أبدى محللون تخوّفهم على "النمر الاقتصادي التركي" من الغوص في المستنقع السوري بعد دخول أنقرة في معارك مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وحزب العمال الكردستاني، منذ 23 يوليو/ تموز الماضي، وحذروا من وقوع البلاد في فخ استنزاف مالي واقتصادي يعيق نموها، بعد أن وصلت تركيا إلى واحدة من أفضل 20 دولة اقتصادياً على مستوى العالم.
وانعكست المعارك والتفجيرات الأخيرة على الأسواق التركية، حيث ساد قلق في مختلف القطاعات الاقتصادية، وخاصة عقب بيان صدر عن وزارة الخارجية الألمانية، الأسبوع الماضي، أشارت فيه إلى احتمال تنفيذ هجمات إرهابية على شبكة قطارات الأنفاق ومحطات الحافلات في تركيا.
ويأتي هذا التحذير، في خضم الاضطرابات التي تعيشها تركيا، بعد مقتل 32 شخصاً، وإصابة 104 آخرين بجروح، جراء تفجير انتحاري وقع نهاية الشهر الماضي، بمدينة "سوروج"، التابعة لولاية شانلي أورفة، جنوب شرقي تركيا، ما ينعكس، بحسب محللين، على تدفق الاستثمار ومختلف القطاعات، في ظل تفاقم الاضطرابات الفترة الأخيرة.
وبحسب رئيس جمعية المستثمرين الدوليين التركية، أحمد إرديم، في تصريحات سابقة، فقد توقع تتدفق استثمارات أجنبية مباشرة على تركيا بقيمة 12 مليار دولار هذا العام، مرجحاً أن تصل حصة تركيا من الاستثمارات الأجنبية العالمية إلى 1%.
رؤوس الأموال تتأثر
وفي هذا السياق، يقول المحلل الاستراتيجي السوري محمد علاء الدين، لـ"العربي الجديد"، إنه ربما تتأثر رؤوس الأموال التي توصف بالجبانة ويقل تدفق الرساميل إلى تركيا إنْ استمر القصف ودخلت البلاد المعركة البرية بقوة، كما ستتأثر المشاريع الاستثمارية، وخاصة أعمال الإنشاءات والبنى التحتية التي تقدّر قيمة ما هو تحت التخطيط والتنفيذ منها بأكثر من 350 مليار دولار.
وقد تتراجع تركيا عن المراتب العالمية التي احتلتها اقتصادياً، ومنها المرتبة الثانية في قائمة الدول الصاعدة الأكثر استثماراً في مجال البنية التحتية عام 2014، وذلك بعد البرازيل التي حلت في المرتبة الأولى، حسب علاء الدين.
وكانت تركيا تسعى، خلال العقد القادم، أن تكون ضمن نادي العشرة الكبار.
وشهدت أسعار صرف العملة التركية تراجعاً كبيراً عقب بدء عمليات القصف التركي لسورية، وانخفضت الليرة أمام العملات الرئيسية خلال العشرة أيام الاخيرة ليبلغ الدولار 2.77 ليرة مقابل الدولار، مقارنة بنحو 2.65 ليرة، واليورو 3.1 ليرات مقارنة بنحو 2.77 قبل عشرة أيام، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ شهرين، وذلك بعد تحسن سعر الصرف وانخفاض معدل التضخم في تركيا للشهر الثاني على التوالي في يوليو/ تموز الماضي، حسب المركز التركي للإحصاء الحكومي في تقرير حديث.
ورطة الحرب
وحذر مراقبون من استدامة التوريط التركي بالحرب، ويقول المتخصص بالشأن التركي، سعيد الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن هناك معوقات كثيرة، داخلية وخارجية، تمنع تركيا من الغوص بالحرب بسورية، وخاصة بعد تغيير تركيبة البرلمان في الانتخابات الأخيرة، وما تعيشه البلاد من "إرهاق اقتصادي"، وهي أسباب مهمة تدفع البلاد للتريث قبل دخول أي حرب برية مكلفة وطويلة الأمد، حسب الحاج.
اقرأ أيضاً: الترقب يخيم على الاقتصاد التركي
واتفق مع هذا الرأي المحلل الاستراتيجي التركي، زاهد غول، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، قائلاً إنه من المبكر التكهن بما ستؤول إليه المعارك وأثرها على الاقتصاد، إذ لم تمض سوى فترة وجيزة على الطلعات الجوية والتي لم تصدر الحكومة التركية أرقاماً حول تكاليفها، وأضاف أنه "ربما تتطور المعارك للبرية وتؤثر على الاقتصاد وغيره، وربما تتوقف".
وأشار غول إلى أنه لا يمكن ربط تراجع سعر صرف الليرة بالحرب، لأنها تتراجع منذ الانتخابات البرلمانية، وهناك ظروف داخلية أخرى، فضلاً عن تحسن سعر صرف الدولار عالمياً. كما يمكن لتركيا أن تستفيد من تراجع سعر عملتها بزيادة صادراتها، حسب غول.
وتوقع غول عدم تأثر الاقتصاد بشكل كبير بالحرب التي تشنها أنقرة على داعش والمسلحين الأكراد، لأنها مرت بظروف مماثلة وعلى مدى 8 سنوات، منذ 2002 حتى 2010 خلال حربها على حزب العمال الكردستاني، وحافظ حزب العدالة والتنمية على نموه وصدارته، بل وحقق قفزات نوعية.
قفزة اقتصادية
وبلغ الناتج القومي لتركيا عام 2013 حوالي 1.1 ترليون دولار، وهو يساوي مجموع الناتج المحلي لأقوى اقتصادات 3 دول في الشرق الأوسط وهي إيران والسعودية والإمارات.
وقفز حزب العدالة والتنمية ببلاده من المركز الاقتصادي 111 إلى 17 عالمياً، ليدخل إلى نادي مجموعة العشرين الأقوياء الكبار في العالم.
واستطاع حزب العدالة والتنمية، الذي تقود حكومته البلاد حالياً، نقل تركيا لنادي الكبار، وأصبح الاقتصاد التركي في المرتبة السّادسة في القارّة الأوروبية، بعد إنقاذه البلاد من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية، خلال العشر سنوات الأخيرة.
وواصلت تركيا نموها العقاري لتبلغ المركز الثاني عالمياً من بين الأسواق الأكثر جذباً وضمن أكبر 10 أسواق عالمية في نمو العقار، بحسب مؤشر "نايت فرانك الدولي"، حيث يشهد السوق انتعاشاً مضطرداً بعد تعديل القوانين العقارية ومعاملة المستثمرين الخليجيين بالمثل، إضافة إلى تقديم تسهيلات وصلت إلى منح إقامة لمن يتملّك عقاراً.
وزادت قيمة الصّادرات التركية من 36 مليار دولار إلى 158 مليار دولار، في الوقت الذي تراجعت فيه نسبة الدّين العام مقارنة بالدّخل القومي من 74% إلى 36%. واستطاعت أنقرة ولأول مرة منذ أكثر من 50 عاماً سداد كافة ديونها لصندوق النقد الدولي العام الماضي، بل وتحوّلت إلى إحدى الدول الداعمة للصندوق.
وقال المحلل عبد القادر عبد اللي، لـ"العربي الجديد": لا أرى تركيا متورطة في الحرب، إلا إذا اعتبرنا أنها اختارت جغرافيتها بمحض إرادتها، وتركيا تخسر كلما ابتعدت عن مجريات الجوار وليس العكس.
ووفقاً لعبد اللي، منيت تركيا بأكبر خسارة بتاريخها الحديث عندما لم تشارك التحالف الدولي والولايات المتحدة بالدخول إلى العراق، حيث خسر فيه العرب والأتراك مصالح اقتصادية هائلة مع بغداد، وإن عوضت أنقرة قليلاً من الخسائر عبر العلاقات الجيدة التي أقامتها مع إقليم شمال العراق (كردستان)، رغم أن العراق يساوي خمسة أضعاف منطقة الحكم الذاتي الكردية، حسب عبد اللي.
اقرأ أيضاً:
زلزال الانتخابات التركية يربك الأسواق ويهوي بالليرة والبورصة
سيناريوهات سلبية بانتظار الاقتصاد التركي