وينافس مرشح العسكر، الذي أطاح الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز من العام الماضي، مرشحاً مدنياً وحيداً، هو مؤسس التيار الشعبي، حمدين صباحي، الذي يحظى بدعم محدود من بعض الشباب والقوى السياسية ويؤخذ عليه تصريحات سابقة قال فيها إنه سيؤيد الجنرال العسكري إذا ترشح.
وعلى الرغم من الاستقالات الجماعية الأخيرة في حملة صباحي، سواء بسبب تحالفه مع أعضاء في الحزب الوطني المنحل، أو بسبب الشريط المصوّر المنسوب لابنته سلمى، التي تهدد فيه حملة السيسي إذا انسحب والدها من المشهد، إلا أن صباحي وحملته مستمران في "المسرحية"، لأنهما لم يعودا يمتلكان رفاهية الانسحاب من المشهد، بحسب مراقبين.
وتحاول حملة صباحي الترويج لفكرة المشاركة في الانتخابات، والتخلي عن المقاطعة التي أعلنت عنها فئات كبيرة من المجتمع المصري، ولا سيما الشباب والقطاعات الثورية، بحجة أن "المقاطعة تعد تصويتاً سلبياً للسيسي الذي سيعيد دولة (حسني) مبارك".
في المقابل، بدا أنصار السيسي وكأنهم يحتفلون مبكراً بفوز قائد الانقلاب المرتقب. أغانٍ هنا وهناك، تهتف باسم الرئيس المقبل، وإعلانات ودعايات تغرق الشوارع والميادين المصرية. الأمر الذي دعا أحد المواطنين إلى التعليق ساخراً "كوبري صور السيسي... أكتوبر سابقاً"، إذ لا يوجد عمود إضاءة واحد على كوبري أكتوبر، أطول كباري القاهرة، الذي يربطها بمحافظة الجيزة، لم يسلم من صورة السيسي.
وعلى وقع مقولات عدم التأثير على صوت الناخب المصري و"الصمت الانتخابي"، الذي دخلته البلاد ليل أمس السبت، بحجة "خلق مناخ هادئ يسمح للناخب باتخاذ القرار الصائب، من دون التعرض لتأثير مباشر من قبل المرشحين وحملاتهم الانتخابية"، كانت القنوات الفضائية المصرية الخاصة لا تزال تتنافس في تقديم فروض الولاء والطاعة للرئيس المقبل. وأفردت للسيسي حوارات وساعات بث مفتوحة، باعتبارها ذراعاً من أذرعه.
عدلي منصور يحثّ على المشاركة
أما الرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، فجاء خطابه اليوم، لحث المصريين على التوجه إلى الانتخابات الرئاسية.
وبدا كلام منصور مجافياً تماماً للحقيقة، عندما ذكر في كلمته أن "إقبال المصريين في الخارج على التصويت كان أكثر من أي وقت مضى في تاريخ مصر المعاصر، وأنه عبّر عن أدائهم الأمانة تجاه وطنهم الأم".
فقد أثبتت الأرقام الرسمية التي أعلنتها اللجنة العامة لاقتراع المصريين في الخارج أن عدد من أدلوا بأصواتهم 318 ألفاً و825 ناخباً فقط، بنسبة 0.59 في المئة من إجمالي عدد المواطنين المقيدين في قاعدة بيانات الناخبين.
وجاء انخفاض نسبة تصويت المقيمين في الخارج على الرغم من أنهم استفادوا خلال الاستحقاق الحالي، بسبب إلغاء نظام التسجيل الإلكتروني المسبق الذي كان يقف حجر عثرة أمام نسبة كبيرة من المغتربين، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات والاستفتاءات السابقة.
ولدى مقارنة الرقم الحالي مع ما سبقه، فإن تصويت المصريين في الخارج سجّل في انتخابات الرئاسة عام 2012 نِسَباً أعلى من النسبة الحالية. ففي الجولة الأولى شارك 314 ألفاً و329 ناخباً بنسبة 0.69 في المئة من إجمالي الناخبين المقيدين آنذاك، وفي جولة الإعادة انخفض العدد إلى 306 آلاف و800 ناخب بنسبة 0.60 في المئة.
وبلغ عدد الأصوات الباطلة المعترضة على كلا المرشحين عبدالفتاح السيسي، وحمدين صباحي، في الانتخابات الحالية 4 آلاف و200 صوت، وهو تعادل ضعف عدد الأصوات الباطلة في انتخابات الرئاسة في الخارج عام 2012 والتي كانت 2454 صوتاً.
وكانت نتيجة الاقتراع في الخارج قد أسفرت عن تقدم السيسي بنسبة 94.5 في المئة مقابل حصول صباحي على 5.5 في المئة فقط بواقع 17 ألف و207 أصوات، وهو ما يقل بنحو 30 ألف صوت عما حصل عليه صباحي في الانتخابات الخارجية عام 2012.
انتخابات تغيب عنها الشفافية والتنافسية
ووسط هذه الأجواء، اعتبر المرصد المصري للحقوق والحريات، أن "الانتخابات الرئاسية الراهنة في مصر هي بلا ضمانات وتحصل في أجواء غير صحية". وأشار إلى أنها "انتخابات لا تنافسية ولا شفافية فيها، ومن ثم فهي انتخابات غير حاسمة للاضطراب في مصر، الأمر الذي يضعف كثيراً من تأثيرها على المسارين السياسي والديمقراطي".
ودعا المرصد "السلطات المصرية ومختلف القوى السياسية إلى ضرورة العمل الجدي على استعادة الأجواء الديمقراطية السليمة، والضغط من أجل تحسين حالة الحريات والحقوق الإنسانية، والتمسك بالتعددية والتنافسية الحرة أساساً للعملية السياسية".
وطالب برفض كل "أشكال التمييز ودعوات الإقصاء السياسي والمجتمعي، حفاظاً على تماسك الوطن، والسير به إلى مستقبل يستوعب الجميع بلا استثناء".
وتشكيك المرصد في شفافية هذه الانتخابات له ما يبرره، أقله في أداء لجنة الانتخابات، التي أعلنت قبل ساعات من توجه المصريين غير المقاطعين إلى صناديق الاقتراع، إنهاء التحقيقات في واقعة توزيع حملة السيسي، "لمبات موفرة" على المواطنين البسطاء في بعض المحافظات، من دون توجيه اتهام لأي شخص، وحفظ الواقعة من دون التصرف قانونياً إزاءها.
وكان عدد من أعضاء حملة السيسي قد قاموا بتوزيع اللمبات الموفرة على المواطنين على مرأى ومسمع من بعض القنوات الفضائية التي غطت الواقعة إعلامياً، ومنها قناة "العربية".
وعلى الرغم من ذلك، قالت اللجنة إنها اكتشفت أن من "ارتكبوا الواقعة هم بعض المنتمين للحملات الشعبية غير الرسمية بتوزيع هذه المصابيح"، وأنه "لم يثبت أن المرشح هو الذي أمر بتوزيعها".
وأكدت اللجنة أن "الحملة الرسمية للمرشح نفت صلتها بالواقعة"، وأشادت في بيانها بتصرف "الوكيل القانوني للسيسي"، وقالت إنه "تحرى الأمر وطالب من قاموا بذلك بوقف التوزيع، مما يثبت حرصه الشديد على الالتزام بالقانون". وينص قانون الانتخابات الرئاسية على عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة تتراوح بين ألف جنيه و5 آلاف جنيه لكل من يوزع رشى انتخابية على المواطنين.
إجراءات أمنية مشددة
في هذه الأثناء، تشهد البلاد استعدادات أمنية مكثفة لاستقبال انتخابات الرئاسة. وبحسب المرصد العربي للحقوق والحريات، فقد وصلت إلى القاهرة، أمس السبت، 15 عربة مدرعة من دولة الإمارات العربية المتحدة، لصالح وزارة الداخلية المصرية، لدعمها في توفير الحماية اللازمة خلال الانتخابات الرئاسية.
وقالت مصادر مسؤولة في مطار القاهرة، إن "العربات وصلت من الإمارات على متن طائرتي نقل عسكريتين، وتم تسليمها لمسؤولي وزارة الداخلية، تمهيداً لإعدادها للعمل ومواجهة أي محاولات للعنف أو الإخلال بالوضع الأمني خلال العملية الانتخابية".
ويشارك قرابة 432 ألف ضابط وجندي من الجيش والشرطة في أعمال تأمين لجان الانتخابات، التي يحق لـ 53 مليوناً و909 آلاف و306 مواطنين الإدلاء بأصواتهم فيها، داخل 25 ألفاً و343 لجنة عامة وفرعية ومقراً انتخابياً، من بينهم 181 ألفاً و912 ضابطاً وصف ضابط وجندياً في الجيش، و250 ألف ضابط ومجند في الشرطة.
وتشمل إجراءات تأمين الانتخابات، استخدام طائرات المراقبة الأمنية والتصوير الجوي، وسيارات البث المباشر، ونشر مجموعة قتالية مكونة من 8 رجال شرطة، بمحيط كل 5 مراكز انتخابية، فضلاً عن تمركز رجلي شرطة، أحدهما سري وآخر نظامي في كل شارع يقع به مركز انتخابي مسلحين بسلاحهما الشخصي.
وستقوم الداخلية بنشر تشكيل أمن مركزي كامل مسلح بالسلاح الآلي والخرطوش، وقنابل الغاز المسيل للدموع، لتأمين كل 5 مراكز انتخابية تقع في نطاق واحد، وتخصيص قوات على أعلى مستوى من الجاهزية، لتأمين المنشآت المهمة والحيوية بالتنسيق مع القوات المسلحة.
ومع ادعاء قوات الأمن فرض سيطرتها على البلاد، أطلق مجهولون ملثمون النار على المستشار محمود السيد، رئيس محكمة العجوزة لشؤون الأسرة وأحد المشرفين على لجنة انتخابية بالجيزة، بعد استيقافه بالطريق الدائري، مما أدى إلى إصابته بطلق ناري في قدمه.
وسرق المجهولون بالإكراه سيارة القاضي وهاتفه المحمول، وعشرات القضايا التي كانت في سيارته، ومبلغاً مالياً كان بحوزته، ثم رموهه في الطريق العام.
واتصل شقيق القاضي على الهاتف المسروق، وأبلغ المتهمين بأن المجني عليه رئيس محكمة، وأن قوات الأمن سوف تلاحقهم للقبض عليهم، ما دفع الجناة إلى ترك السيارة، وبداخلها ملفات القضايا، على الطريق الدائري.