المسلمون بين الغرب وبلدانهم

28 ابريل 2014

مقر "الإخوان المسلمين" في القاهرة 1 يوليو 2013 (Getty)

+ الخط -
صدر، قبل أسابيع قليلة، موقفان رسميان من جماعة الإخوان المسلمين: عربي يجرّمها ويعدّها منظمة إرهابية، ويرى في الانتماء إليها، أو في مجرد التعاطف معها انخراطاً في الإرهاب. وآخر أجنبي، بريطاني، أخذ شكل أمر، أصدرته رئاسة الوزراء، بفتح تحقيق قضائي في أنشطة الجماعة في بريطانيا، بعدما اتهمتها صحيفة بممارسة الإرهاب.
في الحالة الأولى، لم يجر أي تحقيق، قضائياً كان أو غير قضائي، بل صدر الحكم نهائياً وقطعياً: الإخوان المسلمون جماعة إرهابية، ولا بد من مطاردتها، والقضاء على أنشطتها وفك أتباعها ومناصريها عنها. وبالفعل، بادرت إحدى مؤسسات القضاء إلى إصدار حكم بالإعدام على 529 شخصاً ألقي القبض عليهم في مظاهرات معادية للنظام، قبل أن تحيل أوراقهم إلى المفتي للتصديق عليها، استكمالاً للتدابير الضرورية "قانونياً" لإعدامهم.
 في المقابل، لم يوقف أو يفتش أو يتهم أي مسلم في بريطانيا. ولم يجرّم أحد بسبب انتمائه إلى الإخوان، ولم تصادر ممتلكات هؤلاء، أو تحظر وسائل إعلامهم، ولم يقدم أي منهم إلى المحاكمة، بتهمة القيام بأنشطة سياسية، أو دعوية، على الرغم من أن أغلبية مسلمي بريطانيا لم يكونوا بريطانيين إلى ما قبل سنوات قليلة. مع ذلك، ظلت حقوقهم مصونةً، بقوة قضاء تعني تحقيقاته امتناع الحكومة عن اتخاذ أي موقفٍ منهم، يسبق استكمال تحقيقاته، أو يؤثر في قانونية تدابيره التي تؤكد، أو تنفي، صحة ما اتهمت به الجماعة، قبل إقدام الحكومة على فعل أي شيء حيالها.
 في الحالة العربية، جاء الموقف الرسمي خارج وضد أي قانون، وبني على انتهاك حقوق أعضاء الجماعة، وأخضعهم لتعسف السلطة التنفيذية، مع أنهم عرب ومسلمون، تدّعي حكومتهم الحرص عليهم وحماية حقوقهم، لكنها تنكرت لادعائها، حين قررت الدولة العميقة حظر أنشطتهم وملاحقتهم، بينما لجأت سلطة بريطانيا التنفيذية إلى القضاء، المستقل عنها، ليحقّق في قضيةٍ له وحده حق البتّ فيها، وتقرير ما إذا كان الإخوان منظمة إرهابية أو تستحق الملاحقة، وفي أية حدود ولأي مدى زمني، فلا مواقف مسبقة ولا ملاحقة ومنع أنشطة مزاجي، وليست قرارات السلطة التنفيذية، بل أحكام السلطة القضائية، أصل الموقف الرسمي وأساسه، علماً أن الثانية لا تتطابق بالضرورة مع الأولى، كما هو حالها عندنا، لأن القضاء يلعب هناك دور رقيبٍ على الحكومة، وسلطةٍ توجه سلوكها بالقانون، ضماناً لحقوق المواطنين وأمن المجتمع.
في حالتنا العربية، خدم القرار القضائي حكم السلطة المسبق، من دون أن يظهر أي أثر للقانون في الحالتين. أما في بريطانيا، فإن حكم القضاء سيظهر حقائق تحمي حق المسلمين في أن يكون لهم رأي مختلف، وأن يمارسوا النشاط الذي يريدونه، في إطار القانون.
لست ضد محاكمة الإخوان المسلمين، أو ضد اتهامهم بأي شيء، لكنني مع احترام حقوقهم كمواطنين وكبشر، وأطالب حكوماتنا "الوطنية" بأن تعاملهم، وتعاملنا، بالطريقة التي تعامل بها حكومة بريطانيا مواطنيها العرب والمسلمين، وأن تصون حياتنا، وحقوقنا، داخل أوطاننا على النحو الذي تُصان به، عموماً، خارجها، وأن لا تقتلنا بالأسلحة الكيميائية والغازات السامة والبراميل المتفجرة، إذا ما تذكّرنا أننا بشر، وذكّرناها بأَن لنا حقوقاً يعني احترامها صون كرامتنا وإنسانيتنا!
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.