في مثل هذه الأيّام، تبدأ الإنفلونزا ونزلات البرد بالانتشار على نطاق واسع. فيتهافت كثيرون منّا، بمجرّد شعورهم بأحد أعراض تلك الحالتَين الصحيّتَين، إلى الصيدليّات والهدف واحد: الاستحصال على مضادات حيويّة. بالنسبة إلينا، بمعظمنا، فإنّ علاج الإنفلونزا أو نزلات البرد لا يمكن أن يكون إلّا بتلك المضادات، وكلّ دواء غير ذلك هو مجرّد "إضاعة للوقت" و"إطالة لأمد المرض". ونَصِف لأنفسنا ما سبق أن تناولناه في مرّة سابقة أو ما ينصحنا به الجيران أو ما يُتداول اسمه في السوق، فيما نطلب مشورة الصيدلانيّ في مرّات.
لا يتردّد الصيادلة عموماً في بيع المضادات الحيويّة لمن يطلبها، فهي لا تستجوب وصفة طبيّة في لبنان، كما هي الحال في بلدان كثيرة ومنها ما يُعَدّ "متقدّماً" حتى لا نظنّ أنّ الأمر محصور في تلك "المتخلّفة". ومن بين هؤلاء مَن يحاول إقناع الشاري بنوع بدلاً من آخر، أمّا السبب فهو إمّا المردود الماديّ وإمّا لاقتناعه بأنّ ما ينصح به أفضل من غيره. لكنّ ثمّة صيادلة يصرّون على إقناع الزبون بأنّ المضادات الحيويّة ليست مفيدة لحالته، الإنفلونزا أو نزلة البرد، ويصفون له بالتالي بدائل من شأنها التخفيف من أعراض مصابه وألمه وانزعاجه.
في هذا السياق، أصدرت منظّمة الصحّة العالميّة قبل أيّام منشوراً مصوّراً مختصراً تطالب من خلاله الناس بالأخذ بنصيحة متخصّص صحيّ مؤهّل قبل تناول مضاد حيويّ، دائماً. وتذكّر بأنّ هذا النوع من الأدوية لا يفيد أيّ عدوى فيروسيّة، من قبيل الإنفلونزا ونزلات البرد، لا بل هو يُستخدم في علاج عدوى جرثوميّة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تشير المنظّمة إلى الالتهاب الرئويّ أو التهاب المسالك البوليّة أو مرض الزهري (سفلس) أو التراخوما أو السلّ.
تجدر الإشارة إلى أنّ منظّمة الصحّة العالميّة وكذلك وزارات الصحّة حول العالم تنظّم حملات مختلفة على الصعيد الدوليّ كما على الصعد المحليّة، بهدف التوعية حول المضادات الحيويّة ومخاطرها والتشديد على ضرورة عدم استهلاكها كيفما اتّفق. يُذكر أنّ المنظّمة أقامت في خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي المنصرم أسبوعاً خاصاً في هذا الإطار، أتى هذا العام تحت عنوان "مستقبل المضادات الحيويّة مرهون بنا جميعاً".
أن يكون الأمر مرهوناً بنا جميعاً يعني كذلك الأطبّاء. فكثر هم الذين يصفون مضادات حيويّة لمرضاهم، عشوائيّاً. بذلك يحمّلون أنفسهم مسؤوليّة كبيرة، ألا وهي تعريض هؤلاء المرضى للخطر من خلال احتمال تشكيلهم مقاومة لأنواع معيّنة من المضادات الحيويّة، وبالتالي عدم الاستفادة منها عند الحاجة الحقيقيّة إليها، ما يعني تهديداً لحياتهم. من دون أن ينطوي الأمر على أيّ تبرير للأطبّاء، غير أنّ هؤلاء يخضعون في أحيان كثيرة إلى ضغوطات من قبل مرضاهم الذين لا يقتنعون إلا بتلك الأدوية. ثقافة المضادات الحيويّة هي السائدة في مجتمعاتنا، ويبدو الطريق طويلاً قبل تحقيق تغيير ما.