المسلسلات المصرية.. "فواصل درامية" داخل الإشهار

09 يونيو 2017
(من مسلسل عفاريت عدلي علام)
+ الخط -
تأثّرت الدراما المصرية مثل كل شيء في مصر بثورة 25 يناير. مسجّلة اختفاء النجوم الكبار وكل من شارك في مسلسل لم يحقّق مشاهدات، وقل إقبال المنتجين عليهم واستبدلوهم بالممثلين الشباب الذين وجدوا فرصتهم. وانتشرت ظاهرة البطولة الجماعية التي اشتهرت بها الدراما السورية طوال تاريخها في مقابل دراما النجم الواحد التي ظلت مسيطرة على نظريتها المصرية طوال السنوات العشرين التي سبقت الثورة.

إذا نجح بعض النجوم في الحصول على بطولة بعض المسلسلات رغم عدم الإقبال عليها، فإن مخرجي وكتاب والدراما القدامى لم ينجحوا في ذلك، ولم يحصلوا سوى على التجاهل التام، حيث سيطر على الدراما بعد الثورة مخرجون وكتّاب شباب من أصحاب التجارب الأولى في بعض الأحيان، وسيطرت كذلك البطولة الجماعية من ممثلي الصف الثاني المخضرمين.

تصدّر الممثلون الشباب "المغمورون"، كـ يوسف الشريف وأمير كرارة وإياد نصار وعمرو يوسف مكانة نجوم الصف الأوّل، وبسبب تدهور الإنتاج السينمائي انتقل نجومها الكبار كعادل إمام وأحمد السقا وكريم عبد العزيز وأحمد مكي إلى الدراما. وشيئًا فشيئًا عادت ظاهرة البطل الواحد مرّة أخرى ولكن بأسماء جديدة، وبعد أن أصبحت الدراما المصرية حيوية بمغامرات الشباب الكتابية والإخراجية واعتماد الأبطال على جودة القصّة والمشاركة الجماعية. عادت القواعد السابقة للدراما المتجمّدة التي ظلت تحكمها قبل الثورة لتبدأ لعنات الدراما.

أصبحت المسلسلات الرمضانية أكثر ربحًا للمنتجين في السينما، فكثرة قنوات القطاع الخاص المصري تزيد من الطلب على المسلسلات، كما أن المسلسلات سهلة الوصول للمشاهد المصري والعربي، عكس الأفلام التي تتطلّب الذهاب لدور العرض أو انتظار شهور طويلة لكي تعرض في إحدى القنوات.

وكما أن هناك أكثر من منصّة لعرض المسلسلات كقنوات الإنترنت التي تقدّم خدمة البث الحي وأشهرها في الوطن العربي "يوتيوب" و"شاهد.نت"، والتي تزيد حجم الشرائح المتابعة للمسلسلات. فالشباب أكثر توجهًا لخدمات البث الحي، أما الأسر وكبار السن فيميلون للقنوات التلفزيونية.

الأعمال الدرامية أصبحت "دجاجة تبيض ذهبًا" لجميع أطرافها، فالمنتج يحقّق أرباحًا مضمونة، وقد يصل الأمر أن يحصل على أرباحه قبل بدء تصوير المسلسل كما في حالة عادل إمام ومصطفى شعبان ويوسف الشريف، فقد بيعت مسلسلاتهم لشبكة mbc بمجرّد إمضاء عقود تصويرها، أما الفنانون فيحصلون على أضعاف الأجور التي يحصلون عليها في السينما فضلًا عن أن القنوات الفضائية كلّما دخلت الموسم الرمضاني بالعديد من المسلسلات كثرت الإعلانات وأرباحها الضخمة. وكل الأطراف هنا تحقّق أرباحًا حتى لو لم يحصل المسلسل في النهاية على رضا جماهيري أو نقدي.

الإعلانات هي مصدر الربح الأوّل والأخير لكل هذه المنظومة، ولذلك يتيح لها أصحاب القنوات والمنتجون الوقت الكافي على حساب أي شيء آخر.

من المفترض أن يكون زمن الحلقة باحتساب زمن الإعلان، ساعة واحدة، مقسمة بين 45 دقيقة للمسلسل وربع ساعة للإعلانات. ولكن أصبح بالتدريج زمن الحلقة أكثر من ساعة من أجل زيادة وقت الإعلانات، وهذا يؤدّي لاختلاف عرض المسلسل كل يوم عن سابقه، فزمن الحلقة يتحدّد حسب حجم الإعلانات المتوافرة، وقد يصل زمن الحلقة في يوم واحد إلى ساعة كاملة وأحيانا يصل إلى ساعتين.

لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بل أصبح مسؤولو القنوات يحبّون المسلسل الذي يكون زمن حلقته قصيرًا. وبالتدريج أصبحت كل المسلسلات ذات حلقات قصيرة. فمسلسل القيصر مثلًا العام الماضي كان زمن الحلقة لا يتعدى 25 دقيقة، وبلغ وقت الحلقة الثالثة عشرة ربع ساعة فقط. كما أن هذا العام لا يزيد زمن حلقات المسلسلات الكوميدية عن 25 دقيقة. وبصفة عامة أصبح الزمن الأطول للحلقة في أي مسلسل هو 35 دقيقة. وغالبًا هذا المسلسل ذات الحلقة الطويلة لا يُمنح لها وقت جيد في العرض لأنه يقلّل من حصة الإعلانات.

تحوّلت القنوات التلفزيونية في رمضان، إلى مساحة لعرض إعلانات يتخلّلها فواصل قصيرة من المسلسلات. وأصبح الفنانون الأكثر جذبًا للإعلانات، مجبرين سواءً بالإغراء المادي أو العقد الملزم على بطولة مسلسل كل عام، وبالتالي لا يجد هؤلاء الفنانون فرصة للراحة وإعادة اكتشاف أنفسهم في أدوار مختلفة. الجمهور يحبّهم في هذه الفئة من المسلسلات أو لا يحبهم ولكن يشاهدهم لسبب أو لآخر، وبالتالي يحبهم المعلنون والشركات المنتجة التي تحدّدهم في نوعية واحدة من الأدوار. ومع الوقت يفقد هؤلاء الفنانون بريقهم ويصبحون مجرّد مقدمي فقرات لخدمة المعلنين.

المساهمون