يكثر في الآونة الأخيرة الحديث عن فساد الطبقة السياسية في لبنان، في ظل تصاعد الحركة الاحتجاجية على السلطة وسوء أدائها. أحد الأوجه الأساسية لهذا الفساد يتمثل في شبكة مصالح متشعبة تربط العام بالخاص، حيث تعلو شبهات تضارب المصالح والإثراء غير المشروع على الطبقة الحاكمة. وقطاع المصارف ليس بعيدا عن تلك الشبهات، إذ تسيطر عليه العائلات السياسية وتتحكم بموجوداته وأرباحه: ثماني عائلات سياسية لبنانية فقط تسيطر على 7 مليارات دولار من موجودات المصارف اللبنانية. هذا ما خلصت إليه دراسة جديدة عن "خريطة سيطرة الطبقة الحاكمة على المصارف في لبنان"، التي قمت بإعدادها.
لا يخفى على أحد أن القطاع المصرفي اللبناني هو من الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك بحجم موجودات وصل إلى 199 مليار دولار في 2013، أو ما نسبته 440% من الناتج المحلي الإجمالي. ولهذا القطاع تأثير استثنائي على السياستين النقدية والمالية، وغيرها من سياسات الحكومة.
السياسة النقدية
ولطالما كانت المصارف اللبنانية قريبة جداً من السلطة الحاكمة في لبنان، غالباً من خلال الشبكات الزبائنية، ومن خلال التدخل الكثيف في السياسة النقدية وأسعار الصرف والسياسات الملية للحكومة. وموقف المصارف الرافض لسلسلة الرتب والرواتب في السنوات الأخيرة دليل صارخ على هذا الواقع. غير أن الدليل الحسي على أن القطاع المصرفي خاضع لهيمنة شكل من أشكال رأسمالية المحاسيب لم يكن متوافراً.
لذا انطلق البحث لوضع خريطة للمساهمين الكبار في المصارف التجارية اللبنانية، وتبيان الصلات بينهم وبين الطبقة الحاكمة. وكذا، تحليل أثر هيمنة هذه النخبة على فاعلية القطاع المصرفي.
يتواجد في لبنان 54 مصرفاً تجارياً، تسيطر 20 منها على 99% من الموجودات الإجمالية للمصارف. ويعاني القطاع من معدّل تركز مرتفع جداً، حيث إن أول 15 مصرفاً (مجموعة "ألفا") تسيطر على 96% من الموجودات.
وقد اعتمدت منهجية البحث على مؤشرات الفاعلية المالية والأداء على مستوى المصارف لناحية: تأثرها الكبير بهيكلية الملكية. الديون غير المحصلة (لناحية التمييز بين المقترضين غير المؤهلين)، فضلاً عن حصة المصرف من الاكتتاب في سندات الخزينة (مؤشر يكشف حجم الانكشاف على الدين السيادي). إلى جانب مؤشرات الربحية ومؤشرات التشغيل.
ونستعرض في هذا الإطار نموذجين. بنك عودة يملك فيه فهد الحريري (ابن الرئيس الراحل رفيق الحريري) حصة نسبتها 10%. وبنك ميد يملك فيه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حصة نسبته 42%، وأيمن الحريري حصة نسبتها 42%، ونازك، أرملة الراحل رفيق الحريري، حصة نسبتها 16%.
وبشكل عام، تبيّن أن أفراداً مرتبطين بشدة بالنخب السياسية يسيطرون على 43% من موجودات المصارف التجارية في لبنان. حيث إن 18 من أصل 20 مصرفاً لديه مساهمون أساسيون مرتبطون بالنخب السياسية. لا بل إن أربعة من المصارف العشرة الأوائل، أكثر من 70% من أسهمهم خاضعة لهيمنة رأس مال قائم على المحسوبية. في حين أن عائلات لسياسيين حاليين أو سابقين يسيطرون على 32% من موجودات القطاع. في مقابل 8 عائلات تسيطر على 29% منها، وإجمالي حقوق مساهمين تساوي أكثر من 7.3 مليارات دولار. وهذه العائلات هي: عائلة الحريري تسيطر على أسهم في المصارف اللبنانية قيمتها 2.5 مليار دولار. وعائلة القصار 2.4 مليار دولار، وعائلة الصحناوي 1.4 مليار دولار، وعائلة روفائيل 724 مليون دولار، ومن ثم عائلة عساف 211 مليون دولار، وصولاً إلى عائلة حبيب التي تسيطر على أسهم مصرفية بقيمة 58 مليون دولار، وخير الدين بقيمة 24 مليون دولار، والهراوي بقيمة 17 مليون دولار.
إذ تظهر المعلومات أنه يوجد سيطرة قوية على مجالس إدارة المصارف، من ضمنها حصة الأفراد (15 من أصل 20 مصرفاً لديها مجالس إدارة مرتبطة بسياسيين). السيطرة السياسة على الحصص والسيطرة السياسية على مجالس الإدارات مرتبطة بقوة (متوقع). ولوحظ أنه يوجد علاقة قوية وبشكل ملحوظ بين السيطرة السياسية والقروض المتعثرة، بحيث ترتفع الأخيرة مع ازدياد السيطرة السياسية على المصرف.
(باحث وخبير اقتصادي لبناني)
اقرأ أيضاً:كيف يعاني اللبناني من عمولات المصارف؟
السياسة النقدية
ولطالما كانت المصارف اللبنانية قريبة جداً من السلطة الحاكمة في لبنان، غالباً من خلال الشبكات الزبائنية، ومن خلال التدخل الكثيف في السياسة النقدية وأسعار الصرف والسياسات الملية للحكومة. وموقف المصارف الرافض لسلسلة الرتب والرواتب في السنوات الأخيرة دليل صارخ على هذا الواقع. غير أن الدليل الحسي على أن القطاع المصرفي خاضع لهيمنة شكل من أشكال رأسمالية المحاسيب لم يكن متوافراً.
لذا انطلق البحث لوضع خريطة للمساهمين الكبار في المصارف التجارية اللبنانية، وتبيان الصلات بينهم وبين الطبقة الحاكمة. وكذا، تحليل أثر هيمنة هذه النخبة على فاعلية القطاع المصرفي.
يتواجد في لبنان 54 مصرفاً تجارياً، تسيطر 20 منها على 99% من الموجودات الإجمالية للمصارف. ويعاني القطاع من معدّل تركز مرتفع جداً، حيث إن أول 15 مصرفاً (مجموعة "ألفا") تسيطر على 96% من الموجودات.
وقد اعتمدت منهجية البحث على مؤشرات الفاعلية المالية والأداء على مستوى المصارف لناحية: تأثرها الكبير بهيكلية الملكية. الديون غير المحصلة (لناحية التمييز بين المقترضين غير المؤهلين)، فضلاً عن حصة المصرف من الاكتتاب في سندات الخزينة (مؤشر يكشف حجم الانكشاف على الدين السيادي). إلى جانب مؤشرات الربحية ومؤشرات التشغيل.
ونستعرض في هذا الإطار نموذجين. بنك عودة يملك فيه فهد الحريري (ابن الرئيس الراحل رفيق الحريري) حصة نسبتها 10%. وبنك ميد يملك فيه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حصة نسبته 42%، وأيمن الحريري حصة نسبتها 42%، ونازك، أرملة الراحل رفيق الحريري، حصة نسبتها 16%.
وبشكل عام، تبيّن أن أفراداً مرتبطين بشدة بالنخب السياسية يسيطرون على 43% من موجودات المصارف التجارية في لبنان. حيث إن 18 من أصل 20 مصرفاً لديه مساهمون أساسيون مرتبطون بالنخب السياسية. لا بل إن أربعة من المصارف العشرة الأوائل، أكثر من 70% من أسهمهم خاضعة لهيمنة رأس مال قائم على المحسوبية. في حين أن عائلات لسياسيين حاليين أو سابقين يسيطرون على 32% من موجودات القطاع. في مقابل 8 عائلات تسيطر على 29% منها، وإجمالي حقوق مساهمين تساوي أكثر من 7.3 مليارات دولار. وهذه العائلات هي: عائلة الحريري تسيطر على أسهم في المصارف اللبنانية قيمتها 2.5 مليار دولار. وعائلة القصار 2.4 مليار دولار، وعائلة الصحناوي 1.4 مليار دولار، وعائلة روفائيل 724 مليون دولار، ومن ثم عائلة عساف 211 مليون دولار، وصولاً إلى عائلة حبيب التي تسيطر على أسهم مصرفية بقيمة 58 مليون دولار، وخير الدين بقيمة 24 مليون دولار، والهراوي بقيمة 17 مليون دولار.
إذ تظهر المعلومات أنه يوجد سيطرة قوية على مجالس إدارة المصارف، من ضمنها حصة الأفراد (15 من أصل 20 مصرفاً لديها مجالس إدارة مرتبطة بسياسيين). السيطرة السياسة على الحصص والسيطرة السياسية على مجالس الإدارات مرتبطة بقوة (متوقع). ولوحظ أنه يوجد علاقة قوية وبشكل ملحوظ بين السيطرة السياسية والقروض المتعثرة، بحيث ترتفع الأخيرة مع ازدياد السيطرة السياسية على المصرف.
(باحث وخبير اقتصادي لبناني)
اقرأ أيضاً:كيف يعاني اللبناني من عمولات المصارف؟