المستوطنون وحرب التحرير

09 يوليو 2014
+ الخط -

من جديد، عادت صور أطفال الحجارة لتتصدر واجهة وكالات الأنباء العالمية، بمشهد يُذكر بالانتفاضة الفلسطينية الأولى. بين الاختلاف عن أنها هبة عابرة، أو انتفاضة ثالثة، هناك صراع من نوع آخر، بدأ ينشب على الأرض المحتلة بين المستوطنين الصهاينة والفلسطينيين في مختلف أرجاء فلسطين.

هناك صراع آخر، تحاول المؤسسة الإسرائيلية فرضه، لتجر الفلسطينيين إليه، وهو أن ما يجري على الأرض الفلسطينية ما هو إلا صراع بين حماس وإسرائيل، في محاولة جديدة لتهميش الشعب الفلسطيني، وتقسيمه، وإلغاء دوره في مواجهة الاحتلال، وحصر المواجهة بين حماس وإسرائيل.

نجحت إسرائيل، طوال العقود الأربعة الماضية، في تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني إسرائيلي، ونجحت في إخراج غزة من دائرة الصراع، بتحويلها إلى قضية إنسانية، باتت مسألة الحرب عليها وكأنها قائمة بين دولة حماس في غزة ودولة إسرائيل في باقي أرض فلسطين.

تحاول إسرائيل، في تصريحات قادتها ومتحدثيها، أن تصور ما يجري في مدن الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني على أنه صراع بين حماس وإسرائيل، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد، يوماً بعد يوم، أن الأمور خرجت من يد دولة اسرائيل وجيشها، كما أن السلطة الفلسطينية، وحتى حركة حماس، غير قادرتين على ضبط الأمور على الأرض، فهناك شعبان خرجا للمواجهة على أرض واحدة، قطعان من المستعمرين مقابل الفلسطينيين، هم من سوف يقرر شكل الأيام وحتى السنوات المقبلة.

سنوات الهدوء الأخيرة في الضفة الغربية أدت إلى غياب الفلسطيني الحقيقي، وحل مكانه الفلسطيني الغائب والمهمش، وأدى هذا إلى اختلال في موازين القوى بين الفلسطينيين والمستوطنين، وأدى ذلك إلى تضاعف أعداد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، فكانت موازين القوى لصالح المستوطنين وضد سكان الأرض المحليين، وأدى ذلك إلى شعور المستوطنين بالأمن، الذي رافقه مستوى معيشي مرتفع، وبات الواقع التاريخي بالنسبة إليهم شيئاً هامشياً.

إلا أن انتفاض الفلسطينيين في وجه موجة غطرسة المستوطنين الأخيرة، وبعد خطف الطفل محمد أبو خضير وقتله، من شأنه إعادة موازين القوى لصالح الفلسطيني الحقيقي، وضد صالح المستوطن الصهيوني، وبذلك، يكتشف المستوطنون أن البيئة الاستيطانية لم تحقق لهم ما يريدونه، وتعود تدريجياً صورة الفلسطيني الثائر، صاحب الأرض، إلى حساباتهم من جديد.

وسوف يتناسب هذا التحول والاستدراك طردياً مع حجم ثورة ومقاومة الفلسطينيين على الأرض، حيث يمر المستوطنون بمرحلة من التطرف والوحشية، دفاعاً عما ظنوا أنه حقهم في العيش، وبأنهم الأفضل، ولكن ذلك لن يستمر طويلاً، في حال استمر الفلسطينيون في انتفاضتهم، في صورة مشابهة لما حدث في انتفاضة الأقصى، عندما تصاعدت موجات المقاومة والكفاح الفلسطيني، حيث ترك مئات من المستوطنين منازلهم، وفروا إلى مناطق آمنة داخل فلسطين المحتلة 48، أو هاجروا إلى خارجها.

لذلك، على الفلسطينيين أن يعوا، في هذه الأيام، أن تطرف المستوطنين ما هو إلا مؤشر على أن الرسائل التي يرسلها الشباب الفلسطيني الثائر في الشوارع، بدأت تصل إليهم، وأن التطرف والشراسة الصهيونية ليسا سوى المرحلة قبل الأخيرة، التي سوف تحطم أسطورة أحقية المستوطنين في الأرض الفلسطينية، وأكبر مثال على ذلك ما حدث في جنوب أفريقيا، فمع تصاعد مقاومة السكان الأصليين ضد المستوطنين البيض، لجأ هؤلاء المستوطنون إلى البطش وضرب المقاومة بيد من حديد، إلا أن المقاومة استمرت وتصاعدت، على الرغم من بطش النظام العنصري، إلى أن اكتشف المستوطنون البيض عدم جدوى الإرهاب المؤسسي، وانتهى الأمر بسقوط النظام العنصري.

avata
avata
فاطمة شحادة (فلسطين)
فاطمة شحادة (فلسطين)