المضادات الحيوية... لا تستخدموها من دون وصفة طبية

29 نوفمبر 2017
حذار من ضررها إذا لم تكن لازمة (جو رايدل/Getty)
+ الخط -

"احرصوا على طلب المشورة من أحد مهنيّي الرعاية الصحيّة المؤهلين قبل استخدام المضادات الحيوية". شعار الأسبوع العالمي لترشيد استخدام المضادات الحيوية هذا العام، فيأتي نداء وزيرَي الصحّة العامة والزراعة في لبنان في السياق.

اعتاد اللبنانيّون لعب دور الطبيب والصيدليّ، إذ يصفون الدواء لأنفسهم ولغيرهم من أهل وجيران وزملاء عمل وكذلك من أشخاص قد يصادفونهم في متجر أو في مناسبة اجتماعيّة. المضادات الحيويّة أو الأنتيبيوتيك (بحسب ما هو شائع) من تلك الأدوية التي يتهافتون عليها كلّما يشعرون بوخز بسيط في حناجرهم أو بزكام خفيف. والصيادلة للأسف يتجاوبون مع هؤلاء، فيلبّون طلباتهم فيما يبيعونهم أحياناً أنواعاً مختلفة من الأنتيبيوتيك من دون أن يعرفوا طبيعة حالاتهم المرضيّة. في الأساس، هذه ليست مهمّة الصيدليّ، لكن ما من قانون ينظّم ذلك.

"الأنتيبيوتيك.. بفيد عند اللزوم وبضرّ إذا ما إلو لزوم!". لذا كان لا بدّ من نداء تطلقه وزارة الصحة العامة ووزارة الزراعة في لبنان، بمناسبة الأسبوع العالمي لترشيد استخدام المضادات الحيويّة، مفاده أنّ "سوء الاستخدام يخفّف من فاعليّته.. استشيروا الطبيب".

ولأنّ العشوائيّة في تناول المضادات الحيويّة تؤدّي إلى مقاومة الجراثيم لتلك المضادات، فنحن أمام "مشكلة عالميّة" بحسب ما أكّدت رئيسة مصلحة الأمراض الانتقاليّة في وزارة الصحّة العامة، الدكتورة عاتكة برّي، وهي رئيسة اللجنة الوطنيّة لترشيد استخدام المضادات الحيويّة. وقد وصفت "مقاومة الأحياء المجهريّة للأدوية بالقنبلة الموقوتة"، لا سيّما أنّ "أكثر من نصف مليون شخص يموتون سنوياً نتيجة ذلك، ومن المتوقّع أن يبلغ العدد 10 ملايين بحلول عام 2050". وأشارت برّي إلى ما تسمّيه "نقطة مظلمة في التاريخ البشريّ، وهي استخدام المضادات الحيويّة لتغذية الدواجن في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأميركيّة على أثر تناقص في الثروة الحيوانيّة". وهو أمر مستمرّ حتى يومنا هذا، وغير محصور ببقعة جغرافيّة معيّنة.

تجدر الإشارة إلى أنّ من أبرز إنجازات اللجنة الوطنيّة لترشيد استخدام المضادات الحيويّة التي تأسّست في عام 2009 وأعيد تفعيلها في عام 2014، قراراً وزارياً وُضِع في عام 2016 يمنع صرف المضادات الحيويّة من دون وصفة طبيّة. لكنّ القرار لم يُفعَّل للأسف حتى هذا اليوم.


من جهته، تحدّث رئيس الجمعيّة اللبنانيّة للأمراض المعدية والجرثوميّة، الدكتور زاهي حلو، عن "أكثر من مليونَي شخص يصابون سنوياً ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيويّة، الأمر الذي يمثّل أخطاراً مميتة". ولفت كذلك إلى أنّ "تكلفة هذه الحالات مرتفعة جداً على الصعيد الماديّ، إذ تتخطّى عالمياً مليار دولار أميركيّ في السنة". وإذ يؤكّد أنّ "50 في المائة من المضادات الحيويّة التي تُستخدم سنوياً غير ضروريّة وفي غير محلّها"، يدعو إلى استخدامها بعناية وبحسب وصفة من طبيب بالإضافة إلى احترام المدّة الضروريّة للعلاج وعدد الجرعات اليوميّة. ويحذّر من أنّ "جميعنا في خطر، لذا يجب ألّا نقف مكتوفي الأيدي".

في السياق، شدّدت ممثّلة منظمة الصحة العالميّة في لبنان، الدكتورة غابرييل ريدنر، على أنّ "إقناع الناس باستخدام المضادات الحيويّة بالطريقة المناسبة وخلال المدّة اللازمة، هو مسؤوليّتنا جميعاً"، مشيرة إلى أنّه وبحسب بيانات المنظمة "أكثر من نصف الأدوية توصَف وتوزَّع وتُباع بطريقة غير ملائمة، ونصف المرضى لا يتناولونها بطريقة صحيحة". وأكّدت ريدنر أنّ "سوء استخدام المضادات الحيويّة يهدّد علاج مرضى كثيرين، لا سيّما المصابين بالسرطان والأطفال الخدّج وغيرهم".

إلى هؤلاء، عرضت رئيسة دائرة تربية وإنتاج الدواجن والطيور في وزارة الزراعة، المهندسة عبير سيروان، نتائج عيّنات غذائيّة لا سيّما من اللحوم والبيض والحليب التي تحوي ترسّبات مضادات حيويّة من جرّاء الاستخدام العشوائيّ، مؤكّدة أهميّة اعتماد استراتيجيّة للحدّ من ذلك الاستخدام العشوائيّ للمضادات الحيويّة في تربية المجترّات والدواجن، إذ من شأن ذلك أن يؤثّر سلباً على صحّة الحيوان والإنسان على حدّ سواء. ودعت سيروان إلى "عدم استخدام تلك المضادات الحيويّة من دون وصفة طبيب بيطريّ، فهو الوحيد القادر على اختيار المناسب منها والمسجّل في وزارة الزراعة". وإذ قالت بضرورة "تحصين الحيوانات باللقاحات اللازمة بإشراف بيطريّ"، شدّدت على "عدم استخدام المضادات الحيويّة كمحفّز للنموّ وعدم استخدام المضاد الحيويّ الخام أو بيورات".

عيّنة من بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية (خورخي ديركس/ فرانس برس)


في كلمته، شدّد وزير الزراعة غازي زعيتر على أنّ "سلامة الغذاء من أهمّ الملفّات التي تستدعي تعاون كلّ الإدارات المختصّة. وعندما نقول سلامة الغذاء نعني منتجاً سليماً وخالياً من أيّ ملوّثات أو ترسّبات قد تهدّد الصحة العامة". ولفت إلى أنّ كثيرين من "مربّي المجترّات والدواجن قد يلجأون إلى استخدام المضادات الحيويّة كمحفّز نموّ وكواقٍ من الأمراض الحيوانيّة. لكنّ استخدامها بطريقة عشوائيّة وعدم ملاحظة فترة السحب أو فترة الأمان قبل ذبح الحيوان قد يؤدّيان إلى ظهور بكتيريا مقاومة لتلك المضادات الحيويّة في الحيوان والإنسان تهدّد بالتالي الصحة الحيوانيّة والصحة العامة". وتحدّث زعيتر عن إجراءات اتّخذتها وزارته في هذا السياق، ومنها "تنظيم حملة توعية لمربّي الحيوانات بهدف ترشيد استخدام المضادات الحيويّة، بالتعاون مع وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالميّة، وكذلك إجراء مسح وأخذ عيّنات عشوائيّة من المسالخ والأسواق لفحص ترسّبات تلك المضادات بالتعاون مع الهيئة اللبنانيّة للطاقة الذريّة، بالإضافة إلى إصدار قرارات لتنظيم واستيراد الدواء واللقاح البيطريَّين وترشيد استخدامهما".

وفي إعلانه عن إطلاق نداء ترشيد استخدام المضادات الحيويّة، قال نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة، غسان حاصباني، إنّ خطوة وزارتَي الصحة العامة والزراعة بالتعاون مع منظمة الصحة العالميّة وبالتنسيق مع الجمعيّة اللبنانيّة للأمراض الجرثوميّة تأتي على خلفيّة "جهل كبير خصوصاً لدى المواطنين، لمخاطر سوء استخدام المضادات الحيويّة، ما يحدّ من فاعليّتها ويمثّل خطراً يلامس حدّ الموت أحياناً". وشرح حاصباني أنّ "مقاومة الجراثيم للمضادات الحيويّة تزيد تكاليف الرعاية الصحيّة المقدّمة إلى المرضى، لا سيّما أنّها تتطلّب إجراء اختبارات إضافيّة واستخدام أدوية أكثر كلفة، بالإضافة إلى أنّها قد تتسبّب في استغراق المرض فترة أطول، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تدهور وضع المريض الصحيّ وارتفاع خطر الوفاة. إلى ذلك قد ترفع نسبة انتشار المرض بين أشخاص آخرين". وشدّد على أنّ "مقاومة المضادات الحيويّة سوف تظلّ تهديداً كبيراً، ما لم تتغيّر سلوكيات استخدام تلك الأدوية".

وطالب حاصباني "الصيادلة بالامتناع عن صرف المضادات الحيويّة من دون وصفة طبيّة". هنا، نجد أنفسنا نوجّه سؤالاً إلى الوزير حاصباني والوزير زعيتر والجهات المعنيّة: كيف يمكن ذلك من دون تفعيل للقرار الآنف ذكره الذي يُعَدّ واحداً من أبرز إنجازات اللجنة الوطنيّة لترشيد استخدام المضادات الحيويّة في عام 2016؟

المساهمون