوعي لديهم. كما أن الحراك يهدف إلى جعل ترامب يتراجع عن كل المقولات الخلافية التي كان يروّجها، والنابعة من خطاب الكراهية الذي لم يفارق كلماته طوال فترة حملته الانتخابية.
ومن الشعارات اللافتة التي رفعت في أثناء الاحتجاجات، كان شعار "ليس رئيسي"، ففكرة أن ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية لا تروق للمحتجين. وكتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي يقولون: لا لترامب، ولا لأي رئيس يعمل على اللعب على مخاوفنا ويكذب علينا، ولا للرئيس الذي سيحرّم دخول المسلمين"، والذي ينعت المكسيكيين بالمغتصبين، بينما هو نفسه يروّج ثقافة الاغتصاب، وتدمير البيئات الاجتماعية.
تبيّن لدى المواطنين الأميركيين حجم الورطة التي دخلت فيها بلادهم مع فوز ترامب، لكن التعجيل في تعزيز هذه الورطة لن يوقفه سوى استمرار الاحتجاجات التي خرجت مبكّرةً ضد ترامب، ولم تنتظر وصوله إلى كرسي البيت الأبيض، حتى تتفاعل أكثر، فالرسالة القوية التي يصرّ المحتجون على إيصالها أن ترامب مرفوضٌ شعبياً، وإن تعذّر عليهم منعه من مزاولته عمله رئيساً، فلن يتوقفوا حتى ينكر كل القضايا الخلافية التي بَشَّر بها، والتي لمس الشعب مدى خطورتها على كيانه، حيث يمكن أن تترسخ فكراً، في حال عجزت عن الترسخ فعلاً.